تزامنا مع الذكرى الثمانين لنهاية الحرب العالمية الثانية وانتصارها على اليابان، نظمت الصين الأربعاء عرضا عسكريا واسعا في العاصمة بكين، كشفت خلاله عن مجموعة من الأسلحة المتطورة مؤكدة تقدمها في الصناعات الدفاعية. ويحمل العرض أبعادا عسكرية وتاريخية، ويعكس توجه الصين نحو تعزيز حضورها الدولي وإبراز قدراتها الذاتية في مجال التكنولوجيا العسكرية.
ستعرض الصين اليوم قوتها العسكرية وتكشف للعالم عن مجموعة من الأسلحة الجديدة التي تبرز تطورها الدفاعي خلال عرض عسكري ضخم يُقام في ساحة “تيان آنمين” الشهيرة بالعاصمة بكين، وذلك بمناسبة الذكرى 80 لنهاية الحرب العالمية الثانية والانتصار على اليابان، التي كانت محتلة للأراضي الصينية.
فيما يشرف الرئيس شي جينبينغ على هذا الحدث بحضور عدد من قادة العالم، من بينهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ورئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى جانب ممثلين عن الدول المنضوية ضمن تحالف منظمة شنغهاي للتعاون.
أسلحة متطورة تظهر لأول مرة
وكشفت القوات المسلحة الصينية عن عدد من تجهيزاتها العسكرية الجديدة التي تعكس تطورا تقنيا كبيرا في أساليب الحرب الحديثة، بحسب اللواء وو زكه، من هيئة الأركان المشتركة للجنة العسكرية المركزية.
وخلال مؤتمر صحافي حضرته وسائل إعلام دولية في بداية الأسبوع، أكد اللواء أن “جميع الأسلحة والمعدات المشاركة في العرض تم اختيارها من بين الأنظمة القتالية الرئيسية المستخدمة حاليا في الخدمة، وهي محلية الصنع بالكامل، مع نسبة كبيرة من المعدات التي ستُعرض لأول مرة”.
وتتضمن هذه التجهيزات أسلحة استراتيجية، من قاذفات قنابل، طائرات مقاتلة، أنظمة فرط صوتية، ومعدات متطورة مضادة للطائرات المسيّرة.
امتد العرض لنحو 70 دقيقة، وكان هدفه إظهار “القدرة القتالية لجيش التحرير الشعبي في كسب الحروب الحديثة وصون السلام العالمي”. وشاركت فيه تشكيلات من القوات البرية، عربات مدرعة، أسراب جوية، ومعدات تكنولوجية متقدمة.
إضافة إلى نحو عشرة آلاف جندي، وأكثر من 100 طائرة عسكرية، أنظمة صاروخية متطورة، وروبوتات قتالية.
تحديث مستمر في مواجهة التحديات الدولية
حمل العرض رسالة واضحة مفادها أن الصين لا تكتفي بتطوير قدراتها الدفاعية فحسب، بل تعتمد على صناعاتها العسكرية الخاصة.
الأسلحة التي تم عرضها ليست مجرد نسخ محدثة لأنظمة أجنبية، بل تجسد تحولا نوعيا نحو الابتكار المحلي الكامل، بما يكرس صورة الصين كقوة تكنولوجية قادرة على تطوير معداتها القتالية ذاتيا.

وفي مارس/آذار 2025، كانت الصين قد أعلنت عن زيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 7.2%، بهدف تحديث القوات المسلحة وتعزيز جاهزيتها في مواجهة التحديات المتزايدة، خصوصا مع تصاعد التنافس الاستراتيجي مع الولايات المتحدة وازدياد مناطق النزاع في العالم.
تُعد الصين اليوم صاحبة ثاني أكبر ميزانية دفاعية عالميا، بنحو 246 مليار دولار، خلف الولايات المتحدة التي تنفق نحو 832 مليار دولار سنويا على جيشها وفق جريدة “لوفيغارو”.
استعراض من وحي المستقبل
العرض العسكري لم يقتصر فقط على تقنيات تقليدية، بل تضمن عناصر تلامس الخيال العلمي، مثل مشاركة روبوتات قتالية إلى جانب الجنود، من بينها وحدات آلية تُعرف بـ”قطيع الذئاب الروبوتية”، التي ظهرت مؤخرا في عروض عسكرية داخلية ولاقت اهتماما واسعا.
الرسالة هنا تتجاوز مجرد استعراض القوة، وتشير إلى استعداد الصين للتعامل مع الحروب المستقبلية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، الأنظمة الذاتية، والأسلحة فائقة التكنولوجيا.
البعد الرمزي والسياسي للتاريخ
ولم ينفصل العرض عن السياق التاريخي والسياسي، بل استحضر النصر على اليابان في الحرب العالمية الثانية كجزء من السردية الوطنية الحديثة للصين.
الرئيس شي جينبينغ هو من كرس هذا التقليد منذ عام 2015، إذ قام بتحويل إحياء ذكرى الانتصار إلى حدث سنوي، يربط بين ماضي المقاومة الوطنية وحاضر القوة العالمية. الهدف ليس فقط تكريم التضحيات التاريخية، بل تقديم الصين كقوة قادت، وتقود، معارك من أجل السيادة والاستقلال، وترسيخ موقعها في المشهد العالمي.
وفي خطاب نُشر على موقع “الصين بالعربية” عبر منصة “إكس”، قال شي جينبينغ: لم يسبق للشعب الصيني أن ظلم أو استعبد شعوب الدول الأخرى، لا في الماضي ولا في الحاضر، ولن يفعل ذلك في المستقبل. وفي المقابل، لن يسمح لأي قوة أجنبية بأن تظلمه أو تستعبده أو تقمعه. ومن يحاول ذلك، فسيصطدم بجدار من الفولاذ شيده 1,4 مليار مواطن صيني بدمائهم ولحمهم، وسيتعرض للهزيمة والدمار”.
الصين… لم تعد ذلك البلد المهان
عبر استحضار ذكرى الحرب، وباستعراض هذه الترسانة المتطورة، تسعى الصين لتكريس صورة جديدة لنفسها: دولة قوية، ذات سيادة، لا تخضع للهيمنة ولا تسمح بالاعتداء.
كما تؤكد أيضا أن الزمن الذي كانت فيه مستباحة قد انتهى، وأنها اليوم قوة لا يُستهان بها، تملك الإرادة والقدرة على الدفاع عن مصالحها بقوة وذكاء. فهل حان وقت تحقق المقولة القديمة: “عندما تستيقظ الصين، سيرتجف العالم”؟
طاهر هاني فرانس24
المصدر: صحيفة الراكوبة