بين خيار “الخفض” و”التثبيت” بالنسبة لسعر الفائدة الرئيسي، ما زالت تتأرجح توجهات السياسة النقدية الوطنية في المغرب خلال أشهر الفصل الأخير المتبقي قبل إسدال ستار السنة المالية الجارية 2025.

ويعقد بنك المغرب، يوم 23 شتنبر الجاري، ثالثَ اجتماعات مجلسه الفصلية لهذه السنة، بعد أن كان قد خلُص في آخر اجتماع له يوم 24 يونيو الماضي (الفصل الثاني) إلى الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير في 2,25 في المائة؛ “أخذا بالاعتبار تطور التضخم في مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط، والتسارع الملموس للنمو غير الفلاحي، وتثبيت التوقعات”، مستحضرا حينَها “النظر إلى الشكوك القوية المحيطة بالآفاق”.

كما تعهّد البنك المركزي المغربي بـ”مواصلة تتبع انتقال تخفيضاته الأخيرة لسعر الفائدة الرئيسي، لا سيما إلى شروط تمويل المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، وبناء قراراته المستقبلية خلال كل اجتماع على أحدث المعطيات المحيّنة”.

وكانت آخر المعطيات الرسمية الصادرة عن المؤسسة المالية الأولى بالمملكة قد أفادت بـ“استمرار تثبيت توقعات التضخم، حيث يرتقب خبراء القطاع المالي في الفصل الثاني من سنة 2025 بلوغ التضخم 2.3 في المائة في المتوسط في أفق 8 فصول، و2.5 في المائة في أفق 12 فصلا”.

وبخصوص انتقال قراراته السابقة، قال بنك المغرب، أواخر يونيو المنصرم، إن “انخفاض أسعار الفائدة المطبقة على القروض البنكية المقدمة للقطاع غير المالي متواصل”، مضيفا أن “المعطيات المتعلقة بالفصل الأول من سنة 2025 تشير إلى تراجع تراكمي قدره 45 نقطة أساس منذ بداية التيسير النقدي في يونيو 2024″.

ويأتي الاجتماع باستحضار متغيرات السياق الدولي الموسوم باستمرار تداعيات “حرب الرسوم الجمركية” مع “توتر” يلازم علاقة الفيدرالي الأمريكي بالرئيس ترامب، وكذا ضرورات انتعاش النمو في الاتحاد الأوروبي؛ ما يستدعي تيسيرا للسياسة النقدية من البنك الأوروبي.

وطنيا، يُرتقب أن ينعكس “التفاؤل” الذي بصم مختلف المؤشرات الاقتصادية والمالية منذ بداية 2025 على تصور مجلس البنك المركزي؛ مدعوما أيضا بقوة “احتمال انتعاش الأنشطة الفلاحية مع انطلاقة الموسم الفلاحي الجديد 2025/2026، خاصة في حال سجلت المملكة تساقطات مطرية”.

وتبعا لذلك، “من المرجح أن يتجه بنك المغرب نحو الإبقاء على سعر الفائدة الرئيسي عند 2.25 في المائة في اجتماعه المقبل”؛ وفق ما أكده محمد عادل إيشو، أستاذ الاقتصاد ومحلل الشؤون المالية.

“التريث بمقاربة حذرة”

وفي تقدير إيشو، ضمن إفادة لهسبريس، فإن “السبب الأول لهذا التوجه هو أن التضخم الداخلي يظل في مستويات متدنية تقارب 1 في المائة؛ وهو مستوى لا يفرض على البنك المركزي أيَّ تشديد إضافي”.

وأضاف الأستاذ المتخصص في الاقتصاد والمحلل في الشؤون المالية معلقا: “في الوقت نفسه، لا يبدو أن البيئة الدولية تشجع على خفض سريع، إذ إن الفيدرالي الأمريكي اختار في اجتماعه الأخير الإبقاء على معدلات الفائدة ضِمن نطاق 4.25 في المائة 4.50 في المائة، رغم ضغوط سياسية من الرئيس دونالد ترامب للمطالبة بخفضه”.

وأكد المتحدث عينه أن “هذا الثبات يعكس رؤية جيروم باول بأن سوق العمل لا تزال صلبة وأن الحرب التجارية الجديدة قد تعيد إشعال الضغوط التضخمية. وبما أن الدولار ما زال عند مستويات فائدة مرتفعة، فإن أي خفض من بنك المغرب قد يوسع الفجوة النقدية ويخلق ضغوطا محتملة على سعر صرف الدرهم واحتياطيات البلاد”.

واسترسل أستاذ الاقتصاد ذاته: “لذلك، يظل التريث منسجما مع مقاربة حذرة، خصوصا أن البنك المركزي الأوروبي نفسه اختار في يونيو 2025 تثبيت معدّلاته للفائدة الرئيسية عند 2 في المائة بعد سلسلة خفض بدأت منذ 2024، معتبرا أن التضخم عاد إلى هدفه عند 2 في المائة”.

“خيار الخفض وارد”

رغم ذلك، لا يمكن “استبعاد” خيار خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 2.00 في المائة، حيث أوضح المحلل ذاته أن ذلك “واردٌ إذا برزت مؤشرات على تباطؤ ملموس في الطلب الداخلي أو على ضعف في دينامية الإقراض البنكي، خاصة نحو المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعاني من كلفة تمويل مرتفعة نسبيا”.

هذا الخيار سيكون، حسب المتحدث ذاته، “بمثابة تيسِير حذر يهدف إلى تحفيز الاستثمار والنشاط الاقتصادي، خصوصا في ظل الأوراش الكبرى التي يعرفها المغرب في مجالات الطاقات المتجددة والبنية التحتية والصناعة، والتي تحتاج إلى دعم مالي متواصل من النظام البنكي”. أما على الصعيد الدولي، فإن تثبيت معدلات الفائدة في أوروبا عند مستويات منخفضة يفتح للمغرب هامشا لتيسير نسبي؛ لكن استمرار الفيدرالي في موقفه المتشدد يجعل أي خفض محفوفا ببعض المخاطر، “ما لم يتضح في الأشهر المقبلة أن واشنطن بدأت دورة خفض تدريجي”.

في المُحصّلة، فـ”السيناريو الأكثر ترجيحا هو أن يحافظ بنك المغرب على نسبة 2.25 في المائة، في انسجام مع بيئة داخلية منخفضة التضخم ووسطية عالمية يغلُب عليها الحذر”؛ لكن إذا برزت علامات تباطؤ داخلي قوي، أو إذا أبدى الفيدرالي الأمريكي في اجتماعاته المقبلة استعدادا لتليين موقفه، فقد يقرر البنك المركزي المغربي خفضا محدودا بربع نقطة مئوية، “كإشارة دعم للاقتصاد دون المجازفة باستقرار الدرهم”.

المصدر: هسبريس

شاركها.