أمد/ (1) عوامل النجاح والفشل للدستور المؤقت

من نافل القول إ نّ إعداد الدساتير ليست مسألة تقنية بل هي مسألة سياسية بامتياز فهي تترجم العقد الاجتماعي بمكوناته المختلفة في وثيقة دستورية تنظم المؤسسات السياسية والعلاقة بينها، وتضع القواعد الأساسية لحقوق المواطنين وحرياتهم أي طريقة العيش لهم وللأجيال القادمة، وتجسم المخزون الثقافي للشعب الفلسطيني وتطوره الاجتماعي، وتجسد طموحاته وآماله السياسية .

إنّ الوصول إلى مثل هذه الوثيقة يحتاج إلى إعمال قواعد النجاح للإعلان الدستوري “الدستور المؤقت” وفقا للتجارب الدولية وبخاصة العربية منها، والمتمثلة بـ؛ (1) تحديد سقف زمني محدد للمدة انتقالية مرتبطة بجدول لإنجاز الدستور الدائم . و(2) توفر التوافق الوطني المبني على إشراك مختلف القوى السياسية والاجتماعية في صياغته لضمان شرعيته . و(3) تضمينه مبادئ فوق دستورية (حقوق وحريات، فصل سلطات) تلزم المشرّع القادم . و(4) وجود قواعد مرونة تمنح مساحة للحكم مقابل وضع ضوابط صارمة وقيود لمنع الاستبداد . و(5) وجود آلية واضحة لصياغة الدستور الدائم كمجلس تأسيسي أو لجنة منتخبة . و(6) توفر ضمانات التنفيذ كوجود مؤسسات رقابية أو دعم دولي/محلي يمنع الانقلاب على المرحلة الانتقالية .

في المقابل فإن الوصول إلى هذه الوثيقة الدستورية يتطلب تجنب أسباب فشل الدساتير المؤقتة التي أظهرتها التجارب القائمة في الدول العربية والتي تمثلت بـ: (1) غياب التوافق الوطني بصياغته بقرار أحادي أو تحت سلطة انتقالية غير منتخبة. و(2) التمديد غير المحدود بحيث يتحوّل “المؤقت” إلى دائم دون مسار تأسيسي واضح . و(3) تعدد الإعلانات الدستورية التي تغيير القواعد باستمرار مما يفقدها الشرعية. و(4) انهيار الشراكات وضعف الثقة بين الأطراف والقوى السياسية. و(5) إهمال الشرعية الشعبية كعدم عرض النصوص للنقاش العام أو الاستفتاء .

(2) أسئلة مشروعة المتاحة

يعيد المرسوم الرئاسي بشأن إعداد الدستور المؤقت طرح مسائل جوهرية ينبغي الإجابة؛ طبعا بالإضافة إلى القواعد الرئيسية أعلاه، عليها ابتداءً من قبل لجنة صياغة الدستور المؤقت وهي: (1) الجهد المطلوب والتكلفة اللازمة لإعداد وصياغة الإعلان الدستوري الموصوف بالدستور المؤقت، و(2) طبيعة وحجم الدستور المؤقت أي سيكون تفصيليا أم يشمل مبادئ رئيسية لإدارة الحكم للمرحلة الانتقالية. و(3) أي نظام سياسي للحكم سيؤسس الدستور المؤقت نظاماً ديمقراطياً برلمانياً كما نصت عليه وثيقة إعلان الاستقلال باعتبارها وثيقة فوق دستورية، أم نظاماً ديمقراطياً نيابياً  كما جاء في القانون الأساسي الفلسطيني أم نظاماً رئاسوياً كما جاء في مسودات الدستور رغبوياً لتعزيز سلطة الرئيس، و(4) آلية “الخلطة السحرية” الجمع بين المتناقضات الموجودة في المادة الثانية من مرسوم تشكيل لجنة صياغة الدستور المؤقت والمتمثلة بالوثائق السياسية والقانونية كمرجعية للجنة في صياغة الدستور المؤقت وهي “وثيقة إعلان الاستقلال ومبادئ القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان” مقابل “الاتفاقيات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية (مثل اتفاق أوسلو) أو الدولة”. و(5) مدى الانفتاح والشراكة مع الأطياف والقوى السياسية والاجتماعية الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني وطبيعة وشكل الحوار المجتمعي على مستوى الشعبي في المحافظات والمدن والبلدات والقرى والأحياء باعتباره أساساً للقبول الشعبي والتوافق الوطني على العقد الاجتماعي الذي سترسمه لجنة صياغة الدستور المؤقت. و(6) كيف ستعالج لجنة صياغة الدستور المؤقت مسألة اعتماده كمخرج وطني أو حكومي عبر هيئات منظمة التحرير أم عبر استفتاء شعبي يتم تنظيمه في أراضي دولة فلسطين المحتلة.     

(3) الخلاصة

في ظني أنّ أيّ توصيات ساسياتيه بخصوص مستقبل الوثيقة الدستورية أو” تجديد العقد الاجتماعي” الناظمة لمستقبل الفلسطينيين يتطلب تحديد آجال زمنية وأفق سياسي لإنهاء المرحلة الانتقالية، بربطها بعملية تأسيسية لإقرار دستور الدولة الفلسطينية عند تحقيق خطوات عملية نحو الاستقلال أو الوحدة الوطنية، وما يتطلبه ذلك من؛ (1) إطلاق حوار وطني شامل بمشاركة الفصائل والقوى الاجتماعية حول مستقبل الدستور . و(2) اعتماد مبادئ فوق دستورية ملزمة تشمل: الحقوق الأساسية، التداول السلمي للسلطة، الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء . و(3) إجراء تعديلات مرحلية على القانون الأساسي تعيد التوازن بين السلطات وتقيّد السلطة التنفيذية حتى صياغة الدستور الدائم . و(4) تعزيز الشرعية الشعبية من خلال استفتاء عام على أي دستور جديد .

شاركها.