تقوم دولة الكويت في الوقت الراهن بعملية إصلاح شاملة لمنظومتها التشريعية في حراك غير مسبوق يهدف إلى توطيد أسس البناء الحضاري والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، عبر رؤية استراتيجية متكاملة تدفع عجلة التنمية الشاملة.

وترتكز التعديلات الحكومية المرتقبة، وفق تقرير لـ«كونا»، على حزمة مبادئ أساسية أبرزها تعزيز الحوكمة والشفافية وضمان تكامل واتساق التشريعات ومواكبة التحول الرقمي وترسيخ قيم النزاهة ومكافحة الفساد، إضافة إلى استلهام أفضل التجارب الخليجية والعربية والعالمية، حيث تشكل التشريعات الجديدة إطاراً متكاملاً لنهضة تنموية مستدامة.

وشدد وزير العدل المستشار ناصر السميط، في لقاء مفتوح عقده مع المحامين بجمعية المحامين خلال أغسطس الماضي، على أن هناك توجيهاً مباشراً من القيادة السياسية وضوءاً أخضر لتنفيذ وإجراء المراجعة الشاملة للمنظومة التشريعية، معلناً إطلاق أكبر خطة لتطوير التشريعات في تاريخ الكويت.

ومثّلت حزمة التشريعات التي أقرتها الحكومة الكويتية العام الماضي أول الغيث في منهجية إعادة صياغة الإطار القانوني للدولة لتحقيق رؤية (كويت جديدة 2035) وتعزيز الانسجام مع القوانين والاتفاقيات الدولية في وقت تقترب المراجعات التشريعية من إنجاز 25 بالمئة من القوانين السارية في البلاد.

وأثمرت القوانين الجديدة بالتوازي مع الانفتاح التنموي نتائج إيجابية على الصعيد الاقتصادي تجلّت في تحسّن المؤشرات الاقتصادية للدولة وتوقعات النمو الإيجابية، علاوة على الارتفاع الملحوظ في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 20 بالمئة خلال العام الماضي.

وفي هذا الصدد، توقعت وكالة التصنيف العالمية «فيتش» أن تعزز القوانين الجديدة الرئيسية في الكويت نمو القطاع المصرفي وتنويعه، علاوة على دعم التوسع الاقتصادي ودعم الإنفاق الحكومي على المشاريع الكبرى.

وذكرت «فيتش»، في تقرير حديث لها، أن من شأن التقدم في الإصلاحات، خصوصاً ترشيد الإنفاق وتنويع الإيرادات المالية ومصادر الدخل بعيداً عن النفط أن يدعم ميزانية الحكومة ومرونتها المالية بشكل أكبر، مشيرة في هذا السياق إلى دخول ضريبة الحد الأدنى التكميلية على الشركات المتعددة الجنسيات حيز التنفيذ في يناير الماضي تطبيقاً للقانون رقم 157 لعام 2024.

ويمثّل قانون المرور الجديد الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي في شهر أبريل الماضي أحد أبرز التطبيقات العملية لنجاح التعديلات التشريعية، إذ أظهرت الإحصاءات الرسمية الصادرة عن الإدارة العامة للمرور انخفاضاً كبيراً في عدد الوفيات الناجمة عن الحوادث، كذلك المخالفات المرورية، مما يؤكد الأثر الإيجابي لهذه الإصلاحات على سلامة المجتمع.

وشملت تلك التشريعات المشروع بقانون بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجزاء الصادر بالقانون رقم 16 لسنة 1960، ومشروع المرسوم بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، ومشروع مرسوم بقانون بتعديل بعض أحكام قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم رقم 38 لسنة 1980.

كما تضمنت القوانين الجديدة مشروع المرسوم بقانون بتعديل القانون رقم 2 لسنة 2016 بشأن إنشاء هيئة نزاهة والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية والمرسوم بقانون رقم 94 لسنة 2024 بتعديل بعض أحكام المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 1981 بشأن إنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية، إضافة إلى قوانين المطور العقاري وتعديلات قانون الشركات.

وتعكف نحو 9 لجان عاملة حالياً على نظر حزمة من القوانين تشمل المحاكم الاقتصادية ومنظومة الإيجار واتحاد الملّاك والجزاء والإجراءات والمحاكمات الجزائية وقانون العمل والقانون المدني والتجاري، بالتوازي مع التنسيق الجاري بين عدد من الوزارات والجهات المعنية لتعديل بعض التشريعات الأخرى.

في هذا الإطار، تستعد دولة الكويت لإحداث نقلة نوعية في التشريعات المتعلقة بالأسرة والمجتمع، عبر تعديل قوانين الأحوال الشخصية والعنف الأسري والأحداث والطفل لمعالجة الإشكاليات التي كشف عنها التطبيق العملي للقوانين، وتشكيل مصدة تشريعية لحماية الأسرة من التفكك الأسري وحماية المرأة من العنف وتحقيق العدالة.

وتستهدف المسودة الأولية للتعديلات المرتقبة على قانون الأحوال الشخصية الصادر عام 1984 أكثر من 120 مادة، فضلا عن إضافة 20 مادة جديدة وإلغاء 15 مادة، وصولا إلى قانون جديد متكامل يخدم مصلحة جميع الأطراف ويحافظ على كيان الأسرة.

ومن المقرر دمج قانوني الأحداث والطفل في قانون واحد بصياغة مُحكمة، فضلاً عن فك الاشتباك بين مفهومي «الطفل المعرض للخطر» في قانون الطفل و«الحدث المعرض للانحراف» في قانون الأحداث وتنظيم الإجراءات اللازمة للتعامل مع الطفل في كلتا الحالتين.

كما يُعَد قانون القضاء الجديد الذي أحيل إلى إدارة الفتوى والتشريع، مدخلاً لأكبر عملية إصلاح للمنظومة القضائية في دولة الكويت ضمن مسار تشريعي متكامل يهدف إلى تحقيق التوازن بين صون الحقوق والحريات ومتطلبات الردع والعدالة.

إلى ذلك، كشف النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف خلال اللقاء الذي جمعه برؤساء تحرير الصحف اليومية أخيراً أن قانون الجنسية الجديد تحت المراجعة النهائية، وسيحال إلى اللجنة المختصة بمجلس الوزراء تمهيدا لإقراره.

ولفت اليوسف إلى أن قانونا جديداً بشأن مكافحة المخدرات سيرى النور قريباً، بالتعاون مع وزارة العدل، في إطار المعالجة الشمولية للملف والجهود المبذولة لتجفيف منابع المخدرات داخل البلاد وخارجها.

ويشكّل قانون المحاماة الجاري إعداده حالياً بالتعاون مع جمعية المحامين الكويتيين نقلة نوعية في مجال تنظيم مهنة المحاماة، حيث سيتضمن حزمة من الحلول التنظيمية والحمائية.

كما تواصل الجهات المختصة دراسة التعديلات الشاملة على القانون رقم 8 لسنة 2010 في شأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بما يحقق نقلة نوعية في تعزيز حقوقهم وتمكينهم من ممارسة حياتهم بصورة متكاملة على قدم المساواة مع الآخرين.

وتتبنى التعديلات الحكومية التحول الرقمي، لاسيما فيما يتعلق بقانون التمثيل وقانون المعاملات الإلكترونية، حيث سيتم تحويل كل الوكالات ومسائل التوثيق بما فيها الأحوال الشخصية والمسائل المترتبة على العقارات إلى إلكترونية.

الإصلاحات تأتي عبر رؤية استراتيجية متكاملة تدفع عجلة التنمية الشاملة إلى الأمام مرتكزة على حزمة مبادئ أساسية

كما أعدت لجنة متخصصة التعديلات اللازمة على قانون إدارة الخبراء بوزارة العدل بما يشمل تحويل الإخطارات وتقديم المستندات إلكترونياً، حيث تنظر إدارة الفتوى والتشريع في تلك التعديلات حاليا.

وتعمل وزارة العدل مع شركتي «غوغل» و«مايكروسوفت» العالميتين في مجال التكنولوجيا والتحول الرقمي، بهدف الوصول إلى خدمات إلكترونية متطورة ومتكاملة.

وكانت دولة الكويت أكدت خلال كلمتها في اجتماعات مجلس حقوق الإنسان في جنيف خلال مايو الماضي أن البلاد تشهد مراجعة تشريعية شاملة لجميع القوانين وعددها 983 قانوناً.

وأشارت إلى أن المراجعات التي أجريت خلال الفترة الماضية أسفرت عن إقرار سلسلة من الإصلاحات القانونية شملت تعديل قانون الجنسية وتعديل قانون الجزاء وتوسيع صلاحيات هيئة مكافحة الفساد، ومنح القضاء مزيداً من السلطات في ملاحقة جرائم الفساد وتشديد حماية الأموال العامة.

المصدر: جريدة الجريدة

شاركها.