أمد/ في 12 سبتمبر 2025، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة “إعلان نيويورك”، الذي دعا إلى خطوات محددة ومؤطرة زمنياً نحو حل الدولتين، مع التأكيد على ضرورة أن تتخلى حركة حماس عن السيطرة على غزة. القرار حاز دعمًا كاسحاً بـ 142 دولة مؤيدة، بينما صوتت 10 دول فقط ضد، من بينها: إسرائيل، الولايات المتحدة، الأرجنتين، المجر وباراغواي وبعض الجزر المجهولة.
هذا الانقسام يثير سؤالاً مهمًا: لماذا اختارت هذه الدول الثلاث (الأرجنتين، باراغواي، المجر) الاصطفاف مع الأقلية المعارضة؟
الأرجنتين: تحول استراتيجي مع حكومة ميلي.. فالأرجنتين تاريخيًا كانت من الداعمين للقضية الفلسطينية، واعترفت رسمياً بدولة فلسطين ضمن حدود 1967. لكن وصول الرئيس خافيير ميلي اليميني المحافظ إلى الحكم أحدث انعطافًا واضحاً في السياسة الخارجية.
ميلي أعلن منذ البداية انحيازه القوي إلى إسرائيل، واصفاً ذلك بـ”واجب أخلاقي”.
الحكومة ترى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية عبر قرارات أممية “يُفرض من الخارج”، وتؤكد أن الحل يجب أن يأتي عبر مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
بهذا التصويت، رسخت الأرجنتين موقعها الجديد في معسكر الدول الموالية لإسرائيل، مبتعدة عن تقاليدها الدبلوماسية السابقة.
باراغواي: رسالة سياسية عبر القدس.. وتعد باراغواي من الدول الصغيرة في أميركا اللاتينية، لكنها اتخذت مواقف ذات رمزية كبيرة. أبرزها كان إعادة فتح سفارتها في القدس، ما وضعها في صف الدول القليلة التي تعترف بالمدينة المقدسة عاصمة لإسرائيل.
حكومة الرئيس سانتياغو بينيا (من حزب الكولورادو المحافظ) تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى لو جاء ذلك على حساب الانسجام مع غالبية المجتمع الدولي.
التصويت ضد إعلان نيويورك يأتي متسقاً مع هذه السياسة: تأييد إسرائيل بشكل مباشر، والاعتراض على أي قرار أممي قد يُستخدم لتوسيع الاعتراف الدولي بفلسطين.
البعد الأيديولوجي حاضر أيضاً، إذ يروّج الحزب الحاكم لخطاب “قيم مسيحيةغربية” ورفض ما يعتبره قرارات مفروضة من المنظمات الدولية.
المجر: الشريك الأوروبي الأقرب من إسرائيل.. تحت قيادة فيكتور أوربان الذي تبني سياسة خارجية محافظة، ومتحفظة تجاه قرارات أممية تعتبرها غير متوازنة.
رغم أن المجر اعترفت بدولة فلسطين منذ 1988، إلا أنها اليوم تقف مع إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي كأقرب شريك سياسي.
موقفها من إعلان نيويورك يرتبط بقراءتها للنص باعتباره لا يدين حماس بشكل كافٍ، ويُظهر “موازاة غير عادلة” بين إسرائيل والجماعات المسلحة.
هذا التصويت يعكس أيضًا رغبة بودابست في تعزيز تقاربها مع واشنطن وتل أبيب، حتى ولو اختلفت عن المزاج الأوروبي العام.
الخلاصة أن اختيار الأرجنتين وباراغواي والمجر التصويت ضد قرار يحظى بتأييد شبه عالمي، ليس مجرد اختلاف في الصياغة. هو إعلان سياسي:
الأرجنتين أعادت تعريف أولوياتها الخارجية مع ميلي.
باراغواي أكدت اصطفافها مع إسرائيل بعد خطوة نقل السفارة.
المجر عززت موقعها كشريك أوروبي لإسرائيل في مواجهة الأغلبية الأممية.
هكذا، وجدت هذه الدول الثلاث نفسها في معسكر ضيق يضم إسرائيل والولايات المتحدة، لتثبت أن مواقفها الخارجية ليست معزولة عن توجهاتها الداخلية وتحالفاتها الأيدولوجية.