تُشكّل أمراض مثل الملاريا وحمى الضنك تحديًا صحيًا متصاعدًا في السودان، لاسيما في ظل الظروف الراهنة التي تعيشها البلاد. وفي هذا السياق، أجرت “التغيير” مقابلة مع الدكتورة يسرا زين، نائب اختصاصي طب الأسرة، للوقوف على أسباب انتشار هذه الأمراض واستعراض سبل مواجهتها..

التغيير: الخرطوم

هل يمكن استئصال الملاريا وحمى الضنك نهائياً؟

من الناحية النظرية، يمكن استئصال الملاريا تمامًا، كما نجحت دول عديدة في الحصول على شهادة خلو منها. لكن على أرض الواقع، يمثل استئصالها من بلد مثل السودان، الذي يعاني أعباء مرتفعة وظروفًا صعبة كالحروب والنزوح وضعف الأنظمة الصحية، تحديًا كبيرًا يتطلب سنوات من العمل المتواصل والموارد والاستقرار السياسي. ومع ذلك، يبقى الأمر ممكنًا. أما بالنسبة لحمى الضنك، فيمكن مكافحتها بشكل فعال وتقليل عدد الإصابات بشكل كبير، وهو ما نجحت فيه دول كثيرة، حتى وإن لم تصل إلى مرحلة الاستئصال الكامل.

ما هي الوسائل والاستراتيجيات العلمية والعملية لتحقيق ذلك؟

يتطلب القضاء على هذه الأمراض حزمة متكاملة من الأدوات، تبدأ بمكافحة النواقل عبر استخدام الناموسيات، وحملات الرش، وإدارة أماكن تكاثر البعوض. كما أن توفير وسائل الكشف السريع وعلاج الحالات فورًا يُعد أمرًا أساسيًا، إلى جانب بناء نظم مراقبة قوية لرصد وتتبع الإصابات. وتشمل الاستراتيجيات أيضًا إطلاق حملات للتوعية المجتمعية والتطعيم عند توفره، إضافة إلى تحسين البنية التحتية مثل الصرف الصحي، وحشد المجتمع لتبني السلوكيات الوقائية.

لماذا فشل السودان في السابق في استئصال الملاريا وحمى الضنك؟

يعود فشل السودان في استئصال الملاريا وحمى الضنك إلى مجموعة من العوامل المتداخلة؛ إذ أدت الحروب والنزوح إلى تعطيل الخدمات الصحية وتدمير المرافق، ما حال دون وصول الأدوية واللقاحات. كما ساهم غياب أنظمة رصد فعالة في عرقلة الاستهداف الدقيق للبؤر الوبائية. واعتمدت البلاد بشكل كبير على التمويل الخارجي، حيث انهارت العديد من البرامج بانتهاء فترات الدعم. يضاف إلى ذلك مقاومة الحشرات للمبيدات، والقيود اللوجستية التي واجهت حملات المكافحة، فضلًا عن تدهور الكوادر الطبية بفعل الهجرة وسوء الإدارة.

هل الإمكانيات المادية والموارد المطلوبة ليست في متناول الدولة السودانية؟

المسألة لا تتعلق بالموارد المادية فقط، فمكافحة الملاريا وحمى الضنك تحتاج إلى تمويل مستمر، ولوجستيات معقدة، وسلاسل توريد قوية، إضافة إلى بنية تحتية صحية فعالة وضمان وصول آمن إلى المناطق المتأثرة. صحيح أن بعض التدخلات، مثل تنظيف بؤر تكاثر البعوض وتوزيع الناموسيات، لا تُعد باهظة التكلفة، لكن استدامتها تتطلب تمويلًا كبيرًا وشراكات دولية. وباختصار، الموارد وحدها لا تكفي ما لم تُدعَم بإدارة رشيدة وخطط طويلة الأمد.

 هل الخبرات العلمية والفنية غير متوفرة داخل السودان؟

على العكس تمامًا، يمتلك السودان خبرات وطنية وكفاءات عالية من الأطباء والبيولوجيين واختصاصيي الوبائيات. غير أن الصراع والنزوح وتفكك المؤسسات أضعف هذه القدرات وشتّت الكفاءات. لذلك، فالمشكلة لا تتعلق بغياب الخبرة، بل بمزيج من العوامل الفنية والعلمية، فيما تظل العقبة الكبرى في التنفيذ والإدارة والتمويل والاستدامة.

هل حمى الضنك بطبيعتها مرض قاتل؟

ج: حمى الضنك ليست قاتلة بالضرورة، فمعظم الإصابات تكون طفيفة. غير أن الحالات التي تتطور إلى “الضنك النزفي” قد تكون مميتة إذا لم تُقدَّم الرعاية الداعمة اللازمة، مثل السوائل ونقل الدم. ويُعزى ارتفاع معدلات الوفيات في السودان بالأساس إلى انهيار الخدمات الصحية ونقص الأدوية وتأخر وصول المرضى إلى المرافق الطبية في المراحل الحرجة.

ما هي الخطوات العاجلة الممكنة لتخفيف العبء الصحي؟

رغم الجهود العاجلة التي تبذلها وزارة الصحة، تظل هناك إجراءات إضافية ضرورية يمكن أن تسهم في الحد من انتشار المرض. في مقدمتها استهداف البؤر الوبائية بحملات رش منزلي ومكافحة اليرقات في مناطق النزوح والمناطق عالية الكثافة. كما يُعد توفير أدوات التشخيص السريع والأدوية الكافية للمرافق المتنقلة والعيادات الميدانية خطوة محورية، إلى جانب إطلاق حملات توعية مجتمعية لحث السكان على إزالة أوعية تكاثر البعوض وتوزيع الناموسيات. وتبرز أيضًا أهمية إنشاء مراكز طوارئ متنقلة وتفعيل برامج للرصد المبكر والاستجابة السريعة للحالات، فضلًا عن التنسيق مع منظمات الإغاثة الدولية لتأمين التمويل والإمدادات. في المحصلة، فإن مواجهة هذه الأوبئة تتطلب رؤية شاملة تتجاوز الحلول المؤقتة نحو إعادة بناء النظام الصحي وتعزيز قدراته على المدى الطويل.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.