قال رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، الدكتور محمد الدرويش، إن توقيت المصادقة الحكومية على مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي “مجانب للصواب”، مرجعا ذلك إلى ضغط الزمن السياسي وغياب التواصل.

وأوضح، في حوار مع جريدة “العمق”، أن “مجلس الأمناء” المستحدث، حسب اطلاعه على المشروع، لا علاقة له بالتدبير والتسيير المباشر للجامعات، وأن مجلس الجامعة سيحتفظ بكامل صلاحياته.

وأكد الدرويش أن مراجعة القانون 01.00 مطلب قديم يعود لأكثر من 15 عاما، معتبرا أن الوثيقة الحالية المرتبطة بمشروع القانون 59.24 تظل مشروعا قابلا للنقاش والتجويد وليست أزمة.

وفي المقابل، انتقد بشدة استعجال الحكومة لإصدار القانون دون الاستجابة للملف المطلبي للأساتذة الباحثين، مشيرا إلى أنه لم يتم حل أي ملف خلال السنة الحالية، وشدد على أن الاهتمام بالموارد البشرية هو المدخل الأساسي لأي إصلاح.

وفيما يلي نص الحوار كاملا:

من موقعك السابق كاتبا عاما للنقابة الوطنية للتعليم العالي ورئيسا اليوم للمرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، لماذا تقديم مشروع “قانون 59.24” الآن؟

أولا، أؤكد في البداية على أن توقيت المصادقة الحكومية على هذا المشروع مجانب للصواب، قد يكون وراءها ضغط الزمن السياسي وعدم موافقته للزمن التشريعي، وهما معا لا يتلاءمان مع الزمن الجامعي، ثم إن قلة التواصل وانعدامه في أحيان محددة زاد من الغموض الذي يخيم على مجموعة من الفاعلين، ويضاف إلى ذلك الجو العام الذي يخيم على الدخول السياسي هذا.

ثانيا، اسمح لي أولا أن أذكر بأن مراجعة مجموعة من مواد القانون 01.00 مطلب ليس وليد اليوم، بل إنه يعود لأكثر من 15 سنة، إذ طرحته النقابة الوطنية للتعليم العالي على أربع حكومات على الأقل، بل إنه كان ضمن الاتفاق الذي تم توقيعه بين الحكومة والنقابة الوطنية للتعليم العالي يوم 29 أبريل 2011.

وقد تابع الجهاز الوطني للنقابة ذاتها الحوار مع وزراء القطاع بهدف إخراج هذا القانون، وتم تقديم مشروع قانون يوم 5 غشت 2014 من قبل لحسن الداودي، ونظمت حوله أيام دراسية شاركت فيها فعاليات من النقابة والبرلمان. كما تم يوم الثلاثاء 20 يناير 2015 بمجلس النواب، قدمت خلاله النقابة الوطنية للتعليم العالي أرضية مفصلة حول الموضوع، ولم يتقدم المشروع قيد أنملة.

وخلال سنة 2018 تم إعداد مشروع جديد تجاوز مجموعة من الملاحظات وسلبيات المشروع السابق، عرف هو كذلك انتقادات وملاحظات، وتوقف الأمر مع انتهاء حكومة سعد الدين العثماني. وخلال سنة 2023 تم إعداد مشروع آخر في صيغة أخرى قطعت مع المشروع السابق في مجموعة من المواد، واليوم نحن أمام مشروع آخر يحمل رقم 59.24، بمعنى أنه قدم للبرلمان سنة 2024 بمضامين جديدة، منها ما كانت من مطالب النقابة الوطنية للتعليم العالي كما هو الأمر بالنسبة للمواد 17 و18 و19 و90 و91 وغيرها، ومنها ما ارتبط بالبحث العلمي والابتكار وبنياته وتنظيمه وتمويله وعلاقات الجامعات والمؤسسات بعالم الاقتصاد، وكذا الوضع الاعتباري للشعب ومكاتبها ومجالسها ورؤسائها وأدوارها وقوتها في التسيير والتدبير في كل ما يرتبط بالشؤون البيداغوجية والعلمية والإدارية للشعب، والتي غيبت تماما في القانون 01.00.

فوجد الأساتذة الباحثون في مجموعة من المؤسسات أنفسهم في مأزق أحيانا مع زملائهم، وأحيانا أخرى مع إدارات المؤسسات أو مع بنيات البحث والمختبرات، حتى صرنا أمام ظاهرة “تأبط ماسترا” أو “تأبط تكوينا” أو غير ذلك؛ لأن سلطة الشعب غائبة في القانون. ونتذكر جميعا كيف حاولت الحكومات المتعاقبة منذ إصدار القانون 01.00 إقناع النقابة الوطنية للتعليم العالي بقبول مقتضيات المادة 17 وما يرتبط بها، فيصبح الأستاذ الباحث مستخدما لدى الجامعة، وقد قوبلت كل هذه المحاولات بالرفض والمقاومة. ونذكر كذلك في هذا المقام بأن مقتضيات القانون الإطار رقم 51.17 تستلزم تدابير لتفعيل أحكامه، من بينها مراجعة القانون 01.00.

كل هذه المعطيات وأخرى مرتبطة بحكامة المجالس وربط المسؤولية بالمحاسبة وكثرة أعضاء مجموعة من مجالس الجامعات، والتي تصل إلى ما يقارب 100 عضو، وعدم التطبيق الحقيقي لمقتضيات كون الجامعات والكليات والمدارس مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلالية الفعلية إداريا وماديا وبيداغوجيا وماليا..تؤيد ضرورة التعجيل بإصدار قانون للتعليم العالي يحتفظ بإيجابيات وأسس القانون 01.00، ويصحح مجموعة من الاختلالات والنواقص، ويتأقلم مع التطور السريع الذي يعرفه عالم التعليم العالي والبحث العلمي دوليا.

اليوم الحكومة تقدمت بمشروع قانون في الموضوع، وسجلنا أنه تم استحداث “مجلس الأمناء” بصلاحيات واسعة. فهل يعتبر هذا تكريس لاستقلالية الجامعة، أم هو في جوهره شكل جديد من الوصاية بهدف إخضاع الجامعة لتوجيهات خارجية تفرغ مبدأ الاستقلالية من محتواه؟

اسمح لي أولا أن أؤكد على أن الأمر يرتبط بالأساتذة الباحثين، وهم ضمن خيرة الأطر المغربية، وأنا شخصيا وحسب تجربتي المتواضعة، فإن تدبير شؤون التعليم العالي والبحث العلمي لا يخضع بالضرورة للأعداد، فأستاذ باحث واحد قادر على الإقناع والاحتجاج والنقاش الهادئ والإتيان بالحجة والحجة المضادة، فهذا مجالنا، وإن كان نقابيا فالأدوار تتعضد أكثر.

أما عن “مجلس الأمناء” أو “الحكماء” أو “الإدارة” أو غيرها من التسميات، فلا يمكن أن يقبل أستاذ باحث بإعدام أدواره في المجالس؛ لأنه بكل بساطة هو المحور والقلب النابض لكل العمليات البيداغوجية والعلمية والإدارية لمهام التعليم العالي والبحث العلمي، وإن أعدمت أدواره ومهامه، فعلى الوزارة والحكومة البحث عمن يقوم بهذه المهام، وهو الأمر الذي لا أعتقد أنه ممكن. ثم إن هناك النقابة الوطنية للتعليم العالي، والتي لا يمكن أن تقبل بذلك مهما حصل.

وأعتقد حسب تجربتي المتواضعة أن المشروع الذي صادقت عليه الحكومة قطع مجموعة من المراحل، منها ما هو مرتبط بما أقدم عليه لحسن الداودي 2014 2018 مع المكتب الوطني للنقابة، وسعيد أمزازي مع نفس الجهاز للنقابة ذاتها سنوات 2018 2021، ومنها ما أقدم عليه عبد اللطيف ميراوي سنوات 2021 2024 مع المكتب الوطني، ومنها ما قام به عز الدين ميداوي قبل مجلس الحكومة ليوم 28 غشت 2025.

وتظل هذه الوثيقة المصادق عليها حكوميا مشروعا قابلا للنقاش وقابلا للزيادة أو النقصان أو الحذف، شريطة النقاش الهادئ المسؤول بين مكونات التعليم العالي، أقصد المكتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم العالي والوزير قبل افتتاح الدورة البرلمانية، وحين افتتاحها عبر طرح أولا ما تم الاتفاق بشأنه بين هذه الأطراف، والدفاع والمرافعة عما اختلف حوله من قضايا، ولم لا الاجتماع برئيس الحكومة في الموضوع. لكل ذلك، أعتقد أننا لسنا في أزمة كما يروج في بعض الأوساط، ولكن نحن أمام نخبة المجتمع تناقش وتقبل وترفض وتحتج.. فلا أحد منهم سيقبل الوصاية، بل أعتقد أن لا جهة تهدف لفرضها على نساء ورجال التعليم العالي..
إذن، هناك أمل في تجويد هذا المشروع بما يخدم المصالح العليا للوطن ويجعل التعليم العالي قاطرة للتنمية بكل أنواعها ومجالاتها.

بمنح السلطة التقريرية لـ “مجلس الأمناء” ذي الأغلبية الخارجية، وتحويل دور رئيس الجامعة إلى دور استشاري، ما هي المخاطر المباشرة على فعالية الحوكمة الجامعية وقدرة الجامعة على اتخاذ قرارات مستقلة تخدم مصلحتها الأكاديمية؟

سأعتذر عن الإجابة بتفصيل عن سؤالك هذا، وألتزم أن أعود لطرح نقاش عميق حول جوانبه. لكن اسمح لي أن أؤكد لك حسب ما اطلعت عليه في المشروع، أن هذا المجلس المسمى “مجلس الأمناء” لا علاقة له بتدبير وتسيير الجامعات، ورئيس الجامعة فيه عضو كامل العضوية وليس استشاري، ومجلس الجامعة يحتفظ بكل مهامه وأدواره.

وحين يكون بالجامعة رئيس بكامل الأوصاف، فلا أحد يقدر على سلبه سلطة المجلس في مهام التدبير والتسيير واقتراح العمداء والمدراء ومسؤولي المراكز وغيرها مما يرتبط باستقلالية الجامعات.

حسب متابعتك لمنظومة التربية والتكوين عموما وخصوصا، ماذا تحقق للأساتذة الباحثين من ملفهم المطلبي؟

هذا سؤال يجب طرحه على الأخ الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي أو على الإخوة أعضاء المكتب الوطني. لكن الذي بلغني هو أنه لا ملف تم حله خلال هذه السنة، أي قبيل وبعد تعيين الوزير عز الدين ميداوي، وبعد انتخاب اللجنة الإدارية والمكتب الوطني والكاتب العام للنقابة. فمن غير المقبول والمعقول أن تستعجل الحكومة إجراءات قانونية ولا تستعجل الاستجابة لنقط الملف المطلبي للأساتذة. أعتقد أنه من المناسب أن يتم حل نقط هذا الملف، والذي لا يتعدى عدد أصابع اليد الواحدة.

فالاهتمام بالموارد البشرية: الأستاذ والطالب والإداري، مدخل من مداخل تطوير المنظومة. أرجو أن تنتبه الحكومة إلى هذا الأمر، فلا تفرق في استجابتها بين الأساتذة الأطباء وبين أساتذة الجامعات والمؤسسات والمعاهد، ولا يمكن أن تظل ترقيات الأساتذة الباحثين مجمدة بسبب خلاف بسيط في قراءة وتأويل النص الخاص بالترقية.

ولا يعقل أن نظل إلى اليوم نسمع بملف حملة الدكتوراه الفرنسية، ولا أن نشهد ضياع أستاذ باحث اشتغل في قطاع آخر ثم التحق بالتعليم العالي عبر مباراة في بعض سنوات أقدميته، ولا أن يظلم هذا أو ذاك بسبب تسلط أحد المسؤولين.. وغير ذلك من قضايا التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. فالحاجة ماسة لمغرب اليوم لكل نخبه وفي كل المجالات والتخصصات.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.