أبلغ جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي نظيره الأميركي ماركو روبيو أن إسرائيل تستعد لتطبيق السيادة على أراضي الضفة الغربية. وكانت إدارة ترامب قد أبلغت حكومة نتنياهو أن قرار السيادة على الضفة الغربية بيد إسرائيل، وبعبارة أخرى قال مسؤولون أميركيون: قرروا أولاً ما تريدون ثم تحدثوا إلينا، في الوقت الذي اعتبر فيه مايك جاكسون رئيس مجلس النواب الأميركي أن الضفة الغربية جزء من إسرائيل ونعمل على استبدال تسمية الضفة الغربية بيهودا والسامرة. وكان باراك المبعوث الأميركي إلى سورية ولبنان قال إن 7 أكتوبر والأحداث التي أعقبته غيرت قواعد اللعبة في المنطقة، حيث ستذهب إسرائيل حيثما تشاء في أراضي لبنان وسورية ودول أخرى وما تراه ضرورياً لأمنها، أخذاً بحرية إسرائيل في أن تفعل ما تريده برعاية إدارة ترامب، وأكد موقع أكسيوس أن إسرائيل تدرس بجدية خطة لضم 60% من الضفة الغربية.

رغم انهيار «شرعية الحرب» المستمدة من الشعار الذي رفعته أميركا ودول غربية حول «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها» بعد هجوم 7 أكتوبر، تواصل حكومة نتنياهو وإدارة ترامب التنافس على  تسديد ضربات متلاحقة للشعب الفلسطيني. الأولى، تضطلع  بحرب إبادة وتجويع ومجازر وتهجير وخنق اقتصادي بوتائر متصاعدة على مدار 23 شهراً تقريباً. والثانية توفر الدعم العسكري والتغطية السياسية للاستيطان والنهب والمشاركة في خطط التطهير العرقي كخطة ترامب لوضع قطاع غزة تحت إدارة أميركية وتحويله الى ريفيرا ومركز للتكنولوجيا والتقنيات الحديثة بعد إخلاء جميع السكان. وتشارك إدارة ترامب في الخنق الاقتصادي والخنق السياسي وتفرض العقوبات على السلطة والمنظمة والمواطنين الفلسطينيين، والتي كان آخرها منع التأشيرة الأميركية لحملة جواز السفر الفلسطيني، ومعاقبة المحكمة الجنائية وموظفيها، ومعاقبة المنظمات الدولية الأخرى والدول التي تتضامن مع الشعب الفلسطيني وتمارس دورها الإغاثي والإنساني والحقوقي، أو تمارس الضغط على دولة الاحتلال لوقف حرب الإبادة.
السؤال هنا، هل سيمتثل النظام الدولي للإملاءات الاميركية ومساعي إدارة ترامب المحمومة لتقويض ميثاق الامم المتحدة، والعمل بشريعة الغاب في الحرب العنصرية الوحشية ضد شعب يعيش أكثر من نصفه أعزلَ تحت سيطرة نظام أبارتهايد كولونيالي؟ حتى الآن تمر «سياسة ترامب نتنياهو» المتوحشة دون اعتراض عملي، حتى الان تستفرد القوتان العظميان الدولية والإقليمية بالشعب الفلسطيني، وبتعبيراته السياسية والمجتمعية، وتضع قضيته على مفترق طرق تاريخي بين حلين، حل عقاري استعماري ربحي يجترحه عقل مريض بجشع الاستحواذ على المال، وحل طبيعي يمكّن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير مصيره. الحل العقاري يمتلك كل أسباب القوة، والحل الطبيعي يمتلك قوة الخطاب تأييداً واستنكاراً فقط. ويحتل الفعل الفلسطيني اهمية استثنائية في تفعيل عوامل الدعم ولملمة عناصر القوة والاستنهاض. ما تزال المفاهيم والأفكار غير المدروسة والعاطفية، أو التي لها صلة بأشكال من التدخل الخارجي والأجندات الخاصة عائقاً أمام الفعل الفلسطيني الإيجابي والبنّاء.
ما زال النقاش والحوار الفلسطيني عالقاً حول مبدأ حق المقاومة الذي لا خلاف عليه، وفي وصف سياسات الاحتلال وجرائمه وطبيعته ودوره في مفاقمة الصراع. في الوقت الذي يستدعي فيه الوضع الأكثر خطورةً نقاش اي مقاومة نريد، وكيف يمكن الخروج من ورطة حرب المواجهة الشاملة التي بادرنا في إشعالها. يلاحَظ أن من قَبِلَ بدخول المواجهة الشاملة وبررها هو الذي يعارض الخروج منها. يقول عبد الخالق الراوي في منشور بعنوان سيكولوجية الانتحار واسع الانتشار «ما قام به السنوار هو انتحار استراتيجي محسوب، ويستشهد بالفيلسوف إيميل دور كايم بأن هناك نوعًا من “الانتحار الجماعي الواعي”، يحدث عندما تصل جماعة إلى شعور لا واعٍ بأن بقاءها بلا كرامة… هو الفناء الحقيقي. فيختار الوعي الجمعي التضحية بالجسد من أجل بقاء “المعنى”.  هذا التنظير لم يكن من صناعة حماس ومفكريها الذين ينتمون للفكر الإسلامي، بل ينتمي لمفكرين من خارجهم، كما هو حال التفسير الأول الذي تحدث عن معرفة حماس بالرد الإسرائيلي الذي كان سيأتي بعد هجوم 7 أكتوبر او بدونه. لكن التنظير المذكور يتعارض مع ما قالته قيادة حماس، والتي كانت تتحدث عن انتصارها وهزيمة إسرائيل كما فعل محور المقاومة والممانعة طوال الوقت، وأحياناً كانت تتحدث عن خسائر حماس التكتيكية مقابل خسائر إسرائيل الاستراتيجية، او أن إسرائيل لم تحقق أياً من أهدافها المعلنة. في الحالين توضع توليفة بقالب فكري يستشهد بإميل دور كايم في فلسفة الانتحار وفرانز فانون في «المعذبون في الأرض» والتي يمكن تلخيصها بجملة: لم يبق لدى الشعب الفلسطيني ما يخسره. وواقع الحال ان الشعب كان يملك خيارات نضال أخرى لا يخسر فيها كل شيء، بل ربما كان سيكسب منها الكثير. بدلاً من نقاش مقامرة 7 أكتوبر أو الانتحار الحمساوي الذي أخذ معه المجتمع، ومحاولة الخروج منه وبخاصة في حلقته التي ربما تكون الأخيرة. يجري تبرير المقامرة والانتحار باعتباره الخيار الإجباري الوحيد وما دونه خنوع.  
في مقابلة مع الجزيرة يرد د. مصطفى البرغوثي على سؤال: لماذا لا يتم تسليم الرهائن الذين تستخدمهم إسرائيل ذريعة لمواصلة الحرب؟ قال: إن حماس مستعدة لوقف الحرب ومبادلة الأسرى، وأن لا تكون في الحكم، وأضاف أن المشكلة ليست في حماس، المشكلة في نتنياهو الذي يريد الاسرى ويكمل الحرب ويطرد السكان. ورأى في بيان نيويورك الذي وقعت عليه 25 دولة ويؤيده أضعاف هذا العدد انه لا يُلزمنا دون أن يذكر سبب رفضه له، لكن حماس أوضحت سبب رفضها، وهو بند نزع سلاح قطاع غزة وخروج قيادة حماس العسكرية من قطاع غزة بإشراف دولي وعربي. بيان نيويورك ينص على وقف الحرب وانسحاب قوات الاحتلال من كل أراضي قطاع غزة. وهو ما يرفضه نتنياهو الذي يصر على بقاء التفاوض الثنائي مع حماس وبقاء المواجهة العسكرية الثنائية، ليتسنى له تدمير ما تبقى من القطاع وقتل المزيد وتهجير وطرد المواطنين، وصولاً الى الاستيطان وتحويل القطاع الى ريفيرا. ويحاول البرغوثي إبطال مقولة الذرائع بالقول ان إسرائيل تجتاح وتدمر وتمارس التطهير العرقي في الضفة دون أن تحكمها «حماس» ما يعني ان إسرائيل لا تحتاج الى ذرائع، متناسياً أن الإعلان عن الكتائب المسلحة العلنية بقيادة حماس والجهاد في جنين ونابلس وطولكرم والبدء بمواجهات مسلحة عشوائية بدون مقوّمات سبق 7 أكتوبر بعامين. كان الهدف من الاستعراضات المسلحة الخروج عن سيطرة السلطة لمصلحة سلطة حماس، وعندما بدأ الشبان بمواجهة الاحتلال تعرضوا الى التصفية، فقد استشهد اكثر من ألف شاب مقابل 20 جندياً ومستوطناً بعضهم داخل مناطق 48. وللحديث بقية.

شاركها.