عدم احتمال الكيزان حتى لأحمد طه في قناة الجزيرة!

رشا عوض

لم يعد سراً أن قناة الجزيرة ذراع اعلامي للإخوان المسلمين حول العالم مع استيعابها لبعض القوميين العرب المتقاربين مع الإسلام السياسي.

قناة الجزيرة مكشوفة تماماً لكل متابع حصيف، فهي كوكتيل من الأجندة الاستخباراتية في المنطقة وغارقة في التسييس على عكس الصورة الزاهية التي يحاول الكيزان تسويقها ممثلة في أنها أي الجزيرة أيقونة المهنية والنزاهة وأنها منزوعة الأجندة السياسية، هذا غير صحيح بالمرة، فالجزيرة منحازة للإسلام السياسي وماهرة في تسويقه وشرسة في الدفاع عن أجندته في المحكات الصعبة التي عندها تخلع الجزيرة أثواب المهنية والاستقلالية وتتحول إلى بوق دعائي حرفياً يكرِّس الحالة الهتافية والغوغائية في الفضاء العربي الذي تسكنه هذه الحالة أصلاً.

ورغم كل ذلك الجزيرة منصة إعلامية تقدم محتوى ذا أهمية في فهم ما يجري في المنطقة والعالم ولكن بشرط أن يكون المتلقي واعياً بأجندتها ويتعامل معها كأحد المصادر وليس كمصدر وحيد، وقد انتهى في هذا العصر عهد احتكار الخبر والمعلومة والخطاب وذهب إلى غير رجعة.

في الشأن السوداني الجزيرة متواطئة مع الكيزان خصوصاً في الخط الاستراتيجي وهو تمكين حكم عسكري بسيطرة إسلاموية وديكور مدني قوامه الإسلامويون وتوابعهم، السبب في تغطية قناة الجزيرة لثورة ديسمبر واستضافتها لرموز سياسية مدنية هو أنها تلعب دورها الإعلامي بذكاء وتحسب حساب الحدود المعقولة للظهور بمظهر محترم لأن هذا أكثر جدوى في خدمة خطها السياسي، أما غضب بعض الكيزان من قناة الجزيرة فسببه التنافس الداخلي بينهم والانقسامات في صفوفهم فهناك كيزان مصر وكيزان قطر وكيزان تركيا وبما أن القناة قناتهم فيرغب كل تيار في الاستفادة القصوى منها في التضليل وفي تسويق أجندته!

المضحك والمثير للشفقة فعلا هو أن الكيزان من فرط ضعف سرديتهم حول الحرب وتهافت خطابهم باتوا عاجزين حتى عن احتمال أمثال أحمد طه المتواطئ معهم وربما يكون على صلة ما ببعض غرفهم الإعلامية!

لماذا لم يعد حتى من يطرحون أنفسهم كفلاسفة جدد للإسلام السياسي في السودان قادرين على احتمال أحمد طه؟ وكل ما يفعله هو إتاحة مساحة للرأي الآخر من التيار المدني والقيام بالدور المتعارف عليه للمذيع في البرامج الحوارية وهو الرد على ادعاءات المستضافين ومناقشتهم فيما يطرحون ومحاصرتهم بالأسئلة التي تخطر على بال كل متابع للحوار حتى يكون الحوار حياً وساخناً؟ لماذا لم يحتملوا أحمد طه رغم أنه في المحصلة النهائية يفرد للتيار العسكر كيزاني المساحة الأكبر وأحياناً يضرب بالمهنية عرض الحائط لصالحهم ويخدم أجندتهم بذكاء، كما يلعب دوراً خبيثاً آخر في إظهار السودانيين عموماً بمظهر كاريكاتيري يجعل المتابع يستنتج أنهم يحتاجون فعلاً للوصاية!! ليس فقط وصاية  العسكر السودانيين بل بحاجة لوصاية خارجية! ويعزز ذلك بالإكثار من استضافة شخصيات كرتونية مؤكد هناك من هو أكثر منها تأهيلاً وسط السودانيين حتى في معسكر البلابسة، وكذلك الإكثار من استضافة المصريين في شأن السياسة السودانية الداخلي وهذا الخطأ تقع فيه كل الفضائيات العربية بسبب نفوذ المصريين داخلها، لا يمكن أن تجد فضائية عربية تستضيف سودانياً في الحديث في قضايا السياسة المصرية الداخلية ولكن ذلك يحدث وبكثافة ملفتة في الشأن السوداني نتيجة الاستخفاف بالسودانيين واستبطان الوصاية المصرية عليهم في المخيال العربي، وللأسف يستضيفون أحياناً شخصيات مصرية مرتبطة بالأجهزة الأمنية الكيزانية لتمرير خط سياسي معين.

رغم كل ما يقدمه أحمد طه من خدمات جليلة للهدف الاستراتيجي للكيزان في السودان فإن الهامش المحدود للرأي الآخر أرعبهم وأفزعهم! ولهم العذر في ذلك لأن خطابهم لا يصمد أمام أي نقاش موضوعي وأكاذيبهم وأباطيلهم وسردياتهم المضللة لا تحتمل تسليط أي ضوء ولو خافت! فهي من الضعف والتهافت بحيث لا تعيش إلا في الظلام الدامس! صوتها لا يعلو ولا يمكن سماعه إلا خلال الصمت المطبق! وغياب أي همس مغاير!

في الأسافير السودانية يتهربون من النقاش الموضوعي بالبذاءات والتجريح الشخصي للخصوم والبجاحة الحسنطرحوية في الكذب، ولكنهم لا يستطيعون فعل ذلك على شاشات الفضائيات التي لها حدود وتخاف على سمعتها! فيفتضح عجزهم وإفلاسهم عندما يكون هناك رأي آخر وحوار على مستوى مقبول من العقلانية!! ولذلك يرغبون في أن تتحول قناة الجزيرة إلى نسخة من تلفزيون السودان أو قناة طيبة! حيث  يمسكون بالمايك منفردين فيكذبون ويضللون ويكسرون عنق المنطق والحقيقة ويسلخون جلود خصومهم بأريحية لا يعكر صفوها سؤال أو استدراك أو ضوء كاشف!

مساكين يا كيزان! حتى أحمد طه غلبكم!! وعجزتم عن مساعدته في  تمرير خطكم المشترك بذكاء وبصورة محترمة؟

(عاد قولو كر! كر شديد!)

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.