محمد عمر محمدالخير
التحية والتقدير لإجتهادات أ. أحمد بن عمر في المجال الاقتصادي والمالي فقد تابعنا الكثير من تلك الإجتهادات والإسهامات التي ظل يقدمها منذ سنوات، وعلينا كأجيال شابة تراهن على كسر إرث الأجيال التي سبقتها، ذلك الإرث المثقل بالفشل وإدمانه والدوران في دوائر مفرغة رغم أن هناك الكثيرين ممن أسهموا إسهامات جليلة من تلك الأجيال أفرغتها ظروف التخلف ومؤامرات ومكايدات قوى الظلام، كما أسلفت يجب علينا كجيل يراهن على لعب أدوار كبيرة مفارقة لما كان أن نتناقش ونتحاور وننتقد بعضنا البعض بكامل الأريحية ودون أي حساسية، وبالنقد تتطور الأمم وتبنى الدول. بدأت مقالي بهذه المقدمة حتى لا يفهم الأستاذ أحمد بن عمر أو يشعر بأن إنتقاداتي الهدف منها إستهدافه أو تصويره كشخص ضعيف المعرفة لا سمح الله، على كل الرهان على الروح الشابة والإجتهاد الذي عودنا عليه في إسهاماته الثرة في الملف الإقتصادي.
سأبدأ بتناول النقاط التي أختلف فيها مع تقديرات أحمد بن عمر والتي أبدأها بملاحظة حول أن موقفه الشخصي أو السياسي من الدعم السريع أو تحالف تأسيس قد أثر بوضوح على نظرته التخصصية ورأيه ذا البعد العلمي الاقتصادي إذا صح هذا الوصف على ما قدمه في ما يخص أمر النظام المصرفي الإسلامي بإعتبار أنه أمر فني بحت على حد ذكره وليس ذا بعد إسلاموسياسي وهذا إدعاء أعتقد أنه لا أساس علمي له، وأطلب منه إن كان يعتقد غير ذلك أن يأتيني بالدليل وقد توقف معه في هذه النقطة د. عزام مستوضحاً وقد أوضح أحمد شارحاً أن النظام في السودان هو نظام مصرفي إسلامي إعتباراً لمبدأ التمويل والمبدأ العام للعمل المصرفي القائم على صيغ التمويل الإسلامية المعروفة وضرب مثالا بالمرابحة والمضاربة والسلم والاستزراع متحججا أنها صيغ معروفة للتجار والمتعاملين مع البنوك، وأن جوهر تحفظه هو أن جغرافيا دارفور لديها مشاكل هيكلية بسبب خروجها من حرب ممتدة منذ العام 2003 مما تسبب في ضعف الوعي في ما يخص التعامل المصرفي والبنية التحيتية المساعدة والإنتشار المصرفي وثقافة تمويل المزارعين والإستفادة القصوى من التمويلات الممنوحة للأهالي الموجودين هناك، وقد ذكر أيضا أن فئات بعينها في دارفور لديها إمكانية الحصول على التسهيلات المصرفية وهذا صحيح بلا أدنى شك ولكنها حقيقة لست مرتبطة فقط بدارفور المتأثرة بحرب طويلة ما زالت تدور رحاها حتى الآن بل تنطبق على كل السودان، ففي شماله وجنوبه وشرقه وغربه الحال هو ذات الحال من ناحية عدم توافر التسهيلات المصرفية لكل شخص إلا لنخبة من التجار أو أصحاب الحظوة الاجتماعية أوالإقتصادية أو من يمتلكون إمتياز “الواسطة”، هذا غير أن هذا الخلل ليس ذا علاقة بطبيعة النظام المصرفي من ناحية هل هو إسلامي أم تقليدي بقدر ما هو ذا علاقة بسياسات الدولة ومؤسساتها، وفي حالة السودان الخلل هو غياب دور الدولة أو تسييسها مما يجعل الأولوية لمصالح الجهات الأقوى إقتصادياً والجهات السياسية المسيطرة على نظام الدولة وأيضا أمر مركزية تلك الخدمات في الخرطوم وبعض المدن التجارية الكبرى وهذا في حد ذاته لا يخرج من قضية سياسات الدولة، فأغلب البنوك السودانية بإستثناء البنك الزراعي، عدد فروعها في العاصمة الخرطوم يفوق عدد فروعها في كل مناطق الإنتاج بل وفي كل السودان.
ثانياً فقد ظل أحمد طوال الحلقة يطرح فكرة الهجوم الغير موضوعي على حكومة تأسيس دون حجج جوهرية محددة وواضحة إنحيازاً لما وصف نفسه به، بأنه “دولجي” أي الشخص الذي ينحاز للدولة أياً كانت طبيعتها وهذا في تقديري لخلل كبير فهذه العصابة التي يعتبرها دولة والتي لا أعتبرها بدوري دولة، هي مختطفة لأطلال الدولة السودانية منذ ما قبل وصولها للسلطة في يونيو 1989م. أما فكرة سطو الدعم السريع على مساحات من الدولة والذي يرفضه هنا ويتصالح مع النموذج الثاني له في بورتسودان والذي يمثل في تقديري نموذج أسوأ وأخطر من نموذج الدعم السريع أو تأسيس لهو أمر لا يمكن منطقته، وذلك ببساطة لأن ذلك النظام العصابي الإجرامي في بورتسودان والذي يمثل في طبيعته نظام الجبهة الإسلامية ومن إستقطبتهم من الإنتهازيين والمخمومين بفكرة المؤسسات أو الجيش المؤسسة هو الذي أوصل البلاد لهذا المصير والدعم السريع منتج حصري له وكذلك واقع وجود حكومة موازية في نيالا هو بسببه.
نأتي تفصيلاً لحديث أحمد عن طبيعة الاقتصاد السوداني الإسلامي وقد تناسى أن السودان كدولة قد إعتمد في أفضل سنوات إزدهاره الاقتصادي على النظام المصرفي التقليدي وأن ما عرف بالنظام الإسلامي قد وطأ أرض السودان في العام 1978 مع تأسيس أول مصرف إسلامي هو بنك فيصل الإسلامي والذي كانت وراء تأسيسه الحركة الإسلامية السودانية عبر التحالف الإقليمي وقتها بينها كإحدى تنظيمات الأخوان المسلمين والمملكة العربية السعودية في وقت كانت فيه المملكة الراعي الرسمي لتنظيمات الإسلام السياسي في المنطقة، وقد كانت بداية هذا المصرف الإسلامي المدعى جزءاً من مشروع التمكين الإقتصادي والسيطرة لتنظيم الجبهة الإسلامية وقد تم إختيار موظفي البنك عبر لجان تابعة للحركة وبمعايير الولاء والقرب من التوجه الإسلامي، وذلك بعد أن طاب المقام لعرابها حسن الترابي أمر الإندماج مع نظام مايو والذي فارق خطى خصومه التقليديين في اليسار بقيادة الحزب الشيوعي وناصبهم العداء، وبدأ يبحث عن قوى سياسية أخرى حتى يتغذى عليها ليطيل عمر مشروع مكوثه في السلطة، فكان دهاء الترابي وإحباطه من تجربة التحالف مع الأحزاب التقليدية في الجبهة الوطنية بفشل مخططها العسكري للإستيلاء على السلطة بالقوة ليلتحقوا جميعهم فرادى وزرافات للتصالح مع النميري فيما عرف تاريخيا بالمصالحة الوطنية في العام 1977م، قررا الترابي وقتها الإستقلال بمشروعه السياسي والسيطرة على ما تبقى من دولة السودان التي بدأ وقتها مشروع أسلمتها والذي وصل ذروته بإعلان قوانين الشريعة المعيبة في سبتمبر 1983م ودفع عنا وعن كل الأجيال السابقة والقادمة جميعاها الأستاذ الجليل محمود محمد طه له الرحمة والمغفرة.
إذا ما يسمى بالإقتصاد الإسلامي هو في أساسه جزء من مشروع دولة الجبهة الإسلامية الحضارية، ونتائج ذلك واضحة وماثلة ولا تحتاج لتوضيح لما ألت إليه وما ساقت السودان إليه من مصير وواقع..، وهو ليس نظام علمي تم دراسته وتطبيقه بمنهج وبإستراتيجية واضحة وفي تقديري كشخص عمل في المجال المصرفي في السودان وخارجه لمدة تجاوزت الثلاثة عشر عاماً، أنه ليس هناك نظام إقتصادي أو مصرفي إسلامي على الإطلاق وما يطلق عليه ذلك ما هو إلا محاولة إلتفاف فطيرة على التطور العلمي المستحدث نتاج التطور الطبيعي للإنسان ولحياته، بمعنى أخر هو كمحاولات الكثير من عاطلي الدين (والمقصود بهم هنا الفقهاء وما يعرف برجال الدين) لإسقاط إرث الفقهاء الأربعة وما تلى عهد الرسول وخلفائه الراشدين من إجتهادات قد تصيب وقد تخطئ، غير أنها لزمان غير زماننا هذا!، وذلك الإرث بلا شك ليس جزءً من جوهر وعصب الإسلام بل هو موروث وتاريخ لممارسة الإسلام في ذلك الزمان الغابر. بعد ذلك وبتمكن الإسلاميين في مفاصل مهمة في الدولة وسيطرتهم الغير معلنه على بقايا نظام مايو الذي بدأت في عصره مرحلة ذوبان المؤسسات التي أورثنا إياها المستعمر داخل أنظمة الحكم وهو ما أعطى عراب الحركة الإسلامية المساحة للتخطيط لبداية مشروع التمكين الشامل الذي إنتهى بتحول مؤسسات الدولة إلى حدائق خلفية تمارس فيها الحركة الإسلامية عهرها في الحفاظ على سيطرتها ومصالحها السياسية والاقتصادية.
عودة لأمر إسلامية القطاع المصرفي فتجدر الإشارة إلى أن تطبيق ما عرف بالنظام المصرفي الإسلامي في السودان جاء مع إعلان قرارات سبتمبر 1983م التي قضت بإعلان دولة الإسلام في أرض السودان والذي كان وراء إعلانها وتنفيذ مشروعها الذي هو في الأساس مشروع الحركة الإسلامية نظام مايو المتحالف وقتها معها ومع الأحزاب الطائفية وقد كان منظر وعراب تلك التجربة وبطل ساحتها والدينمو المحرك الخفي هو حسن الترابي، ليبدأ عصر الخداع والطلس الإسلامي، في أكتوبر 1984 بتنفيذ قرارات أسلمة النظام المصرفي بصورة عملية وحظر التعامل بسعر الفائدة المعمول به وقتها، ولتتضح الصورة ونستبين ما أشرت إليه من أن الأمر لم يعدوا أن كان قرار سياسي أجبرت البنوك على التحايل عليه باللجوء للصيغة الأقرب لنظام الربح التقليدي وهي المرابحة وغيرها، فمن المهم إيراد الفقرة التي تتحدث عن هذا الأمر نقلاً عن تقرير موثق لبنك السودان(1) :
“خامسا: مرحله إعلان وبدء إسلام العمل المصرفي (1984 1988)
تم إعلان إسلام الجهاز المصرفي في أكتوبر 1984 استنادا على قانون المعاملات المدنية الذي حرم التعامل بالربا اخذا وعطاءاً، فقد صدر منشور بنك السودان بالنمرة ب س / ر ع م / 11 بتاريخ: 10 ديسمبر 1984م والذي ينص على منع التعامل بسعر الفائدة والتحول الفوري للتعامل بصيغ التمويل الإسلامية.
من الحقائق التي يجب ذكرها في هذا الخصوص، أن هذا التحول لم تسبقه أي دراسات تحدد مساره ومتطلباته سواء من حيث الهياكل التنظيمية لبنك السودان والبنوك التجارية، ولا من حيث تدريب العنصر البشرى بحيث يكون مؤهلًا من النواحي الشرعية والقانونية والفنية للاضطلاع بأعباء هذا التحول الإستراتيجي، خاصة وأن خبرة ومعرفة البنوك التجارية وبنك السودان لم تتغير، وما زاد الأمر سوءاً عدم وجود هيئات رقابة شرعية لهذه البنوك. في ظل عدم وجود موجهات من البنك المركزي، فقد رأت البنوك التجارية أن أقصر وأسهل الطرق لإحداث هذا التحول هو التعامل بصيغة المرابحة إذ أنها الأقرب لسعر الفائدة، سواء من حيث سهولة التطبيق، أو من حيث تحمل العميل لمخاطر الاستثمار.. وحتى تطبيق صيغة المرابحة قد شابهها الكثير من الخلل والقصور إذ تفشت ظاهرة المرابحات الصورية والمغالاة في رفع هامش ربح المرابحة مما انعكس بصورة سالبة على معدلات التضخم ونسبة التعثر.
ونتيجة لحيرة وجهل البنوك التجارية بصيغة التمويل الإسلامي فقد ظلت البنوك التجارية الحكومية في ذلك الوقت (الخرطوم، الوحدة والنيلين) تدفع أرباحاً سنويا لأصحاب ودائع الادخار بموجب قرار لجنة مشتركة بالرغم أن عقود ودائع الادخار لم يتم تعديلها.
أما على صعيد بنك السودان، فكما أسلفنا من قبل فإنه لم يكن مستعدا لهذه المرحلة مما اضطره لان يترك لهذه البنوك حرية الاجتهاد لتنفيذ هذا التحول، وقد شهدت هذه الفترة شح إرشادات وموجهات بنك السودان، والذي كان مشغولا بتأهيل كوادره المصرفية ومراعاة تنظيمه الإداري حتى يتسنى له القيام بدوره في مجال التوجيه والرقابة والإشراف.
نتيجة لعدم جاهزية البنوك واستعدادها لهذا التحول الفوري، فقد كان من الطبيعى أن تشهد هذه الفترة العديد من التطبيقات الخاطئة لصيغ التمويل الإسلامي سواء من حيث النواحي الشرعية أو الفنية أو القانونية، ولعل الشيء الإيجابي في هذه الفترة تمكن بنك السودان والبنوك التجارية من تأهيل نفسها بصورة جيدة مكنتها من تحسين أدائها في المراحل اللاحقة.
استمر تزايد عدد المصارف المملوكة للقطاع الخاص خلال هذه الفترة خاصة المصارف المنشأة على أسس إسلامية، وذلك بسبب إعلان الدولة في أكتوبر 1984م إلغاء التعامل بالفائدة والتحول إلى التعامل وفق الصيغ الإسلامية الجدول (6) أدناه يوضح المصارف التي افتتحت خلال هذه الفترة ويلاحظ أنها جميعاً بنوك مشتركة برأسمال محلي وأجنبي.” (انتهى الاقتباس)
ورد أيضاً في مصدر آخر وصفاً لنفس الفترة:
“بحلول نوفمبر 1987 بعد الإنتفاضة، طرأ على منشور أسلمة النظام المصرفي 1984م تغيير كبير، حيث أجاز المجلس الوزاري حينها قراراً يقضي بإدخال صيغة جديدة تسمى بالعائد التعويضي، وقد كانت مثار جدل فقهي واسع ما بين محرِم لها ومحلل، استمر حتى لعام 1990م، حيث تم إلغاءها في 27 يونيو 1990م.”(2)
إذا مما سبق يتضح لنا أن ما صوره الأستاذ أحمد بن عمر بأن النظام الاقتصادي والمصرفي السوداني إسلامي وهو النظام القويم أو على أقل تقدير المثالي هو أمر غير صحيح البتة والحقيقة أنه نظام مشوه يمثل أحد أضلاع الخلل في الاقتصاد والقطاع المصرفي وإمتداد للعبث الأيدلوجي بأنظمة ومؤسسات الدولة السودانية التي كانت وقد ظل النظام المصرفي يحاول (التلتيق) محاولا إيجاد طرق للتحايل على النظام الإسلامي المفروض سياسياً دون أي أسس نظرية وعلمية. بذلك يمكننا أن نصف حقيقة النظام المصرفي السوداني الماثل حتى الآن هو نظام بعباءة وذقن “كوز موتور” يرمز تضليلياً بأنه نظام إسلامي شكلاً ومن ناحية الجوهر هو نظام تقليدي بإمتياز.
أيضاً مما ورد عالية نستبين ونتأكد بشكل قاطع من أن أمر تحول المصارف للنظام الإسلامي لم يكن إلا كذبة كبيرة ككذبة دولة الإسلام في السودان، ولنقيم الحجة على من يتوهم أو يدعى بأن هناك ما يمكن وصفه بنظام إقتصادي إسلامي، بالعودة لأسباب تحريم الربا قبل 14 قرناً في وقت لم يكن فيه أي أنظمة أو أسس علمية ولم تكن هناك دولة بالمعنى المتعارف عليه اليوم وحتى لا يأتيني موتور ويقول لي الإسلام صالح لكل زمان ومكان وغيرها من الهرطقات التي تردد دعونا أولاً أن نستبين لماذا حرم الربا وقتها:
“حرم الإسلام الربا لأنه يسبب الظلم واستغلال الفقراء، ويمنع التكافل الاجتماعي، ويؤدي إلى انقطاع المعروف بين الناس، ويزيد من تضخم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويعطل النشاط الاقتصادي والعمل، ويُعد من أسباب الأزمات الاقتصادية، وقد وردت نصوص قرآنية وأحاديث نبوية تحرمه لما فيه من مضار أخلاقية واجتماعية واقتصادية.”(3)
أعتقد أن هذا التفسير لسبب تحريم الربا متفق عليه، وعليه أقول أن الربا حرم بسبب غياب النظم العادلة الحاكمة والمنظمة للمعاملات في ذلك العهد البعيد، فكان بإمكان المُقرض تحديد النسبة التي يريدها مستغلاً حوجة المُقترض وكان بإمكان المقرض مضاعفة الأرباح إذا تأخر المقترض في السداد بل كانت تصل لدرجة أن يمتلكه كعبد إذا عجز عن الإيفاء بدينه لذلك حرم في ذلك الزمان، أما اليوم وفي ظل التطور العلمي في كل جوانب الحياة ووجود الأنظمة القائمة في الدولة الحديثة انتفت تلك الأسباب التي حرم الربا من أجلها ولا حاجة لنا بما أضحى اليوم خرافات الماضي. ولأقيم الحجة أكثر على أمر التجديد في المحرمات والمحظورات أو العكس أذكر بأن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قد أوقف العمل بالنص القرآني القاضي بإعطاء المؤلفة قلوبهم من الذكاة لترقيق قلوبهم للإسلام، وقال أن هذا الأمر انتفت الضرورة له لأن الإسلام أصبح قوياً يمتلك دولة ولا يحتاج لمن يناصره أو يقويه.
نأتي هنا لطرح مجموعة من الأسئلة لمدعي وجود نظام إقتصادي إسلامي ما الفرق بين صيغة كالمرابحة والصيغ التقليدية ما دام البنك في كلا الحالتين يحدد سعر الفائدة عند التوقيع على عقد التمويل وهل في المرابحة هناك شرط يجعل من النسبة متغيرة في حالات محددة وهل لا تترتب غرامات على التأخر في السداد؟
ألمح أحمد بن عمر لمعلومة حول الرهن في النظام التقليدي وقد إستغربت جداً لذلك وكأنه يحاول أن يصور بقصد أو بغيره أن ما يسمى بالنظام المصرفي الإسلامي لا يشترط الرهن؟! وهذا أمر غير صحيح على الإطلاق. تداخل هنا عزام مستدركاً ومستبيناً منه وسأله هل في بورتسودان الآن كمزارع قد استدنت من النظام المصرفي وتعثرت لن يتم ترككي أو إعفائي لأن هناك سياسات بذلك بل لأن هناك جهة تغطي هذا العجز على حد قول عزام، وهذه معلومة غير صحيحة على الإطلاق فليس هناك أي جهة في النظام المصرفي السوداني تغطي لأي متعثر جنية واحد، وقد نجد لعزام العذر بإعتباره ليس شخصاً مختصاً وبعيد عن واقع الممارسة العملية على أرض الواقع.
واصل أحمد مصوراً النظام المصرفي الإسلامي وكأنه يتسامح أو يرفأ بالمستدينين عموماً أو المزارعين خصوصاً، وهنا أود أن أذكره بأن الاف المزارعين المعسرين سجنوا في ظل هذا النظام المصرفي الإسلامي الذي يعظمه ويدافع عنه مصوراً له كنظام مثالي وإنساني، وحتى لا نذهب بعيداً ففي بدايات شهور الحرب حاول البنك الإسلامي السوداني أن يلاحق المقترضين بالسجن في ظل ظروف الحرب الإستثنائية في وقت يصعب على المقترض أن يواصل عمله هذا إذا لم يكن قد فقد كل شيء وأصبح معدماً “حاولت العثور على رابط الخبر وفشلت عن إيجاده على الإنترنت”.
وأود أن أقول أنني أعمل في دولة نظامها مزدوج هناك المصارف التقليدية والمصارف الإسلامية فهل يعلم أن نسب فوائد المصارف الإسلامية على التسهيلات المصرفية الممنوحة أعلى من المصارف التقليدية؟ وهل يعلم أيضاً أن في كلا النظامين في حالة التعثر ذات الإجراءات هي التي تتبع من محاولات للتسوية مع العميل ومن ثم في حالة إستحالت ذلك يلجأ المصرف للرهونات وفي حال عدم وجود رهونات لأن هناك تسهيلات تمنح دون رهن كالكريدت كارد والتمويل الشخصي مثلا يلجأ المصرف إن كان إسلامي أو تقليدي للمحكمة والمحكمة هي التي تنظر في الأمر وتحدد هل هذا الشخص قادر على الإيفاء أم لا وإذا كان قادراً يطالب بدفع أصل المبلغ فقط دون الأرباح إلا في حالة إكتشاف أنه كان مقتدر ويتحايل عن الإيفاء.
أيضاً أحدث أحمد بن عمر خلطاً وتشويشاً كبيرين بذكره نسبة الفائدة التي تحددها المصارف المركزية أو الجهات المالية المختصة في الدول وذكر خلاف ترامب وجيرن بأول الحادث هذه الأيام فيما يخص تحديد سعر الفائدة، دون أن يشرح ما هو سعر الفائدة أو نسبة الفائدة وكيف تحدد وما هو تأثيرها على الحركة الاقتصادية عموماً وعلى المصارف خصوصاً فيما يخص العمليات القائمة أو القادمة، وتأثيراتها أيضاً على قيمة العملة، ورغم أن مقالي قد تطاول ولكن من المهم أيضاً إيراد بعض المعلومات العلمية المهمة فيما يخص هذه الجزئية:
ما هي أسعار الفائدة؟ (4)
أسعار الفائدة هي تكلفة اقتراض الأموال أو المكافأة مقابل توفيرها. تخيل هذا: تقترض 100 دولار، وسعر الفائدة هو 5٪ سنويًا. وبحلول نهاية العام، ستكون مدينًا بمبلغ 105 دولارات. تؤثر أسعار الفائدة، الموضحة كنسب مئوية، على القروض وبطاقات الائتمان وحسابات التوفير. عندما ساعدت العملاء على فهم قروضهم، كان شرح أسعار الفائدة أمرًا بالغ الأهمية. يتم تحديدها من قبل البنوك المركزية مثل الاحتياطي الفيدرالي وتؤثر على التضخم والنمو الاقتصادي. إن معرفة أسعار الفائدة تساعدك على اتخاذ خيارات مالية ذكية، سواء كنت تدخر أو تستثمر أو تقترض. دعونا نحلل سبب أهميتهم كثيرًا.
كيف يتم تحديد أسعار الفائدة؟
يتم تحديد أسعار الفائدة من خلال مزيج من العوامل الاقتصادية وسياسات البنك المركزي. تلعب البنوك المركزية، مثل الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة أو بنك إنجلترا في المملكة المتحدة، دورًا محوريًا. يقومون بتعديل الأسعار للسيطرة على التضخم وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد. على سبيل المثال، بعد الأزمة المالية عام 2008، خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة إلى ما يقرب من الصفر لتشجيع الاقتراض والاستثمار.
تؤثر المؤشرات الاقتصادية مثل التضخم ومعدلات التوظيف ونمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل كبير على أسعار الفائدة. عادة ما يؤدي التضخم المرتفع إلى ارتفاع أسعار الفائدة حيث تحاول البنوك المركزية تهدئة الاقتصاد. وعلى العكس من ذلك، خلال فترة الركود، تعمل المعدلات المنخفضة على تحفيز الإنفاق. أتذكر الوقت الذي انخفضت فيه الفائدة على حساب التوفير الخاص بي لأن البنك المركزي خفض أسعار الفائدة لتعزيز النشاط الاقتصادي.
تلعب ظروف السوق وتوقعات المستثمرين أيضًا دورًا. على سبيل المثال، إذا توقع المستثمرون نموًا اقتصاديًا قويًا، فقد ترتفع أسعار الفائدة طويلة الأجل بسبب ارتفاع الطلب على الائتمان. ومن ناحية أخرى، تخضع أسعار الفائدة قصيرة الأجل لسيطرة مباشرة من قبل البنوك المركزية.
علاوة على ذلك، يمكن للأحداث العالمية أن تؤثر على المعدلات. يمكن أن تتسبب التوترات الجيوسياسية والسياسات التجارية والأوبئة في تغيرات في الأسعار حيث تتفاعل الحكومات والبنوك للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
إن فهم كيفية تفاعل هذه العوامل يساعدك على فهم سبب ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاضها، مما يساعد على التخطيط المالي واتخاذ القرار بشكل أفضل. (إنتهى)
ذكر أحمد أيضاً أن النظام الإسلامي يتحمل الخسارة مع المتعامل ولا يقوم بتسييل الرهن على عكس النظام التقليدي وهذا أيضاً كلام غريب للغاية ومثير للدهشة وليس هناك ما يسنده في الواقع!!
أخيراً وحتى أختصر أمر ما يسمى بالنظام الاقتصادي الإسلامي فهو أشبه بمبدأ “إذا بليتم فأستتروا…” أو فيما تقوله الأغنية الشعبية “بالضرا يا أبشرا”، فدعونا يا سادة من سفاسف الأمور لأن مشوارنا طويل وستدخلنا مثل هذه الأمور في دوائر حوار ونقاش عقيم سيضيع وقتنا الغالي، فمن المتوقع من أمثال أ. أحمد بن عمر أن يطرح المفاهيم بشكل لا يغبش الوعي أو يصور ما هو غير حقيقي أو غير موجود أصلا.
نقد أخوي أخير خارج النص:
في تقديري أنك لست خبيراً إقتصادياً أو مصرفياً ليمكنك ذلك من عكس المعرفة الاقتصادية بشكل مبسط يمكن لغير المختصين فهمها وإستيعابها، وهذه مقدرة متوفرة مثالاً في شخص أستاذنا الراحل محمد إبراهيم عبده (كبج) له الرحمة والمغفرة بقدر ما قدم ونظنه قد قدم الكثير الكثير، وأيضاً في د. معتصم أقرع رغم أنه هجر ساحة الاقتصاد التي يبرع فيها ورابط في معسكر المدافعين عن الجيش بالباطل قبل الحق، حديثي هذا لا يقدح على الإطلاق من حقيقة كونك باحث وأكاديمي متميز لفت نظر الكثيرين بما يقدم وبإمكانك أن تساهم في بث الوعي من خلال هذا الضرب الذي تبرع فيه دون توريط نفسك في أمر يحتاج لمهارات ومعارف وقدرات غير تلك المرتبطة بالمعرفة الأكاديمية أو التخصصية.
تحياتي في الختام لك على مجهوداتك المقدرة ولعزام على مجهوداته العظيمة في بث الوعي ومقاومة الجهل والتخلف والرجعية.
محمد عمر محمد الخير
الإثنين 1 سبتمبر 2025
مصادر ومراجع:
(1) كتيب بعنوان: توثيق تجربة السودان في مجال المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية: مخطط النظم المصرفي / الناشر: بنك السودان المركزي إعداد مجموعة من المختصين
https://cbos.gov.sd/sites/default/files/banking_system_0.pdf
(2) بحث بعنوان: تطّور النظام المصرفي في السودان (20051903م) إعداد مجموعة من أساتذة قسم الاقتصاد الإسلامي كلية العلوم الإسلامية جامعة غرب كردفان، منشور في مجلة جامعة الزيتونة الدولية في عددها رقم (15) بتاريخ 29 أكتوبر 2023م.
https://journal.ziuuniversity.net/19032005/
(3) AI محرك البحث قوقل
https://www.google.com/search?q=++&oq=+++&gs_lcrp=EgZjaHJvbWUyDAgAEEUYExgWGB4YOTIJCAEQABgTGIAEMgoIAhAAGBMYFhgeMgoIAxAAGIAEGKIEMgcIBBAAGO8FMgcIBRAAGO8FMgcIBhAAGO8FMgcIBxAAGO8F0gEJMTEyMDJqMGo3qAIAsAIA&sourceid=chrome&ie=UTF8
(4) مقال بعنوان (كيف تؤثر أسعار الفائدة على المقترضين: رؤى من السياسة النقدية لبنك إنجلترا)
https://hycm.com/ar///
https://conscious
screams2.blogspot.com/2025/09/blogpost_23.html
المصدر: صحيفة الراكوبة