مسرحية تغيير الوجوه وأعادة تدوير المناصب التي لجأ إليها البرهان هي حيلة للإيحاء بعزل منسوبي النظام السابق من الأجهزة العدلية كما يرى مراقبون.
التغيير نيروبي: أمل محمد الحسن
بين يوليو ومطلع سبتمبر الحالي؛ تمت تسمية قيادات الأجهزة العدلية في السودان، حيث أصدر رئيس وزراء الحكومة المسيطر عليها من الجيش كامل إدريس، قرارا بتعيين “محمد عبد الله درف” وزيرا للعدل في يوليو الماضي، فيما عين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان “وهبي محمد مختار” رئيسا للمحكمة الدستورية في نهاية أغسطس المنصرم و”انتصار أحمد عبد العال” نائبة عامة للدولة خلال سبتمبر الجاري.
مصدر عدلي: بعض المستشارين “دبابين” والبعض الآخر ارتدى الكاكي في الحرب الحالية
تدوير المناصب
تعيينات الأجهزة العدلية أثارت جدلاً في الأوساط القانونية؛ لجهة ارتباط الأسماء المذكورة بنظام الإنقاذ البائد، وتم إقصاؤهم من المؤسسات بواسطة لجنة تفكيك التمكين إبان الفترة الانتقالية المنقلب عليها.
وشغل وهبي محمد مختار منصب رئيس المحكمة الدستورية منذ العام 2014 حتى سقوط نظام المخلوع عمر البشير. أما وزير العدل فقد كان عضواً في هيئة الدفاع عن الرئيس المخلوع البشير، إلى جانب دفاعه عن قتلة الشهيد محجوب، فيما عملت انتصار عبد العال في النيابة العامة منذ العام 1988م وتقلدت رئاسة عدد من النيابات لا تمنح إلا لـ”الكيزان” وفق مصدر عدلي فضل حجب اسمه.
وقال المصدر العدلي لـ(التغيير)، إن الإقالات التي شملت النائب العام السابق الفاتح طيفور إلى جانب مساعديه ياسر بشير البخاري وعامر محمد إبراهيم وياسر أحمد محمد وأحمد علي المتكسي، ما هي إلا خطوة لإيهام المجتمع الدولي بعزل منسوبي النظام السابق من الأجهزة العدلية.
(بعض المستشارين كانوا دبابين، والبعض ارتدى “الكاكي” وحمل السلاح في الحرب الحالية).
وأكد المصدر العدلي أن التخلص من الكيزان حيلة لا يصدقها أي متابع للأجهزة العدلية “رجعوا أكثر قوة وسيطرة خاصة داخل وزارة العدل”.
وكشف عن وجود بعض مديري الإدارات في العاصمة المصرية القاهرة حيث يصرفون جميع استحقاقاتهم من هناك دون أن يباشروا مهامهم الوظيفية.
مصدر عدلي: رفض تعيين رئيس المحكمة الدستورية لأنه كوز “مراهقة سياسية”
أهمية المحكمة الدستورية
من جانبه، أشار مصدر عدلي فضل حجب اسمه إلى أهمية المحكمة الدستورية، واصفاً رفض تعيين وهبي لانتمائه للحركة الإسلامية بـ”المراهقة السياسي”!
وقال لـ(التغيير)، إن المحكمة لديها قانون صادر في العام 2005م مختص بالفصل في الطعون الدستورية والرقابة على دستورية القوانين واللوائح والنصوص المخالفة للدستور والحقوق والحريات.
وأضاف أنها الجسم الوحيد الذي لديه الحق في محاكمة رئيس الدولة ونائبه ورئيس المجلس التشريعي.
وأكد المصدر العدلي عدم أهمية انتماء رئيس المحكمة الدستورية لجهة أن القرار يتم اتخاذه بالأغلبية من مجموع 9 قضاة يتم ترشيحهم عبر مفوضية الخدمة القضائية.
ووصف البلاد بأنها في حالة فوضى يتم فيها إهدار الحريات والحقوق الأمر الذي يستدعي تكوين المحكمة الدستورية.
وضرب المصدر مثلاً بأحكام الإعدام التي تصدر في مواجهة المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع، وقال إن الحكم إذا تم تأييده من المحكمة العليا يتم الطعن فيه لدى المحكمة الدستورية.
مدير مركز السودان لحقوق الإنسان: أحمد هارون وغيره يشاركون في اجتماعات المؤتمر الوطني والسلطات لا ترغب بتسليمهم للجنائية
انعدام أمل “الجنائية”
الأشخاص الذين تم تعيينهم في مفاصل الأجهزة العدلية لديهم مواقف ضد الثورة وفقاً لمدير مركز السودان لحقوق الإنسان منعم آدم، الذي أكد ارتباطهم بعلاقات وطيدة مع نظام البشير.
وأكد آدم انقطاع أي أمل في تسليم المطلوبين لدى المحكمة الجنائية الدولية، على رأسهم الرئيس المخلوع عمر البشير وعبد الرحيم محمد حسين وأحمد هارون.
وقال إن هارون وغيره من رموز النظام البائد يشاركون في اجتماعات المؤتمر الوطني دون أن يعلن أي مسؤول في الدولة أو المؤسسات العدلية عن رغبة في تسليمهم.
وأضاف مدير مركز السودان لحقوق الإنسان لـ(التغيير)، أن هناك حالة وحيدة يمكن أن يسلم فيها البرهان المطلوبين للجنائية وهي التخلص من خصومه للوصول إلى السلطة وإرضاء بعض الأطراف الدولية.
واستدرك: لكن واقع الميدان العسكري الذي يحارب فيه الإسلاميون في جميع الجبهات لن يمكنه من التضحية بعلاقته بهم كونهم ذراع أساسي في المعركة.
منعم آدم: لا يحق للبرهان ولا حميدتي تأسيس سلطات مدنية
انعدام الشرعية
وطعن المحامي المهتم بحقوق الإنسان منعم آدم، في شرعية السلطة القائمة ببورتسودان والتي أساس توليها للسلطة مبني على انقلاب اكتوبر 2021 “لا يحق للبرهان ولا حميدتي تأسيس سلطات مدنية”. مشدداً على أن الاعتراف النسبي الذي يحوزه البرهان والوعود التي ربما تلقاها حميدتي لن تضفي شرعية على نظاميهما.
كما شكك في توفر الكفاءة الكافية لتحقيق العدالة، مشيراً إلى أن أهم مرتكزاتها القدرة والرغبة “هذه العوامل غير متوفرة في الأشخاص الذين تم تعيينهم لجهة عدم توفر سلطة شرعية منذ الانقلاب”.
مهدي رابح: الانتهازيون واللصوص من الإسلاميين هم فقط من يدعمون البرهان
علاقة البرهان بالإسلاميين
التفرقة في العلاقة بين البرهان والإسلاميين خطأ وفق القيادي بالمؤتمر السوداني مهدي رابح الذي أكد أن البرهان عنصر مركزي في تحالفات السلطة والثروة وهو التعريف الحقيقي للإسلاميين “عدا مجموعة صغيرة مؤمنة بالفعل بالمشروع الأيديولوجي”.
البرهان لديه مشروع واضح منذ سقوط البشير في أنه يريد الاستمرار في السلطة بحسب رابح الذي أشار إلى إخراجه مظاهرات حاملة صورته مروراً بالانقلابات منذ فض الاعتصام حتى اكتوبر، رابطاً استمراره في السلطة بتيارات لديها نفوذ عسكري واقتصادي.
“هذا يجعل من يدعمونه لا يخرجون من فئتين: الانتهازيين واللصوص”.
رابح: الإسلامويين مازالوا يسيطرون على مفاصل الدولة والحرب بالنسبة لهم وجودية
وقال رابح لـ(التغيير)، إن التغييرات التي يقوم بها البرهان تقوم على ملء الكراسي بمجموعة من الانتهازيين والإسلامويين، والفرق الوحيد قدرته على تغيير الوجوه بدون العودة لمراكز القرار الإسلاموية.
وأعاد رابح توفر هذه القدرة لضعف التيار الإسلامي الذي يقرأ وفق الوضع الجيوسياسي الإقليمي المتمثل في القضاء على حماس وحزب الله والضغوطات الممارسة ضد إيران.
“أثر هذا في قدرته على استيراد السلاح وتمويل الحرب”.
وأكد رابح أن سيطرة الإسلامويين على مفاصل الدولة ما تزال موجودة وأن الحرب بالنسبة للتنظيم وجودية.
وأضاف: بعد سقوطهم الأخلاقي لن يكون لهم وجود فيبدأوا المتاجرة بالدماء والحرب.
“البرهان سيذهب في اتجاه تحقيق حلمه في حكم السودان ولو على الركام!”.
المصدر: صحيفة التغيير