في خضم الحرب المدمرة على غزة، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بتصريحات لافتة ومثيرة للجدل، حيث شبّه هجوم السابع من أكتوبر بهجمات 11 سبتمبر 2001، ووجّه تهديداً مباشراً لقطر، مطالباً إياها بطرد قادة حركة حماس أو تقديمهم للعدالة.
مغالطات واضحة وتجاهل للحقائق التاريخية والسياسية
وتعليقا على هذه التصريحات، التي قيلت بعد يوم واحد من ضربة إسرائيلية استهدفت مقر إقامة قادة حماس في الدوحة، أكد الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي إنها لا تكشف عن تهور دبلوماسي فحسب، بل تُبرز سلسلة من المغالطات الواضحة وتجاهلاً للحقائق التاريخية والسياسية، وهي:
أولاً، التواجد السياسي لقادة حماس في قطر ليس سراً، بل هو ترتيب قائم منذ سنوات وبمباركة وضمانات غير رسمية من قوى إقليمية ودولية، بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدة.
ولقد اعتبرت هذه الدول وجود قيادة حماس في الدوحة قناة ضرورية للتواصل والتفاوض، واستخدامها كوسيط في الأزمات.
وعلى مدى سنوات، أدارت هذه القناة جهوداً دبلوماسية حساسة، منها صفقات تبادل الأسرى والتهدئة. لم يكن هذا التواجد “إيواء للإرهابيين” كما يصفه نتنياهو فجأة، بل كان أداةً دبلوماسية تحت إشراف الجميع.
ثانياً، اغتيال مفاوضين في خضم عملية دبلوماسية يعدّ خرقاً صارخاً لكل الأعراف السياسية والأخلاقية.
فكيف يمكن لدولة تسعى لوقف حرب أن تغتال الأطراف التي تتفاوض معها؟ القادة الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة كانوا جزءاً من جهود الوساطة التي تقودها قطر ومصر لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.
هذا الاستهداف يلقي بظلال من الشك على نوايا نتنياهو الحقيقية، ويطرح تساؤلاً حول مدى جديته في إنهاء الحرب.
ثالثاً، محاولة نتنياهو ربط السابع من أكتوبر بأحداث 11 سبتمبر هي محاولة للتلاعب بالرأي العام.
ففي حين أن هجمات 11 سبتمبر كانت تستهدف المدنيين الأبرياء بشكل عشوائي، فإن الوضع في غزة وفلسطين له سياق تاريخي معقد، يشمل الاحتلال والانتهاكات المستمرة.
نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية وتصويرها كـ”إرهاب” خالص
وأوضح إن تجاهل هذا السياق واستخدام المقارنة مع 11 سبتمبر يهدف إلى نزع الشرعية عن المقاومة الفلسطينية وتصويرها كـ”إرهاب” خالص، وهو ما يتنافى مع واقع الصراع.
وأكد أن تجاهل نتنياهو أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفسه أقر بوجود مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وحماس. هذا الاعتراف يؤكد أن التعامل مع الحركة كطرف سياسي كان أمراً مقبولاً على أعلى المستويات.
كما أن تصريحات نتنياهو الأخيرة لا تبدو إلا محاولة يائسة لتبرير سياساته العدوانية، وتجاهل حقائق سياسية يعرفها القاصي والداني. إنها تصريحات لا تعكس رؤية سياسية حكيمة، بل تظهر حالة من الهذيان السياسي وتناقضاً واضحاً مع ما كان يروج له في السابق.