عمرو بن العاص خير المحامي
الأستاذ معتصم محي الدين (٧٠ عاماً) عمل خطيباً بمساجد الدوحة ومدرس في معاهدها الدينية. عاد واستقر في السودان مع زوجته وابنائه.
وهو كغيره ممن عرفوا الحق ظل يهاجم الفساد والظلم وسطوة المليشيات من جنجويد وكيزان ومرتزقة دون أن ينتمي إلى أي حزب أو جماعة يهاجمهم بقصائد من تأليفه منها (تبا لعصرك ياعمر ، وامبراطورية الجيش) وغيرها
في ذروة الحرب في منطقته السكنية (بحري) ظل وحيدا إلا من بعض الجيران وكان كعادته يزهر أينما كان فآثر وجاره أن يقدموا الطعام والدواء لبعض العجزى من كبار السن الذين استقروا في مدرسة القبس القريبة من بيته
وأثناء عودته ذات مرة من واجب مداوة المرضى، تعرضت له دورية من الجنجويد نهبوا هاتفه ونقوده وأدويته واتهموه بأنه يأوي ويعالج جرحى القوات المسلحة، وخيره بين الرحيل فورا أو التصفية لم يسمحوا له بأن يأخذ حتى ملابسه من بيته الذي نهبوه مرات ومرات
تنقل معتصم من مدينة إلى أخرى
حتى استقر في قريته بمنطقة المحس 700 كيلو متر من الخرطوم واستمر يقدم الخير (وحيداً) يدرِّس الأطفال اللغة العربية؛ الانجليزية؛ الدين؛ الكمبيوتر؛ الرياضيات.. وفي المساء يسعى لمحو أمية الكبار
وفي وقت الفراغ القليل يكتب كغيره في صفحته بالفيسبوك عن شر الحرب؛ ويلعن مع اللاعنين من أشعلها ومن تغافل عن نذرها الواضحة.
بتاريخ 25 يناير 2025 وعند الفجر؛ حضرت الى بيته بالقرية عربة تاتشر محملة بقوة مسلحة. هجموا على معتصم.. اعتدوا عليه بوحشية ثم ألقوا به في العربة.. وكانوا قد بعثروا غرفته واستولوا على هاتفه وفي مكان اعتقاله بالفرقة 19 مروي مقر الخلية الأمنية أجبروه على فتح هاتفه
ثم ظل ما بين معتقل بالخلية الى مقبوض بأمر رئيس النيابة الى مقبوض لأغراض المحاكمة الى سجين مدان بعد أن حكم عليه القاضي الزاكي بالسجن أحد عشره سنة تحت ذريعة التعاون مع التمرد وهي تهمة تطال كل من كان ناشطا في الثورة ضد الكيزان بينما العائدون من التمرد ومن حملوا السلاح يعيشون بسلام وكأنهم لم ينهبوا ولم يتمردوا
صدر الحكم ضد المعلم معتصم محي الدين، وقضى بسجنه إحدى عشرة سنة.
ورغم أن الحديث عن قضية لا تزال قيد النظر يُعدّ أمرًا غير مستحب في فقه القانون، إلا أن الضرورة تقتضي توضيح بعض الحقائق من وجهة نظرنا.
لقد تعرضت أجهزة العدالة لضربة أفقدتها التوازن، حين تسللت إلى ساحة التحقيق أيادٍ من خارج جسد العدالة، نالت شرعية السلطة ومباركة نائب عام جاء إلى منصبه في لحظة من الزمان التعس، وهو المدعو طيفور، الذي غادر منصبه محاطًا بأذيال الخيبة. لم تُبقِه في موقعه حتى مباركة انتهاكات الخلية الأمنية، ولا شهادة الزور التي قدمها في محفل إعلامي، مدعيًا أنه تابع أسلوبها في التحقيق ولم يجد فيه ما يزعج ضمير العدالة.
والحق أن الموتى الذين غابوا عن المشهد الدنيوي، والهياكل العظمية التي لم تفقد ماتبقى كم روحها، تتحدث عن كوارث تهتز لها العدالة والإنسانية.
صحيح أن عددًا من المحامين (تناوبوا على قضية معتصم، لكنهم، رغم التحفظات، كانوا جزءًا من مشهد تدني مستوى مهنة المحاماة، فقدموا دفاعًا أشبه بجثة هامدة، حتى صدر الحكم بالسجن.
الآن، أنا أتولى مسؤولية استئناف الحكم، رغم كل المعوقات الإجرائية التي تحيط بالخدمة المدنية بشكل عام، وبالسلطة القضائية بشكل خاص. ويقيني مستمد من إيماني بالحق تعالى، ومن خبرة طويلة في مقارعة خفافيش الليل، أن الصبح قريب، وأن الحكم القضائي إلى زوال. فإن كان بين كل ثلاثة قضاة قاضيان في النار، فإننا نعوّل على الثالث أن ينصف المظلوم.
والحق يرعاكم
عمروبن العاص خير المحامي
بمركز الحماية القانونية
المصدر: صحيفة الراكوبة