لطالما اعتُبر الجري لمسافات طويلة، من الماراثونات إلى سباقات الألتراماراثون، رمزًا للصحة والانضباط البدني، لكن دراسة حديثة في الولايات المتحدة تفتح بابًا غير متوقع للنقاش: هل يمكن أن يؤدي الإفراط في هذا النوع من الرياضة إلى زيادة مخاطر الإصابة بسرطان القولون؟
الدراسة، التي نشرها موقع «فوكس نيوز» الأميركي، يقودها الدكتور تيموثي كانون من معهد «إينوفا شار» للسرطان في ولاية فيرجينيا، والذي بدأ فيها بعد أن لاحظ مؤخرًا حالات غير مألوفة تتمثل في تشخيص عداؤون شباب تحت سن الأربعين يشاركون في سباقات الألتراماراثون، بسرطان القولون في مراحل متقدمة.
وسباق الألتراماراثون هو أي سباق جري تزيد مسافته عن الماراثون التقليدي (42 كيلومترًا)، وقد تصل بعض سباقاته إلى 50 أو 100 كيلومتر أو أكثر.
هذا الاكتشاف دفع كانون إلى فحص 100 عداء تراوحت أعمارهم بين 35 و50 عامًا، جميعهم أكملوا خمسة سباقات ماراثون على الأقل أو سباقي ألتراماراثون، واستُبعد من الدراسة أي شخص لديه تاريخ عائلي مع المرض أو عوامل خطورة وراثية أو التهابات مزمنة بالأمعاء.
النتائج المفاجئة
بعد إجراء تنظير القولون لكل المشاركين، تبيّن أن 41% منهم لديهم زوائد قولونية «Adenomas»، وهي أحد مؤشرات ما قبل السرطان.
بينما كان 15% من المشاركين لديهم زوائد متقدمة «Advanced adenomas»، مقارنة بالنسبة المعتادة التي تتراوح ما بين 1 إلى 2% من عموم الناس في نفس الفئة العمرية.
الرقم الأخير صدم الباحثين، إذ يعني أن احتمال وجود أورام محتملة التسرطن بين العدائين كان أعلى بعشرات المرات من المتوقع.
لماذا قد يحدث ذلك؟
يفترض العلماء أن السبب قد يكون ما يُعرف بـ«إجهاد الأمعاء» (Gut Stress).
وخلال الجري لمسافات طويلة، يتحوّل تدفق الدم من الجهاز الهضمي إلى العضلات، مما قد يسبب التهابًا وتلفًا متكررًا في الأنسجة الداخلية للأمعاء. ومع مرور الوقت، يمكن لهذا التلف أن يؤدي إلى طفرات خلوية وزوائد سرطانية.
الدراسة تشير أيضًا إلى أن بعض العدائين يتجاهلون أعراضًا مثل النزيف بعد الجري أو آلام البطن والإسهال المتكرر، معتبرينها «طبيعية»، بينما قد تكون في الواقع علامات إنذار مبكر.
قيود الدراسة
رغم إثارتها للجدل، إلا أن هذه الدراسة لم تشمل مجموعة مقارنة (Control group)، واقتصرت على عدائين من منطقة واشنطن العاصمة، ما قد يعني أن لعوامل أخرى (غذائية أو بيئية) دورًا إضافيًا. كما أن الدراسة لم تجرِ مراجعة علمية كاملة بعد. وبالتالي، تبقى النتائج «أولية» وتحتاج إلى تأكيد عبر دراسات أوسع.
لكن الدكتور كانون شدد على أن الهدف ليس ثني الناس عن ممارسة الرياضة، بل بالعكس، موضحا: «لدينا مشكلات أكبر بكثير من قلة الحركة، ولا شك أن الرياضة تقلل عمومًا من خطر السرطان وأمراض القلب. لكن الجرعات القصوى من التمرين، مثل الألترا ماراثون، قد تحمل مخاطر إضافية ينبغي أن نكون واعين لها».
وينصح الخبراء العدائين بمراقبة أي أعراض غير طبيعية، خصوصًا النزيف الشرجي أو تغيّر عادات الأمعاء، وعدم اعتبارها «أمرًا عابرًا».
وعليه، فإن الجري المعتدل يظل من أفضل طرق تعزيز الصحة، كما أن الإفراط في الجهد البدني لمسافات طويلة قد يترافق مع آثار جانبية غير متوقعة.
وستحدد الأبحاث المستقبلية ما إذا كان ينبغي إدخال فحوص القولون المبكرة ضمن روتين الفحوصات الصحية للعدائين المحترفين.
الدراسة إذن لا تدعو لإلغاء الرياضة، بل للتوازن والوعي… مارسوا الرياضة، لكن لا تتجاهلوا إشارات أجسادكم.
المصدر: الراي