بناءً على التحولات الأخيرة في المشهد السوداني، يمكن استشراف عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل الصراع بين الجيش والدعم السريع بناءً على الديناميكيات الحالية على الأرض والضغوط الإقليمية والدولية.

السيناريو الأول: حرب استنزاف طويلة الأمد وانهيار الدولة الفعلي

هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحاً على المدى القصير، حيث لا يمتلك أي من الطرفين القدرة على تحقيق نصر عسكري حاسم.

  • جمود عسكري: تستمر الحرب في حالة من الجمود غير المستقر، حيث يحقق الجيش تقدماً في بعض المناطق مثل العاصمة الخرطوم وأجزاء من ولاية الجزيرة، بينما تعزز قوات الدعم السريع سيطرتها على مناطق واسعة في إقليمي دارفور وكردفان. الخريطة الميدانية تظهر انقساماً فعلياً للبلاد بين مناطق سيطرة الطرفين.
  • التدخلات الخارجية: يستمر الدعم الخارجي للطرفين المتحاربين، مما يطيل أمد الصراع. تشير التقارير إلى دعم إيراني للجيش السوداني، خاصة في مجال الطائرات المسيرة ، ودعم مصري سياسي وعسكري. في المقابل، تتهم جهات دولية وحكومة بورتسودان دولة الإمارات بتقديم دعم عسكري لقوات الدعم السريع. هذا الدعم الخارجي يمنع انهيار أي من الطرفين ويحول الحرب إلى صراع بالوكالة. 
  • تفكك الدولة: مع استمرار الحرب، قد يتحول السودان إلى دولة فاشلة بحكم الأمر الواقع، حيث تظهر مراكز قوى متعددة ومناطق نفوذ قبلية وجهوية تدير شؤونها بشكل شبه مستقل وتتعامل مباشرة مع دول الجوار.

السيناريو الثاني: انتصار عسكري لأحد الطرفين

رغم صعوبته، يظل هذا السيناريو محتملاً إذا تغيرت موازين القوى بشكل جذري.

  • انتصار القوات المسلحة: قد يتمكن الجيش، بصفته مؤسسة الدولة الرسمية وبدعم من الحركات المسلحة المتحالفة معه مثل حركات مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم ، من تحقيق انتصار عسكري عبر استنزاف قوات الدعم السريع وقطع خطوط إمدادها. الهدف المعلن للجيش هو إنهاء “التمرد” بشكل كامل. سيؤدي هذا السيناريو إلى محاولة إعادة فرض حكم مركزي من بورتسودان أو الخرطوم، ولكنه يحمل في طياته خطر تكرار الأزمات السابقة وعودة التمرد في الأطراف المهمشة.
  • انتصار قوات الدعم السريع: يمكن لقوات الدعم السريع وحلفائها، مثل الحركة الشعبيةشمال بقيادة عبد العزيز الحلو والقوى السياسية المنضوية تحت “تحالف السودان التأسيسي” ، أن ينجحوا في إسقاط سلطة بورتسودان وتشكيل حكومة موازية أو بديلة. يعتمد هذا السيناريو على قدرتهم على السيطرة على الموارد الاقتصادية الحيوية للبلاد وتأمين اعتراف إقليمي أو دولي.

السيناريو الثالث: التسوية السياسية وإعادة هيكلة الدولة

قد تؤدي الكلفة البشرية والاقتصادية الهائلة للحرب إلى إجبار الطرفين على العودة إلى طاولة المفاوضات تحت ضغط دولي وإقليمي.

  • الفيدرالية أو اللامركزية الموسعة: قد تفضي المفاوضات، مثل تلك التي جرت في “منبر جدة” برعاية سعودية أمريكية ، إلى تسوية سياسية شاملة تعيد بناء الدولة على أسس جديدة. يمكن أن يشمل ذلك نظاماً فيدرالياً يمنح الأقاليم سلطات واسعة، ويعالج المظالم التاريخية لمناطق الهامش، وهو مطلب أساسي لحلفاء الدعم السريع. لكن نجاح هذا المسار يتطلب إرادة سياسية حقيقية وإعادة بناء الثقة المنهارة بين مكونات المجتمع السوداني.
  • التقسيم: في حال فشل كل الحلول الأخرى، قد يصبح تقسيم السودان أمراً واقعاً. سيطرة قوات الدعم السريع وحلفائها على أجزاء واسعة من غرب السودان، وتشكيلهم لهياكل سياسية خاصة بهم، قد يؤدي إلى ظهور دولة جديدة في تلك المناطق، مما يهدد وحدة السودان بشكل خطير ويزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

عوامل مؤثرة

  • الأزمة الإنسانية: يعاني السودان من أكبر أزمة نزوح في العالم وأزمة جوع كارثية قد تصل إلى مستوى المجاعة. يمكن أن تستخدم الأطراف المتحاربة التجويع كسلاح حرب عبر منع المساعدات، مما يزيد من الضغط الدولي للتوصل إلى حل. 
  • موقف الحركات المسلحة: انقسام الحركات المسلحة في دارفور بين داعم للجيش ومحايد أثر على موازين القوى. موقف حركة عبد الواحد نور، التي تسيطر على مناطق في جبل مرة وتحافظ على حيادها، يظل عاملاً مهماً في تحديد مستقبل إقليم دارفور. 

في الختام، يبدو أن مسار الحرب في السودان يتجه نحو صراع طويل الأمد، ما لم يحدث تغيير جذري في مواقف الأطراف المتحاربة ورعاتهم الإقليميين. كل سيناريو يحمل في طياته تحديات عميقة، ويبقى مستقبل السودان ووحدته على المحك.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.