١
بعد الاستقلال في السودان حدثت تقلبات في انظمة الحكم، بدأت بفترة الديمقراطية الأولي(1956 1958م)، والتي كانت فيها الدولة مدنية ديمقراطية تحكم بدستور 1956 الانتقالي الذي كفل الحقوق والحريات الأساسية والتعددية السياسية والفكرية،
جاء بعدها الانقلاب العسكري للفريق عبود(1958 1964م) والذي كان ديكتاتوريا صادر كل الحقوق والحريات الديمقراطية.
٢
ثم جاءت ثورة اكتوبر 1964م التي أنهت الحكم العسكري’ وكان نتاجها دستور السودان الانتقالي المعدل ١٩٦٤ الذي كفل الحقوق والحريات الديمقراطية واستقلال الجامعة والقضاء وحرية تكوين الأحزاب السباسية والنقابات.
بعد ثورة اكتوبر برز الصراع حول: الدستورهل يكون مدنيا ديمقراطيا ام اسلاميا؟’ الجمهورية الرئاسية ام البرلمانية؟’ وكان خرق الدستور بمؤامرة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان، ومحكمة الردة للأستاذ محمود محمد طه، ومحاولات من احزاب ( الا خوان المسلمين والأمة والوطني الاتحادي) لاقامة دولة دينية تحكم بالشريعة الاسلامية، وحدثت أزمة، وتعمقت حرب الجنوب مما أدى لقيام انقلاب 25 مايو 1969م.
٣
استمر نظام مايو ديكتاتوري وشموليا ومدنيا او علمانيا حتي اعلان قوانين سبتمبر 1983م لتقوم علي أساسها دولة دينية تستمد شرعيتها من قدسية السماء وبيعة الامام، وكانت النتيجة قطع الايادي في ظروف مجاعات وفقر ومعيشة ضنكا ومصادرة الحريات الشخصية واعدام الاستاذ محمود محمد طه الذي عارضها، وتعمقت حرب الجنوب بعد اعلان حركة تحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق. حتي قامت انتفاضة مارس ابريل 1985م، وتمت استعادة الحقوق والحريات الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية التي كفلها الدستور الانتقالي لعام 1985م.
وبعد الانتفاضة استمر الصراع: هل تبقي الدولة مدنية ديمقراطية ام دينية؟ ودافعت قوي الانتفاضة عن مدنية وعقلانية الحياة السياسية والدولة ضد اتجاه الجبهة الاسلامية لفرض قانون الترابي الذي يفضي للدولة الدينية، وتمت هزيمة قانون الترابي، واصلت قوي الانتفاضة مطالبتها بالغاء قوانين سبتمبر 1983م، حتي تم الوصول لاتفاقية الميرغني قرنق والتي علي اساسها تم تجميد قوانين سبتمبر وتم الاتفاق علي حل سلمي في اطار وحدة السودان بين الشمال والجنوب وتقرر عقد المؤتمر الدستوري في سبتمبر 1989م.
٤
لكن جاء انقلاب 30 يونيو 1989م ليقطع الطريق امام الحل السلمي الديمقراطي، واضاف لحرب الجنوب بعدا دينيا عمق المشكلة وترك جروحا غائرة لن تندمل بسهولة، وفرض دولة فاشية باسم الدين، الغت المجتمع المدني وصادرت الحقوق والحريات الأساسية وتم تشريد واعتقال وتعذيب وقتل الالاف من المواطنين، وامتدت الحرب لتشمل دارفور والشرق. وعمق النظام الفوارق الطبقية ، من خلال اعتماد الخصخصة وتصفية القطاع العام واراضي الدولة والبيع باثمان بخسة للطفيلية الرأسمالية الاسلاموية، وتوقفت عجلة الانتاج الصناعي والزراعي، ورغم استخراج البترول وتصديره الا انه لم يتم تخصيص جزء من عائداته للتعليم والصحة والخدمات والزراعة والصناعة، وتعمق الفقر حتي اصبح 95% من شعب السودان يعيش تحت خط الفقر، اضافة للديون الخارجية التي تجاوزت ٦٦ مليار دولار. وتوفرت فرصة تاريخية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا لضمان وحدة السودان من خلال التنفيذ الجاد للاتفاقية وتحقيق التحول الديمقراطي وتحسين الاوضاع المعيشية والتنمية المتوازنة والحل الشامل لقضية دارفور وبقية الاقاليم الأخري من خلال التوزيع العادل للسلطة والثروة، ولكن نظام الانقاذ استمر في نقض العهود والمواثيق، مما أدي لانفصال الجنوب’بتدخل خارجي أمريكي ودعم من الاسلامويين .
استمرت المقاومة لنظام الانقاذ حتى انفجرت ثورة ديسمبر 2018′ التي قطع الطريق أمامها انقلاب اللجنة الأمنية لنظام الانقاذ في ١١ أبريل ٢٠١٩ ‘ومجزرة فض الاعتصام’ وتراجع قوي “الهبوط الناعم” عن ميثاق قوي الحرية والتغيير الموقع في يناير ٢٠١٩ ‘الذي أكد على الحكم المدني الديمقراطي’ وتم التوقيع على الوثيقة الدستورية 2019 التي كرست الشراكة مع العسكر والدعم السريع والمليشيات بتدخل اقليمي ودولي لتصفية الثورة وقطع الطريق أمام الديمقراطية في السودان’حتى لايكون منارة في المنطقة’ إضافة لنهب ثروات البلاد’ وحتى الوثيقة الدستورية انقلب العسكر عليها في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١’ الذي قاد للحرب الجارية حاليا ‘بهدف تصفية الثورة’ ونهب ثروات البلاد ‘وتقسيمها كما في قيام حكومتي بورتسودان ونيالا اللتين تهددان بإطالة أمد الحرب وتقسيم البلاد.’بدعم من المحاور الاقليمية والدولية التي تسلح طرفي الحرب بهدف نهب ثروات البلاد.
٥
و اخيرا لابديل غير السير قدما في أوسع وحدة جماهيرية من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي’ وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية التي تدهورت’ والترتيبات الأمنية لحل كل المليشيات وجيوش الحركات وقيام الجيش القومي المهني الموحد الذي يعمل تحت إشراف الحكومة المدنية’ ووحدة البلاد شعبا وارضا ‘وعدم الإفلات من العقاب وتفكيك التمكين وإعادة ممتلكات الشعب المنهوبة’ وخروج العسكر والدعم السريع والمليشيات من السياسة والاقتصاد ‘ وقيام دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن ادياتهم اولغاتهم اواعراقهم أو معتقداتهم السياسية أو الفلسفية’ التي تعتبر المقدمة الضرورية لضمان وحدة السودان من خلال تنوعه.
المصدر: صحيفة الراكوبة