في أفق الاستحقاقات الانتخابية لسنة 2026، يستعد المغرب لمرحلة سياسية جديدة تتخللها نقاشات واسعة حول مستقبل المشاركة السياسية، خاصة في ظل التخوفات المتزايدة من تفاقم ظاهرة العزوف الانتخابي. هذا النقاش يطفو بقوة على الساحة العمومية، مدفوعا بتجارب سابقة أظهرت فتورا في الإقبال على صناديق الاقتراع، لا سيما من لدن فئة الشباب الذين يشكلون نسبة كبيرة من البنية الديمغرافية للمجتمع المغربي.

هذه التخوفات من تفاقم العزوف لا تأتي من فراغ؛ بل تستند إلى واقع رقمي ملموس يعكس فتورا مزمنا في الإقبال على صناديق الاقتراع. فباستثناء انتخابات 2021 التي تم فيها دمج ثلاثة استحقاقات وبلغت نسبة المشاركة فيها 50.35 في المائة، ظلت الأرقام خلال العقدين الأخيرين مقلقة؛ إذ لم تتجاوز النسبة 42.29 في المائة في تشريعيات 2016، بعد أن كانت في حدود 45.4 في المائة سنة 2011. وتظل محطة 2007 شاهدة على عمق الأزمة، بتسجيلها أدنى نسبة مشاركة في تاريخ المغرب لم تتعد 37 في المائة.

ومع اقتراب الموعد، تتزايد التساؤلات حول مدى قدرة الفاعلين السياسيين على استعادة ثقة المواطنين، وحول الإصلاحات المطلوبة لتفادي مشهد انتخابي مطبوع بالبرود واللامبالاة.

رشيد لزرق، المحلل السياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات، قال إن “العزوف عن المشاركة السياسية والانتخابية في صفوف فئة واسعة من المواطنين، وخاصة الشباب، يرتبط بعوامل متداخلة عديدة؛ أبرزها ضعف ثقتهم في قدرة الأحزاب والمنتخبين على تحسين أوضاعهم المعيشية، واستمرار الإحساس بأن العملية الانتخابية لا تترجم إلى سياسات ملموسة في مجالات حيوية؛ مثل: التعليم والصحة وفرص الشغل. كما أن ضعف التنشئة السياسية، وضعف قنوات التواصل بين الدولة والشباب، يعمّق المسافة بينهم وبين العمل السياسي المنظم”.

وأضاف لزرق، ضمن تصريح لهسبريس، قائلا إن “تراجع الثقة في المؤسسات المنتخبة يرتبط بشكل مباشر بالعزوف؛ لكنه لا يكفي لتفسير الظاهرة. فهناك عوامل اجتماعية واقتصادية موازية، مثل الإحباط الناتج عن البطالة وغلاء المعيشة، إضافة إلى الشعور بالتهميش السياسي والثقافي لبعض الفئات”.

ولفت المحلل السياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات إلى أن “هذه العوامل تعيد إنتاج القناعة بأن السياسة مجال مغلق، ولا يتيح إمكانات حقيقية للتأثير أو التغيير. بالتالي، العزوف هو نتاج أزمة ثقة مركبة، تتجاوز ضعف الأداء المؤسساتي لتشمل الإحباط الاجتماعي وغياب العدالة المجالية”.

ومن أجل مواجهة هذا التحدي، أكد لزرق أن “تقليص فجوة الثقة بين المواطن والعمل السياسي يستدعي إصلاحات عميقة؛ على رأسها تجديد الخطاب السياسي ليكون صادقا وقريبا من هموم الناس، وتبني سياسات عمومية ملموسة تحسّن الخدمات الأساسية وتوفر فرصا للشباب. كما يقتضي الأمر تعزيز الشفافية والمساءلة داخل المؤسسات المنتخبة، وتوسيع المشاركة المجتمعية في صياغة القرارات العمومية، بما يعيد للمواطن الشعور بأن صوته مؤثر، وأن السياسة ليست مجرد طقوس انتخابية بل وسيلة فعلية للتغيير”.

أما عبد الرحيم العلام، الباحث في العلوم السياسية، فذهب إلى أن “العوامل المؤدية إلى نفور الشباب عن المشاركة السياسية: العامل الحزبي، خاصة المنحدر من الحركة الوطنية، لم يقوَ على تحقيق أهدافه التي تأسس عليها أيّام الشباب؛ فشبابه المؤسسون أصبحوا هم الكهول في العصر الراهن، حيث لم يحدث تجدد على مستوى القيادة، وهو ما ساهم في ضعف القدرة على فهم مطالب شباب الجيل الحالي”.

وأوضح العلام، ضمن تصريح لهسبريس، أن “نفور الشباب من العمل السياسي الحزبي، وهو المتعلق بمسألتي الثقة والمصداقية؛ فالشباب عندما بادروا إلى الالتحاق بالعمل الحزبي، كان دافعهم الأساسي هو المحاكاة، نظرا لوجود القدوة السياسية، حيث كانوا يَجدِون فيمن يمتهِن العمل السياسي المصداقية والنزاهة اللذين يُعدّان المغناطيس الجاذِب للانخراط في العمل الحزبي. وهذا الأمر أصبح، للأسف، في عصرنا الحالي شبه غائب، حيث تسيّدت الانتهازية وتحوّلت الأحزاب إلى أداة للتسلّق الطبقي، واقترنت بالمحسوبية وعدم النزاهة”.

وأضاف الباحث في العلوم السياسية أن “العامل الثالث يتصل بكون طموحات الشباب المغربي قد تجاوزت بشكل كبير ما تُلبّيه الأحزاب؛ فالشباب الذي لديه وعي سياسي لم يعد مقتنع ببرامج الأحزاب الموجودة إما لارتباطها بالسلطة، أو لانتهازيتها، أو لمحدودية مطالبها، أو لإفراطها في الأدلَجة”.

وأكد المتحدث عينه على ضرورة التمييز بين العزوف عن المؤسسة الحزبية وبين المشاركة والوعي السياسيين، مبرزا أن “مقولة (الشباب عازف عن السياسة) هي مقولة مضلّلة نوعا ما”، حسب تعبيره.

وشرح العلام قائلا: “مضللة لأنها تُقدّم إجابات سهلة للباحثين والمهتمين، وتمنعهم من البحث في المضمون السياسي الذي يرتئيه الشباب كشرط للمشاركة في الحياة السياسية عبر المدخل الحزبي. فمثلا لا يمكن بأي حال من الأحوال الزعم بأن الشباب يمتنع عن المشاركة في الانتخابات والاستفتاءات فقط لأنه غير مبالٍ، بل ربما تكون مقاطعته لهذه الأشكال هي من صميم وعيه السياسي”.

واستطرد قائلا: “من خلال الملاحظة والبحث، ومن خلال التجربة، يصعب أن نعول على الأحزاب الموجودة في الساحة (لا سيما المشاركة في اللعبة السياسية)، في إعادة ثقة الشباب في المؤسسة الحزبية، بل ربما لن تزيد هذه الأحزاب الشباب إلا نفورا منها، والبحث عن بدائل أخرى من أجل تصريف مواقفها. فالمؤسسة الحزبية بما هي وسيط بين المجتمع والدولة، أضحَت عاجزة عن القيام بمهمّتها، خاصة في ظل التنازلات التي أقدمت عليها الأحزاب التي شاركت في الحكم بعد سنوات من المعارضة، إضافة إلى مسلسل الفضائح الذي ارتبط بممثلي هذه الأحزاب أثناء مزاولته لعملهم الحكومي أو التمثيلي”.

المصدر: هسبريس

شاركها.