تستعد إثيوبيا للافتتاح الرسمي لسد النهضة اليوم الثلاثاء بحسب وسائل إعلام إثيوبية، بعد 14 عامًا من بدء أعمال البناء التي أثارت جدلاً واسعًا في المنطقة. ويأتي هذا الافتتاح وسط ترقب كبير من قبل دولتي المصب، مصر والسودان، اللتين تتابعان تأثير تشغيل السد على حصتيهما من مياه النيل، المصدر الحيوي لحياتهما.
الخرطوم ـــ التغيير
و ترى إثيوبيا في سد النهضة رمزًا للإنجاز الوطني والوحدة، حيث ساهم الشعب الإثيوبي بجزء مقدر في تمويل بنائه بتكلفة تبلغ نحو خمسة مليارات دولار. وفي تصريحات نقلتها وسائل إعلام إثيوبية، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي، «آبي أحمد»، أن السد لا يشكل أي تهديد لدولتي المصب، مشددًا على أن بلاده تستخدم موارد النيل بشكل محدود فقط.
ويهدف السد، الذي يُعد أكبر مشروع كهرومائي في أفريقيا، إلى تلبية احتياجات إثيوبيا المتزايدة من الكهرباء. فمع عدد سكان تجاوز نحو 130 مليون نسمة، لا يزال نحو 60 مليون إثيوبي محرومين من التيار الكهربائي. وتتوقع إثيوبيا أن يوفر السد، بقدرته التخزينية التي تصل إلى 74 مليار متر مكعب من المياه، أكثر من 5000 ميغاوات من الكهرباء، أي ما يعادل ضعف إنتاجها الحالي. ويتوقع «آبي أحمد» أن يدر السد إيرادات تبلغ مليار دولار سنويًا.
وأكدت السلطات الإثيوبية أن التشغيل التدريجي للسد سيتم وفق خطط دقيقة لضمان السلامة، مع الالتزام بمواصلة التنسيق مع دولتي المصب لتجنب أي تأثيرات سلبية محتملة.
و تتوقع إثيوبيا أن يوفر سد النهضة الذي أنشأته على النيل الأزرق، والمقرر تشغيله في سبتمبر، إيرادات قدرها مليار دولار سنوياً، بحسب ما أعلن رئيس وزرائها أبي أحمد.
وأُطلق مشروع “سد النهضة الإثيوبي الكبير” عام 2011 بميزانية بلغت 4 مليارات دولار. ويُعد أكبر مشروع كهرومائي في أفريقيا، إذ يبلغ عرضه 1.8 كيلومتر وارتفاعه 145 متراً.
مخاوف مصرية
على الجانب الآخر، ترى مصر أن سد النهضة يشكل تهديدًا وجوديًا لها، خاصة وأنها تعتمد على مياه النيل لتغطية نحو 97% من احتياجاتها المائية. وفي هذا السياق، كشف وزير الري المصري، «هاني سويلم»، عن التحديات التي تواجهها بلاده بسبب محدودية الموارد المائية.
و في فعالية أسبوع القاهرة للمياه، أشار «سويلم» إلى أن مصر تعد واحدة من أكثر دول العالم ندرة في المياه، حيث لا يتجاوز نصيب الفرد فيها 560 مترًا مكعبًا سنويًا، وهو ما يقل كثيرًا عن خط الفقر المائي العالمي المحدد بـ 1000 متر مكعب. ولمواجهة هذا الوضع، أوضح «سويلم» أن بلاده لجأت إلى تطوير شامل للمنظومة المائية، بما في ذلك الاعتماد على معالجة وإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، ودمج التقنيات الذكية والرصد عبر الأقمار الصناعية.
و يشير المحللون إلى أن افتتاح السد يمثل نهاية عملية للاتفاقيات التي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، والتي كانت تضمن لمصر الحصة الأكبر من مياه النيل. وقد أدى هذا المشروع الضخم، الذي يضم خزانًا بحجم يقارب مساحة لندن الكبرى، إلى تعزيز الشعور الوطني الإثيوبي وتوحيد الشعب الإثيوبي حول هدف مشترك.
وبحسب «موسى كريسبوس أوكيلو»، الباحث في مركز الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا، فإن الإثيوبيين ينظرون إلى السد ليس فقط ككتلة خرسانية، بل كرمز لإنجازهم الوطني، نظرًا لمساهمتهم الواسعة في تمويله.
وثيقة سرية مع السودان
وكشفت وثيقة سرية تم تداولها منذ أيام قليلة عن توقيع السودان وإثيوبيا اتفاقية فنية بشأن عملية ملء وتشغيل سد النهضة، و تكتسب أهميتها كونها أول إطار مكتوب يحدد القواعد الفنية للتعبئة والتشغيل بين دولتي المنبع والمصب المباشرتين، وذلك بعد اتفاقية إعلان المبادئ التي وقعها رؤساء مصر وإثيوبيا والسودان في 2015، بحسب ما كشفت عنه وثيقة سرية بحسب “الجزيرة نت”.
الاتفاقية التي شكّلت الإطار الفني لجميع عمليات الملء والتشغيل اللاحقة لسد النهضة، تم توقيعها في 26 أكتوبر 2022 بالخرطوم، بين كل من سليشي بقلي ممثلا عن إثيوبيا، والبروفيسور سيف الدين حمد عبد الله عن السودان بصفتهما رئيسي الوفدين، وصادق وزير الري والمياه الإثيوبي هابتامو إيتيفا والمهندس ضو البيت عبد الرحمن منصور وزير الري والموارد المائية السوداني.
ملء السد بشكل تدريجي
وتضمنت الاتفاقية التزام إثيوبيا بإتمام ملء السد بشكل تدريجي خلال موسم الأمطار من كل عام في يوليو/وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر ، حتى يصل منسوب ارتفاع المياه إلى 625 مترا فوق سطح البحر، مع تقليص حجم التخزين في حال حدوث جفاف.
وسبق بنود الاتفاقية ديباجية مطولة أكدت أن سلامة وتشغيل سد النهضة وسد الروصيرص مترابطان، ويستوجبان تنسيقا وثيقا وعملا مشتركا للتعامل مع الظروف الطبيعية وحالات الطوارئ.
وأشارت الاتفاقية إلى أن الهدف من اجتماعات البلدين هو تبادل المعلومات وتعزيز الفهم المشترك حول إدارة الموارد المائية العابرة للحدود، بما يسهم في تحسين إدارة البنية التحتية المائية في حوض النيل بين إثيوبيا والسودان.
وحدّدت بنود الاتفاقية مستوى التشغيل الدائم لسد النهضة بين 625 و640 مترا فوق سطح البحر. كما نصت على التزام إثيوبيا بتصريف كميات ثابتة من المياه إلى السودان لا تقل عن 300 متر مكعب في الثانية، بهدف ضمان استمرار تدفق النيل الأزرق والحفاظ على التوازن البيئي الطبيعي.
ونصت الاتفاقية على تبادل البيانات بشكل منتظم بين البلدين، عبر تبادل بيانات شهرية تتعلق بالتدفقات الداخلة والإطلاقات المائية، إضافة إلى بيانات الأرصاد الجوية عند سد النهضة، إلى جانب مؤشرات مرتبطة بجودة المياه، فضلا عن تبادل بيانات يومية حول مناسيب المياه والإطلاقات في كل من سد النهضة وسد الروصيرص.
المصدر: صحيفة التغيير