محاور القتال في كردفان تشهد تحشيدا من طرفي الحرب في السودان مما يرشحها لتصعيد كبير عقب انتهاء الخريف.
تقرير: التغيير
مع انتهاء فصل الخريف، يتوقع أن يتجه طرفا النزاع في السودان لخوض معارك حاسمة في إقليم كردفان غربي وسط البلاد، في ظل تدهور حاد للأوضاع الإنسانية التي تهدد حياة آلاف السودانيين، وتأتي الاستعدادات العسكرية وسط دعوات ملحة لوقف القتال وفتح الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية، في محاولة لإنقاذ السكان المتضررين.
وتجددت الاشتباكات بين الجيش السوداني وحلفائه وقوات الدعم السريع وحلفائها في إقليم كردفان، حيث حقق الجيش تقدمًا باسترداد عدد من المناطق، بينما أعلنت الدعم السريع تحقيق انتصارات في مواقع أخرى.
تبادل السيطرة
ومنذ إعلان خلو الخرطوم من قوات الدعم السريع في أواخر مايو الماضي، انتقل القتال إلى إقليم كردفان، حيث شهدت تلك المناطق قتالًا عنيفًا، وأصبحت السيطرة متبادلة بين الطرفين.
وقد تمكن الجيش في اليومين الماضين من استعادة مواقع في الولاية، كان آخرها استعادة بلدات أم دم حاج أحمد وكازقيل والرياش.
ويتمركز الجيش في عدة مدن رئيسية، منها الأبيض وأم روابة والرهد والسميح، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على مدينة بارا الحيوية وجبرة وحمرة الشيخ ومدن أخرى في شمال كردفان.
ويسعى الجيش لاستعادة بارا التي تُعد من أهم مدن شمال كردفان، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية كونها تقع على طريق الصادرات المتجه إلى أم درمان.
وفي المقابل، دفعت قوات الدعم السريع بأرتال من التعزيزات العسكرية نحو تخوم الأبيض، ضمن ما وصفته مصادر بـ”التحضيرات لمعركة محتملة تهدف إلى السيطرة على المدينة، التي تُعد موقعًا له أهمية عسكرية بالغة في إقليم كردفان”. مما يرشح المنطقة لتصعيد كبير في الفترة المقبلة.
كر وفر
وقال الخبير العسكري الرشيد أحمد لـ(التغيير)، إن محاور القتال في كردفان “تشهد سجالًا ومعارك كرّ وفرّ منذ فترة”، وأن “موازين القوى ستكون في صالح الطرف الذي يستطيع تأمين الطرق الحيوية المؤدية إلى المدن الرئيسية في إقليم كردفان والربط بين قواته”.
وأشار إلى أن “الدعم السريع دفع بآلاف المقاتلين إلى محاور كردفان لتأمين عمقه الدفاعي، لأنها إذا سقطت في يد الجيش فإن الطريق إلى دارفور سيصبح مفتوحًا، لذلك تحشد جميع قواتها في محاور كردفان المختلفة.
وتوقع أن تشهد المواجهات في أقليم كردفان معارك عنيفة في ظل التحشيد من طرفي القتال مما يزيد من تفاقم الأوضاع الإنسانية.
ورغم المناشدات المستمرة بضرورة إيقاف القتال وفتح ممرات آمنة إلا أن طرفي النزاع يتمسكان بالحسم العسكري، ولا يبدو أن هناك حلول سلمية تلوح بالافق خاصة بعد توقف الجهود الدولية والاقليمية لإيجاد حل يوقف إطلاق النار ويعيد الأطراف لطاولة التفاوض وينهى مأساة المدنيين التي تقترب من إكمال عامها الثالث.
خطر الأسلحة الكيميائية
ويتخوف مراقبون من لجوء أحد الطرفين أو كلاهما إلى استخدام وسائل غير أخلاقية في محاولة لحسم المعركة، خاصة بعد التهديدات التي أطلقها قادة الجيش السوداني باستخدام أسلحة مميتة في معارك كردفان ودارفور.
فيما أبدت قوات الدعم السريع قلقها من احتمال استخدام الجيش لأسلحة كيمائية في معركة كردفان، مشيرة إلى اتهامات سابقة باستخدام هذه الأسلحة في ولايات الخرطوم والجزيرة.
وتزايد القلق بعد تصريحات بعض الجهات الموالية للجيش التي أشارت إلى عدم وجود سلاح محرم في مواجهة “الجنجويد”، مما يزيد من حدة التوترات ويعمق المخاوف من تصعيد خطير.
ويأتي هذا التصعيد في ظل استمرار الصراع المسلح الذي بدأ في أبريل 2023، وأدى إلى نزوح ملايين الأشخاص وتدمير البنية التحتية، ويخطط طرفا الحرب للسيطرة على كردفان لتكون خط دفاع أول صعودًا ونزولًا نحو دارفور والخرطوم.
أساليب نظيفة
لكن مصدراً بالجيش نفى لـ(التغيير) استخدم الجيش لأسلحة كيميائية في حربه ضد من أسماها “مليشيا الدعم السريع”، وأكد أن الجيش يخوض حربًا بأساليب نظيفة ولا يستخدم أي أسلحة محرمة دوليًا.
وأشار إلى أن من يتهمون الجيش باستخدام أسلحة محرمة يغضون الطرف عن الجرائم التي تمارسها “المليشيا” ضد السودانيين منذ اندلاع حربهم وحتى اليوم حسب تعبيره.
وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية في مايو الماضي، عقوبات على الحكومة السودانية، بعد اتهامها باستخدام أسلحة كيميائية محرمة دوليًا ضد المدنيين في مناطق النزاع.
مجاعة ونقص دواء
ويواجه النازحون في عدة مدن بإقليم كردفان، تحديات إنسانية كبيرة بسبب تصاعد القتال بين الجيش والدعم السريع.
هذا التصعيد أدى إلى تفاقم المجاعة ونقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة، بالإضافة إلى انقطاع المساعدات الإنسانية بشكل شبه كامل نتيجة إغلاق الطرق وتوقف العمليات الإغاثية.
وقال الناشط في العمل الطوعي أبو بكر الأمين لـ(التغيير)، إن المعارك في كردفان نتج عنها موجة نزوح كبيرة خاصة نحو مدينة الأبيض.
وأضاف أن النازحين يعيشون أوضاعًا إنسانية سيئة للغاية بسبب انعدام الغذاء والدواء.
وأشار الأمين إلى أن الكوليرا تنتشر بين النازحين بصورة كبيرة، في ظل انعدام المحاليل الوريدية ومراكز العزل المجهزة لإسعاف المرضى.
ولفت إلى أن أغلب الطرق أغلقت بسبب السيول والأمطار والعمليات العسكرية التي زادت وتيرتها في الفترة الماضية، مما نتج عنه وفيات وسط الشرائح الضعيفة النساء والأطفال وكبار السن.
ودعا الأمين طرفي النزاع بضرورة فتح ممرات آمنة للمواطنين وإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء ودواء وأدوات إيواء في أسرع وقت ممكن حتى لا يتحول الوضع إلى كارثي وتفقد كثير من الأرواح.
حصار الفاشر
بالتوازي مع ما يحدث في كردفان، يتفاقم الوضع في إقليم دارفور، حيث تفرض قوات الدعم السريع حصارا على مدينة الفاشر، منذ أكثر من عام ونصف، مما حال دون وصول الغذاء والدواء إلى حوالي 600 ألف مواطن، يعيشون في ظروف إنسانية كارثية.
وأدى الحصار إلى نفاد السلع الأساسية من الأسواق في الفاشر، كما انعدمت الأدوية المنقذة للحياة بشكل شبه تام، ما تسبب في وفاة مئات السكان في المدينة.
وقال المتحدث باسم معسكر أبو شوك محمد آدم لـ(التغيير)، إن هناك صعوبة في الحصول على الغذاء والدواء مع الارتفاع الجنوني في أسعار السلع الأساسية.
وأضاف أن سعر جوال الدخن، الذي يُعد الغذاء الرئيسي لسكان الفاشر، ارتفع إلى أكثر من 4,5 ملايين جنيه سوداني.
وتابع أن أسعار بعض السلع بلغت مستويات قياسية، حيث وصل سعر رطل الويكة إلى 100 ألف جنيه، ورطل الملح إلى 10 آلاف جنيه، وكيلو اللحم إلى 50 ألف جنيه، وزجاجة زيت الفول إلى 80 ألف جنيه، وزيت السمسم إلى 50 ألف جنيه.
ووصف الوضع في مدينة الفاشر بأنه كارثي ويتطلب تدخلاً عاجلاً، داعيًا إلى الإسقاط الجوي للمواد الغذائية وفتح الممرات الآمنة لإنقاذ الأرواح.
وطالبت الحكومة السودانية الأمم المتحدة بالتدخل عبر طائراتها وناقلاتها، وتحت إشرافها المباشر، لإنقاذ حياة مواطني الفاشر والمناطق المجاورة لها.
كما تدعو جهات أممية ودولية إلى إنهاء الحرب، تجنبًا لكارثة إنسانية تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي طال العديد من الولايات السوظانية، وتجاهلت قوات الدعم السريع جميع النداءات الأممية الملحة بضرورة السماح بوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في مدينة الفاشر.
ومع استمرار التصعيد العسكري في إقليمي كردفان ودارفور، تزداد الحاجة الملحة إلى وقف فوري لإطلاق النار وتقديم دعم إنساني عاجل.
وفي ظل هذه التطورات، يصبح الحل السياسي الشامل أكثر أهمية لتحقيق الاستقرار في السودان، خاصة مع التطورات الأخيرة التي تشير إلى تصاعد خطوات التقسيم، عقب إعلان حكومة موازية في مدينة نيالا بجنوب دارفور.
المصدر: صحيفة التغيير