الطيب محمد جادة
في لحظة صادمة وحزينة، استيقظت قرية ترسين الصغيرة الواقعة في سفوح جبل مرة بدارفور على كارثة طبيعية غير مألوفة في هذه الأرض؛ هزة أرضية باغتت الناس في نومهم، فحوّلت البيوت البسيطة إلى ركام، وملأت السماء بأنين الفقد، وأبكت حجارة الجبال قبل عيون البشر.
لم يعرف أهل ترسين الهزات الأرضية من قبل، لكن تلك الليلة، تغيّر كل شيء. ارتجّت الأرض تحت الأقدام، تساقطت الجدران الطينية على ساكنيها، وتحوّلت لحظات الأمان إلى فوضى ورعب. غاب بعض الأطفال تحت الأنقاض، رحل شيوخ كانوا يحكون تاريخ القرية، وتشتتت العائلات بين المستشفى الميداني، والمقابر الصغيرة التي اكتظت بأحباب رحلوا سريعًا.
رائحة التراب الممزوجة بالدموع تملأ المكان، وصوت النساء يرتفع في عزاء طويل لا ينقطع. أمّ فقدت فلذات كبدها، وأب يحدّق في السماء متسائلًا: لماذا هذا الألم؟ لماذا هنا؟ ولماذا نحن؟
ورغم هول المأساة، كان المشهد مهيبًا في تضامن الأهالي. الأيدي تتشابك لإخراج من تبقّى حيًا، العيون تسعف قبل الأجساد، والقلوب تواسي بعضها البعض. فالألم واحد، والمصيبة واحدة، والقرية كلها صارت بيت عزاء كبير.
إلى أرواح ضحايا ترسين، كل الرحمة والسلام. وإلى الناجين، كل الصبر والثبات. هذه الأرض التي أنجبت الشجاعة ستنهض من جديد، لكن الجرح سيبقى طويلًا في الذاكرة، شاهدًا على ليلة بكت فيها دارفور، وارتجف فيها جبل مرة مع أهله.
المصدر: صحيفة الراكوبة