مقدمة: جون قرنق بين الثورة والرؤية

يمثل جون قرنق دي مابيور شخصية مركبة ومحورية في التاريخ الحديث للسودان ومنطقة القرن الأفريقي. تتناول هذه الدراسة الإشكالية الرئيسية التي تطبع مسيرته، وهي التناقض الظاهري بين دوره كقائد عسكري ثوري قاد واحدة من أطول الحروب الأهلية وأكثرها دموية في أفريقيا 1، ودوره كمفكر وسياسي صاحب رؤية “السودان الجديد” الوحدوية التي سعت لتجاوز الانقسامات العرقية والدينية العميقة في البلاد.1 يطرح هذا البحث تساؤلاً جوهرياً: كيف يمكن فهم هذا التناقض؟ وهل كانت رؤيته الوحدوية قناعة أيديولوجية راسخة، أم أنها كانت أداة استراتيجية لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية في سياق إقليمي ودولي متغير؟

إن أهمية دراسة شخصية قرنق تتجاوز حدود السيرة الذاتية؛ فهي تمثل مدخلاً أساسياً لفهم الجذور العميقة للصراع في السودان، وديناميكيات تشكيل دولة جنوب السودان، والتحديات المستمرة التي لا تزال تواجه كلا البلدين حتى اليوم.1 فمسيرته تجسد آمال وآلام أجيال من السودانيين الذين عانوا من التهميش والحروب.

يعتمد هذا البحث على منهج تحليليتاريخي، يدمج بين السرد الزمني لمسيرة قرنق والتحليل الموضوعي لأفكاره وقراراته وتأثيرها. ويتكون التقرير من ستة فصول، يتناول كل فصل منها مرحلة أو جانباً محدداً من حياته وإرثه، بدءاً من تكوينه الأكاديمي والعسكري، مروراً بتأسيس حركته ورؤيته السياسية، ثم سنوات الأزمة والتحولات، وصولاً إلى دوره كمهندس للسلام، ونهايته المفاجئة، وأخيراً تقييم إرثه المعقد الذي لا يزال يثير الجدل ويلهم الكثيرين.

الفصل الأول: من وانليت إلى أيوا التكوين الأكاديمي والعسكري (19821945)

يرسم هذا الفصل خريطة المسار التكويني لجون قرنق، مبرزاً كيف أن تجاربه المبكرة كيتيم نشأ في بيئة مهمشة، ورحلته التعليمية الفريدة عبر القارات، وتدريبه العسكري المزدوج (كمتمرد ثم كضابط نظامي)، قد شكلت شخصيته ورؤيته بشكل حاسم.

النشأة في بيئة الظل (19621945)

ولد جون قرنق في 23 يونيو 1945، في قرية وانليت (المعروفة أيضاً بـ “بوك” أو “وانقولي”) بمنطقة بور، لعائلة فقيرة تنتمي إلى قبيلة الدينكا، كواحد من سبعة أطفال.1 كانت طفولته المبكرة محفوفة بالمصاعب، حيث أصبح يتيماً في سن العاشرة بعد وفاة والديه، مابيور أتيم وقاق موال كول، وتكفل أحد أقاربه بمصاريف تعليمه.1 هذه التجربة المبكرة مع الفقد والحرمان ربما تكون قد غرست فيه إحساساً عميقاً بالظلم والتهميش الذي يعانيه الكثيرون في مجتمعه. تلقى تعليمه الأولي والمتوسط في تونج وبسيري، ثم التحق بمدرسة رومبيك الثانوية، لكن مسيرته التعليمية انقطعت بشكل مفاجئ بسبب اندلاع الحرب الأهلية السودانية الأولى عام 1962.7 كان هذا الانقطاض القسري أول احتكاك مباشر له بتأثير السياسة والصراع على حياة الأفراد ومستقبلهم.

الرحلة التعليمية عبر القارات (19811962)

دفعته الحرب إلى الانضمام المبكر لتمرد “الأنانيا” عام 1962، إلا أن قادة التمرد شجعوه هو وغيره من الشباب على السعي لإكمال تعليمهم، مما دفعه للسفر إلى تنزانيا.1 هناك، أكمل دراسته الثانوية بين عامي 1964 و1965 7، في فترة كانت حاسمة في تاريخ القارة، حيث شهدت صعود حركات التحرر وأفكار الوحدة الأفريقية التي تأثر بها لاحقاً.

حصل بعد ذلك على منحة دراسية لدراسة الاقتصاد في كلية غرينيل بولاية أيوا الأمريكية، وتخرج فيها عام 1969.1 عرضته هذه الفترة للنقاشات الفكرية الغربية حول التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي قرار لافت يعكس التزامه المبكر بالقضايا الأفريقية، رفض قرنق منحة للدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا المرموقة، واختار العودة إلى أفريقيا كزميل باحث في جامعة دار السلام بتنزانيا (19691970).1 عاد لاحقاً إلى الولايات المتحدة ليحصل على درجة الماجستير عام 1979، ثم الدكتوراه في الاقتصاد الزراعي من جامعة ولاية أيوا عام 1981.1

كان موضوع أطروحة الدكتوراه التي قدمها قرنق حول “استراتيجيات التنمية في منطقة مشروع قناة جونقلي”.7 لم تكن الأطروحة مجرد بحث أكاديمي، بل كانت دليلاً على تفكيره التنموي المبكر ونقده العميق لسياسات الخرطوم، التي اعتبرها استغلالية لموارد الجنوب دون تحقيق تنمية حقيقية لأهله.5

المسيرة العسكرية المزدوجة (19821970)

بعد فترة قصيرة في الأوساط الأكاديمية، انضم قرنق فعلياً إلى صفوف حركة “الأنانيا” المتمردة عام 1970.7 لكن مسيرته العسكرية أخذت منعطفاً فريداً بعد توقيع اتفاقية أديس أبابا عام 1972، التي أنهت الحرب الأولى، حيث تم دمجه، مع العديد من المتمردين، في الجيش السوداني النظامي برتبة نقيب.1 منحته هذه المرحلة فهماً عميقاً لهيكلية الجيش وتكتيكاته من الداخل.

لصقل مهاراته، أُرسل قرنق لتلقي تدريب متقدم في مدرسة المشاة بالجيش الأمريكي في فورت بينينغ، جورجيا، بين عامي 1974 و1975.1 بعد عودته، تدرج في المناصب داخل الجيش السوداني، حيث عمل مدرباً في الأكاديمية العسكرية بوادي سيدنا 1، وقائداً للكتيبة 105 في مسقط رأسه بور، ثم ترقى إلى رتبة عقيد وعُين نائباً لمدير البحوث العسكرية بالقيادة العامة.3 هذه المناصب وضعته في قلب المؤسسة العسكرية السودانية قبيل اللحظة التي سيقرر فيها التمرد عليها.

إن الجمع الفريد بين التعليم الاقتصادي التنموي المتقدم في الغرب والخبرة العسكرية المزدوجة (كمتمرد وضابط نظامي) هو ما أنتج شخصية قرنق السياسية المميزة. لم يكن مجرد قائد عسكري، بل كان مفكراً استراتيجياً قادراً على صياغة رؤية سياسيةاقتصادية شاملة وتبريرها بلغة أكاديمية، وهو ما ميزه عن قادة التمرد التقليديين. فدراسته للاقتصاد جعلته يدرك أن الصراع في السودان ليس مجرد قضية هوية، بل هو في جوهره صراع على الموارد والسلطة والتنمية غير المتوازنة.2 وكانت أطروحته حول قناة جونقلي تطبيقاً عملياً لهذا الفهم.11 وعندما اندلع التمرد مجدداً، لم يتبنَّ الخطاب الانفصالي البسيط، بل طرح مشروعاً أكثر طموحاً: إعادة هيكلة الدولة السودانية بأكملها على أسس جديدة من العدالة والمساواة، وهو ما أسماه “السودان الجديد”.1

الفصل الثاني: ميلاد الحركة ورؤية “السودان الجديد” (19911983)

يحلل هذا الفصل اللحظة التاريخية التي حولت العقيد جون قرنق من ضابط في الجيش إلى قائد حركة تمرد، مع التركيز على الأسس الأيديولوجية لحركته وكيفية بنائه لقوة عسكرية وسياسية مؤثرة في سنواتها الأولى.

شرارة التمرد (مايو 1983)

كانت الأسباب المباشرة لاندلاع الحرب الأهلية الثانية متعددة، لكنها تمحورت حول قرار الرئيس جعفر نميري في سبتمبر 1983 بفرض قوانين الشريعة الإسلامية على عموم البلاد، وإلغائه لاتفاقية أديس أبابا التي كانت تمنح الجنوب حكماً ذاتياً.15 كانت القشة التي قصمت ظهر البعير هي تمرد الكتيبة 105 في بور، التي رفضت أوامر بالانتقال إلى الشمال.1 أُرسل العقيد قرنق من الخرطوم لإخماد هذا التمرد، لكنه في خطوة غيرت مجرى التاريخ، انحاز للمتمردين وانضم إليهم في معاقلهم بإثيوبيا، ليصبح قائداً للحركة الوليدة.1 وفي 16 مايو 1983، تم الإعلان رسمياً عن تأسيس الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLM/A).18

صياغة الأيديولوجيا: تفكيك “السودان الجديد”

على عكس الحركات الجنوبية السابقة التي كانت تطالب بالانفصال، قدم قرنق رؤية مختلفة جذرياً أطلق عليها “السودان الجديد” أو “السودانوية” (Sudanism).1 كان جوهر هذه الفلسفة هو رفض الانفصال والسعي لخلق سودان موحد، علماني، وديمقراطي، يقوم على المساواة التامة بين جميع مواطنيه بغض النظر عن عرقهم أو دينهم أو ثقافتهم.1 كان قرنق يرى أن المجموعات المهمشة في السودان، سواء في الجنوب أو جبال النوبة أو النيل الأزرق أو الشرق أو دارفور، تشكل مجتمعة أغلبية عددية، وبالتالي يجب أن تحكم البلاد على أسس جديدة من العدالة والمواطنة المتساوية.1

ولتبرير رؤيته، صاغ قرنق مصطلح “النيميرية” (Nimeirism) لوصف ما اعتبره سياسة “فرّق تسد” التي تنتهجها النخب الحاكمة في الخرطوم، والتي تكرس هيمنة “زمرة” أو “أقلية” عربيةإسلامية على حساب جماهير الشعب السوداني.5 وهكذا، كانت رؤية “السودان الجديد” هي النقيض المباشر لهذه السياسة الإقصائية. وتأثر قرنق في صياغة هذه الرؤية بأفكار الاشتراكية الأفريقية والوحدة الأفريقية (PanAfricanism) التي تشربها خلال فترة دراسته في تنزانيا.1

بناء الجيش الشعبي والتحالفات الإقليمية

بفضل خبرته العسكرية وشخصيته الكاريزمية، نجح قرنق في تحويل المتمردين إلى قوة شبه منظمة، حيث وصل قوام الجيش الشعبي إلى آلاف المقاتلين في وقت قصير.1 كان الدعم الخارجي حاسماً في هذه المرحلة، وشكل التحالف الاستراتيجي مع نظام منغستو هيلا مريام في إثيوبيا حجر الزاوية في بقاء الحركة وتوسعها. فقد وفر منغستو معسكرات تدريب آمنة وإمدادات عسكرية للحركة، مما مكنها من الصمود في سنواتها الأولى.1 لاحقاً، وسعت الحركة شبكة دعمها لتشمل ليبيا وأوغندا.1

عسكرياً، تبنت الحركة في بداياتها استراتيجية تهدف إلى السيطرة على أجزاء واسعة من جنوب السودان، التي أطلقت عليها اسم “السودان الجديد”، مع شن هجمات نوعية لتعطيل المشاريع الاقتصادية التي تعتبرها استغلالية، مثل العمل في قناة جونقلي وخطوط أنابيب النفط.1

ومع ذلك، حمل مشروع قرنق تناقضاً كامناً منذ البداية. فرؤية “السودان الجديد” كانت تقدمية وشاملة وديمقراطية في أهدافها النظرية، لكن تطبيقها على أرض الواقع اعتمد على قيادة عسكرية مركزية وشخصية كاريزمية هي قرنق نفسه. هذا التناقض بين الهدف الديمقراطي والوسيلة العسكرية السلطوية سيخلق توترات داخلية حادة لاحقاً.24 فطبيعة الحرب تطلبت هيكلاً قيادياً صارماً، وشخصية قرنق القوية جعلته يفرض رؤيته على الحركة، مما أدى إلى اتهامات بالديكتاتورية وتهميش الآراء الأخرى، خاصة تلك التي كانت تفضل الانفصال الصريح.1 وهكذا، فإن البذرة الأولى للانشقاقات المستقبلية لم تكن مجرد خلافات شخصية أو قبلية، بل كانت متجذرة في هذا التناقض الأساسي بين الغاية والوسيلة.

الفصل الثالث: سنوات الأزمة والتحولات (20021991)

يستكشف هذا الفصل أصعب فترة في تاريخ الحركة الشعبية، حيث واجهت انشقاقاً داخلياً مدمراً وفقداناً لدعمها الاستراتيجي الرئيسي، مما أجبر قرنق على إعادة تشكيل استراتيجياته العسكرية والدبلوماسية من أجل البقاء.

انشقاق الناصر (أغسطس 1991)

في أغسطس 1991، تعرضت الحركة الشعبية لأكبر أزمة في تاريخها عندما أعلن القائدان البارزان رياك مشار ولام أكول انشقاقهما وتشكيل فصيل “الناصر” (SPLANasir).1 كانت الأسباب المعلنة للانشقاق هي اتهام قرنق بالديكتاتورية، وحكمه بـ”عهد من الإرهاب”، وارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، والأهم من ذلك، عدم تبنيه لهدف استقلال الجنوب بشكل صريح.1

كشف هذا الانشقاق عن انقسامات عرقية عميقة كانت كامنة داخل الحركة، حيث كان فصيل الناصر يتكون بشكل أساسي من قبيلة النوير، بينما كان أنصار قرنق غالبيتهم من الدينكا.1 تحول الصراع السياسي إلى مواجهات عسكرية دموية بين الفصيلين، وأدى إلى مذابح مروعة بين المدنيين، أبرزها “مذبحة بور” التي استهدفت المدنيين من قبيلة الدينكا.1 وقد أضعف هذا الصراع الداخلي الحركة بشكل كبير عسكرياً وسياسياً، وحول الصراع إلى حرب أهلية داخل الحرب الأهلية، وهو ما استغلته حكومة الخرطوم بذكاء عبر سياسة “فرّق تسد”، حيث قدمت الدعم لفصيل الناصر بهدف إضعاف قرنق.1

القيادة في مواجهة النقد

سلط الانشقاق الضوء على الانتقادات الموجهة لأسلوب قرنق في القيادة. فقد وصفه منتقدوه بأنه “عسكري، متعطش للسلطة، وديكتاتوري”.5 بينما رأى أنصاره أن سلوكه السلطوي كان ضرورياً في سياق حرب شرسة ضد نظام قمعي وانقسامات داخلية تهدد وجود الحركة.5 كما وجهت اتهامات بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان لجميع الأطراف، بما في ذلك فصيل قرنق، على الرغم من أن بعض المصادر تشير إلى أنها كانت “أقل فظاعة” من تلك التي ارتكبتها الفصائل الأخرى المدعومة من الحكومة.5 ومن بين الانتقادات الجوهرية أيضاً أن رؤية “السودان الجديد” كانت أيديولوجية شخصية فرضها قرنق على الحركة، ولم تكن نابعة من نقاش ديمقراطي داخلي، وهو ما يفسر، بحسب هؤلاء النقاد، سرعة التخلي عنها بعد وفاته.24

التحول الاستراتيجي وبناء علاقات جديدة

تزامنت الأزمة الداخلية مع صدمة خارجية كبرى. ففي عام 1991، سقط نظام منغستو في إثيوبيا، الحليف الاستراتيجي الأهم للحركة الشعبية. أدى ذلك إلى إغلاق معسكرات التدريب وقطع خطوط الإمداد، مما أجبر مئات الآلاف من اللاجئين والجنود على العودة إلى جنوب السودان في ظروف مأساوية، وكاد أن يقضي على الحركة.1

هذه الأزمة المزدوجة (الداخلية والخارجية) أجبرت قرنق على التحول من قائد حركة ثورية مدعومة من معسكر شرقي إلى لاعب سياسي براغماتي يسعى للحصول على دعم الغرب. بدأت الولايات المتحدة، التي كانت تنظر بقلق متزايد لنظام عمر البشير الإسلامي في الخرطوم، في إعادة النظر في علاقاتها مع الحركة الشعبية.1 وفي عام 1996، قررت إدارة الرئيس بيل كلينتون إرسال مساعدات عسكرية “غير فتاكة” (مثل أجهزة الراديو والزي العسكري والخيام) بقيمة 20 مليون دولار للمعارضة السودانية، بما في ذلك الجيش الشعبي، عبر دول “خط المواجهة” (إثيوبيا، إريتريا، وأوغندا).15 لم يكن التقارب مع واشنطن مجرد خيار دبلوماسي، بل كان ضرورة استراتيجية للبقاء، مما تطلب من قرنق تخفيف حدة خطابه الماركسي الأولي والتركيز على قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تروق للغرب.29 كما عزز قرنق تحالفه مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، الذي أصبح حليفاً إقليمياً رئيسياً.1

كان لانشقاق 1991 إرث مزدوج. فعلى المدى القصير، كان كارثياً، حيث تسبب في خسائر بشرية فادحة وأضعف الحركة عسكرياً. لكن على المدى الطويل، ربما ساهم في ترسيخ قيادة قرنق. فمن خلال تجاوزه للأزمة وإعادة بناء الحركة، أثبت قدرته على الصمود 31، مما جعله “الزعيم بلا منازع” الذي لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله في أي مفاوضات سلام مستقبلية.27

الفصل الرابع: الطريق إلى نيفاشا مهندس السلام (20052002)

يركز هذا الفصل على تتويج مسيرة قرنق الدبلوماسية، حيث تحول من قائد متمرد إلى مفاوض رئيسي وشريك في صنع السلام، وهي العملية التي بلغت ذروتها في اتفاقية السلام الشامل التي أعادت تشكيل السودان.

ديناميكيات مفاوضات السلام

مع بداية الألفية الجديدة، وبضغط دولي متزايد، بدأت محادثات السلام الجدية بين الحركة الشعبية وحكومة الرئيس عمر البشير عام 2002. جرت هذه المفاوضات بوساطة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد)، وبدعم فعال من “الترويكا” التي ضمت الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج.3 لعب قرنق دوراً محورياً في هذه المحادثات، حيث أصبحت المفاوضات في مراحلها النهائية الحاسمة محصورة إلى حد كبير بينه وبين النائب الأول للرئيس السوداني آنذاك، علي عثمان طه.1 هذا التركيز الثنائي أظهر مكانة قرنق كشخصية لا يمكن تجاوزها، وكالطرف الذي يمثل تطلعات الجنوب وكل المهمشين. وبلغت هذه الجهود ذروتها بالتوقيع على اتفاقية السلام الشامل (CPA) في مدينة نيفاشا بكينيا، في 9 يناير 2005.7

تحليل اتفاقية السلام الشامل (CPA)

كانت الاتفاقية وثيقة شاملة ومعقدة تهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية، وتأسيس نظام حكم ديمقراطي، وضمان تقاسم عادل لعائدات النفط.32 يمكن تلخيص بنودها الرئيسية في الجدول التالي:

جدول 1: ملخص البنود الرئيسية لاتفاقية السلام الشامل (CPA) 2005

البند التفاصيل الرئيسية المصادر
تقاسم السلطة فترة انتقالية مدتها 6 سنوات. إنشاء حكومة وحدة وطنية (GoNU) بنسبة 70% للشمال و 30% للجنوب. جون قرنق يصبح النائب الأول لرئيس الجمهورية. إنشاء حكومة إقليمية شبه مستقلة لجنوب السودان (GoSS) يسيطر عليها الجيش الشعبي. نظام فيدرالي غير متماثل (4 مستويات حكم في الجنوب، 3 في الشمال). 32
تقاسم الثروة تقاسم عائدات النفط مناصفة (50/50) بين الشمال والجنوب بعد خصم 2% للولايات المنتجة. 98% من ميزانية حكومة الجنوب تعتمد على هذه العائدات. 32
الترتيبات الأمنية يظل الجيشان (القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي) منفصلين خلال الفترة الانتقالية. تشكيل وحدات مشتركة مدمجة (JIUs) قوامها 39,000 جندي مقسمة بالتساوي. إعادة انتشار القوات إلى مواقعها الأصلية (شمال وجنوب خط 1956). 32
تقرير المصير منح سكان جنوب السودان الحق في إجراء استفتاء على الاستقلال بعد انتهاء الفترة الانتقالية (6 سنوات). 29
المناطق الثلاث بروتوكولات خاصة لمناطق أبيي، وجنوب كردفان/جبال النوبة، والنيل الأزرق، لمعالجة وضعها الخاص وإجراء “مشاورات شعبية”. 32

الموازنة بين الوحدة وتقرير المصير

كانت الاتفاقية تجسيداً للمعضلة الكبرى التي واجهت قرنق طوال مسيرته. فمن ناحية، نجح في تضمين عناصر من رؤيته لـ “سودان جديد” محتمل من خلال هياكل تقاسم السلطة، واللامركزية، والالتزام بالحكم الديمقراطي.1 لكن من ناحية أخرى، اضطر للقبول بمبدأ تقرير المصير، وهو المطلب الرئيسي لقاعدة حركته الشعبية والذي كان هو شخصياً يعارضه أيديولوجياً.23 كانت الاتفاقية بمثابة رهان تاريخي: منح الشمال فرصة ست سنوات لـ “جعل الوحدة جاذبة” (make unity attractive) للجنوبيين.31 فشل هذا الرهان لاحقاً، بعد وفاة قرنق، هو ما أدى بشكل مباشر إلى الانفصال.

كانت اتفاقية السلام الشامل أعظم إنجازات قرنق الدبلوماسية 36، لكنها في الوقت نفسه حملت في طياتها بذور تفكك رؤيته الأساسية للوحدة. فمن خلال إقرارها الدستوري بحق تقرير المصير، فتحت الاتفاقية مساراً شرعياً للانفصال. وهكذا، يمكن القول إن قرنق، في سبيل تحقيق السلام وإنهاء الحرب، وقّع على اتفاقية قد تؤدي حتماً إلى عكس مشروعه السياسي الأهم، مما يجعله مهندس السلام الذي مهد الطريق، ربما عن غير قصد، لتفكيك الدولة التي سعى لإعادة بنائها على أسس جديدة.

علاوة على ذلك، كانت الاتفاقية في جوهرها صفقة ثنائية بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان.32 هذا الترتيب أدى إلى تهميش أطراف الصراع الأخرى في السودان، خاصة في دارفور والشرق، مما أدى إلى تأجيج تلك الصراعات بدلاً من حلها، حيث شعرت هذه المجموعات بأن “الكعكة الوطنية” يتم تقسيمها في غيابها.29 وهذا يمثل مفارقة أخرى، حيث أن رؤية قرنق كانت تدعو لشمول جميع المهمشين، لكن اتفاق السلام الذي صنعه كان حصرياً إلى حد كبير.

الفصل الخامس: واحد وعشرون يوماً في القصر نهاية مفاجئة (يوليو 2005)

يتناول هذا الفصل الفترة القصيرة والمشحونة بالرمزية التي قضاها قرنق في السلطة، وينتهي بتحليل وفاته المفاجئة التي أحدثت صدمة في السودان والعالم، والجدل الذي لا يزال يحيط بها.

النائب الأول لرئيس الجمهورية

في 8 يوليو 2005، عاد جون قرنق إلى الخرطوم في مشهد تاريخي، حيث استقبلته حشود جماهيرية ضخمة وغير مسبوقة من الشماليين والجنوبيين على حد سواء.7 وفي اليوم التالي، 9 يوليو، أدى اليمين الدستورية كنائب أول للرئيس عمر البشير، ليصبح بذلك ثاني أقوى رجل في البلاد وأول جنوبي يشغل هذا المنصب الرفيع.1 كانت هذه اللحظة تمثل ذروة مسيرته السياسية وتجسيداً حياً لإمكانية تحقيق رؤية “السودان الجديد” على أرض الواقع.

الرحلة الأخيرة والوفاة (30 يوليو 2005)

بعد 21 يوماً فقط في منصبه، قام قرنق بزيارة إلى أوغندا للقاء حليفه القديم، الرئيس يوري موسيفيني.7 وفي 30 يوليو 2005، وأثناء رحلة عودته إلى جنوب السودان، تحطمت المروحية الرئاسية الأوغندية من طراز Mi172 التي كانت تقله في منطقة جبلية وعرة بالقرب من الحدود السودانيةالأوغندية.1 أودى الحادث بحياة قرنق و13 شخصاً آخرين كانوا على متن الطائرة، من بينهم ستة من رفاقه وسبعة من أفراد طاقم المروحية الأوغندي.40

التحقيق الرسمي مقابل نظريات المؤامرة

أثارت الوفاة المفاجئة للقائد التاريخي موجة من الشكوك والتكهنات. الرواية الرسمية، التي استندت إلى تحقيق دولي مشترك ضم خبراء من السودان وأوغندا والولايات المتحدة وروسيا، خلصت إلى أن السبب المحتمل للحادث هو “خطأ من الطيار” (pilot error). وأوضح التقرير أن القبطان فشل في الحفاظ على الوعي الظرفي بموقع المروحية بالنسبة للتضاريس الجبلية المحيطة، خاصة في ظل سوء الأحوال الجوية.30

رغم هذا التقرير الرسمي، استمرت الشكوك ونظريات المؤامرة في الانتشار. ومما زاد من هذه الشكوك هو تصريح الرئيس موسيفيني نفسه بأنه لا يستبعد احتمال وجود “عمل مدبر” (foul play).42 تركزت التساؤلات حول سبب اختيار هذا المسار الجبلي الخطير في طقس سيء، ولماذا لم يتمكن الطيار المتمرس من استخدام أجهزة الملاحة لتجنب الاصطدام.40 ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أنه لم يتم العثور على أي دليل مادي يدعم نظرية الاغتيال أو التخريب.30

تداعيات الوفاة

أحدث إعلان وفاة قرنق صدمة وحزناً عميقين في جميع أنحاء السودان، ولكنه فجّر أيضاً أعمال شغب عنيفة في الخرطوم ومدن أخرى. قام آلاف الجنوبيين الغاضبين بمهاجمة المحلات التجارية والممتلكات التي تعود لشماليين، مما أسفر عن مقتل أكثر من 130 شخصاً في مواجهات مع الشرطة ومدنيين آخرين.39 كشفت أعمال الشغب هذه عن عمق الانقسامات العرقية والاجتماعية الهشة التي كانت رؤية قرنق تسعى لتجاوزها.29 وعلى الفور، تولى نائبه، سلفا كير ميارديت، قيادة الحركة الشعبية ومنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، مؤكداً الالتزام باتفاقية السلام.1

لم تكن وفاة قرنق مجرد رحيل لقائد، بل كانت انهياراً للمشروع السياسي الذي كان يجسده. كان هو “الدعامة الأساسية” (linchpin) لعملية السلام 27، والرابط الوحيد الذي كان يجمع بين رؤية الوحدة ومطلب الانفصال داخل حركته.31 بغيابه، فقدت فكرة “جعل الوحدة جاذبة” أهم وأقوى مدافع عنها، مما فتح الباب على مصراعيه أمام القوى الانفصالية داخل الحركة الشعبية. خليفته، سلفا كير، افتقر إلى كاريزما قرنق ورؤيته الوحدوية، وكان أقرب إلى التيار الانفصالي.45 لذلك، يمكن القول إن وفاة قرنق كانت بمثابة “المسمار الأخير في نعش مشروع السودان الموحد”، وجعلت انفصال الجنوب نتيجة شبه حتمية.

الفصل السادس: إرث جون قرنق الأب المؤسس ورؤية لم تكتمل

يقدم هذا الفصل تقييماً شاملاً لإرث جون قرنق المعقد، ويحلل كيف يتم تذكره وتفسير رؤيته في كل من السودان وجنوب السودان اليوم، ويقارنه بقادة تحرر أفارقة آخرين.

قرنق في الذاكرة الجمعية

يتردد صدى إرث جون قرنق بشكل مختلف في ضفتي الحدود التي ساهم في رسمها. في جنوب السودان، يُبجل كـ “الأب المؤسس” للأمة ورمز قومي لا يُمَس، على الرغم من أنه توفي قبل ست سنوات من تحقق الاستقلال الفعلي.6 يُنظر إليه كبطل أسطوري قاد نضالاً طويلاً ومريراً من أجل الكرامة والحرية لشعبه.4

أما في السودان، فيبقى شخصية مثيرة للجدل. يراه البعض، خاصة في الأوساط المهمشة خارج الجنوب، كصاحب رؤية وطنية شاملة كانت قادرة على إنقاذ السودان من أزماته المزمنة وتأسيس دولة مواطنة حقيقية.4 بينما يراه آخرون، خاصة في دوائر النخب الحاكمة القديمة، كمتمرد تسبب في حرب مدمرة أودت بحياة الملايين وأدت في النهاية إلى تقسيم البلاد. هذا التناقض المعاصر لخصه ابنه، مابيور قرنق، بقوله إن والده هو “أكثر قائد يُقتبس منه، وأقل قائد يُفهم في تاريخنا”.48 حيث يتم استخدام اسمه ورؤيته بشكل انتقائي من قبل أطراف سياسية مختلفة لتحقيق مكاسب خاصة، مع تجاهل جوهر فكره الوحدوي.48

مصير رؤية “السودان الجديد”

بعد وفاة قرنق وانفصال جنوب السودان عام 2011، تلاشت رؤية “السودان الجديد” الوحدوية إلى حد كبير.4 في جنوب السودان، تم تبني الانفصال كأيديولوجية وطنية، وهو ما أدى، بحسب بعض النقاد، إلى سياسات إقصائية وانقسامات داخلية جديدة على أسس قبلية، وهو عكس ما نادت به رؤية قرنق القائمة على الوحدة في التنوع.48 أما في السودان، فلا تزال فصائل من الحركة الشعبية (قطاع الشمال) تتبنى خطاب “السودان الجديد” في نضالها ضد حكومة الخرطوم.4 كما أن أفكاره حول الدولة المدنية الديمقراطية والعادلة لا تزال تلهم الحركات الاحتجاجية والسياسيين في السودان الذين يسعون إلى تغيير جذري.4

مقارنات مع قادة تحرر أفارقة

غالباً ما تتم مقارنة جون قرنق بشخصيات تاريخية بارزة في حركات التحرر الأفريقية. المقارنة الأكثر شيوعاً هي مع نيلسون مانديلا، حيث يُنظر إليهما كقائدين ثوريين تحولا إلى رجلي دولة وسعيا للمصالحة والوحدة الوطنية في مجتمعات منقسمة.49 كلاهما حارب نظاماً يقوم على التمييز العنصري. لكن الفارق الجوهري يبقى في النتيجة؛ فبينما نجح مانديلا في الحفاظ على وحدة جنوب أفريقيا، انتهى مسار قرنق (بعد وفاته) إلى الانفصال.

كما يمكن مقارنته بجيل القادة المؤسسين للوحدة الأفريقية مثل كوامي نكروما وجوليوس نيريري، في إيمانهم الراسخ بالوحدة كشرط أساسي للنهضة والتحرر.51 لكنه، على عكسهم، كان يقود حركة تمرد مسلحة داخل دولة مستقلة قائمة، بدلاً من قيادة نضال ضد قوة استعمارية خارجية.

يكمن إرث قرنق المأساوي في أنه كان صاحب رؤية ربما كانت سابقة لأوانها أو غير متوافقة مع الواقع السياسي والاجتماعي الذي عمل فيه. لقد حاول فرض رؤية وحدوية عليا على مجتمع كانت جراحه وهوياته الفرعية (عرقية، دينية، إقليمية) أعمق من أن يتم تجاوزها بسهولة. لقد قدم بديلاً فكرياً قوياً للوضع الراهن، لكنه لم يتمكن، أو لم يُمنح الوقت الكافي، لترجمة هذه الرؤية إلى واقع سياسي مستدام. ومع ذلك، وعلى الرغم من فشل مشروعه الوحدوي، فإن الأسئلة الأساسية التي طرحها قرنق حول الهوية والسلطة والثروة وعلاقة الدين بالدولة، لا تزال هي جوهر الأزمات السياسية في كل من السودان وجنوب السودان اليوم. وهذا يعني أن إرثه الفكري لا يزال حياً وذا صلة، حتى لو تم تجاهل حلوله المقترحة.4

خاتمة: تقييم شامل لمسيرة جون قرنق دي مابيور

في الختام، تظهر مسيرة جون قرنق دي مابيور كشخصية متعددة الأوجه ومليئة بالتناقضات: فهو المثقف الحاصل على الدكتوراه من إحدى الجامعات الأمريكية والقائد العسكري الذي قضى حياته في ميادين القتال؛ وهو صاحب الرؤية الوحدوية وزعيم الحركة التي أدت في النهاية إلى الانفصال؛ وهو الديمقراطي في خطابه والسلطوي في ممارسته أحياناً بحكم ضرورات الحرب؛ وهو مهندس السلام الذي لم يعش ليرى ثماره، سواء كانت وحدة أم انفصالاً.

وبغض النظر عن تقييم رؤيته أو أساليبه، لا يمكن إنكار أن جون قرنق كان الفاعل الأكثر تأثيراً في تغيير مسار تاريخ السودان في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين. لقد نجح في تدويل قضية جنوب السودان وفرضها على الأجندة العالمية، وأجبر النخبة الحاكمة في الخرطوم على تقديم تنازلات تاريخية لم تكن ممكنة بدونه، توجت باتفاقية السلام الشامل.

يبقى إرثه اليوم مفتوحاً على تساؤلات مستقبلية. هل يمكن إحياء رؤية “السودان الجديد” بشكل ما، ربما في صيغة “اتحاد سوداني” أو كونفدرالية بين دولتين مستقلتين كما اقترح البعض 4، كطريق لمعالجة الأزمات المستمرة في المنطقة؟ أم أن إرثه سيظل مجرد ذكرى ملهمة لنضال لم يكتمل، ورؤية عظيمة حاصرتها وقائع التاريخ القاسية؟ الإجابة على هذه الأسئلة لا تزال تتشكل في خضم الأحداث التي تعصف بكلا البلدين، السودان وجنوب السودان.

المراجع

  1. John Garang Wikipedia, accessed September 2, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/John_Garang
  2. Second Sudanese Civil War Wikipedia, accessed September 2, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/Second_Sudanese_Civil_War
  3. Biography of John Garang de Mabior, Sudanese Rebel ThoughtCo, accessed September 2, 2025, https://www.thoughtco.com/johngarangdemabior43576
  4. Dr John Garang’s Vision: The Only Game in Town for the Two Sudans, accessed September 2, 2025, https://paanluelwel.com/2018/08/04/drjohngarangsvisiontheonlygameintownforthetwosudans/
  5. John Garang and Sudanism: A Peculiar and Resilient Nationalist Ideology Digital Commons @ Cal Poly, accessed September 2, 2025, https://digitalcommons.calpoly.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1047&context=forum
  6. “جون قرنق” الحالم بوحدة السودان وبطل استقلال الجنوب وجه أفريقيا, accessed September 2, 2025, https://africaface.net/%D8%AC%D9%88%D9%86%D9%82%D8%B1%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A7%D8%A8%D9%8A%D9%88%D8%B1%D8%8C%D8%A3%D8%AD%D8%AF%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%AE%D8%B5%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%81/
  7. Biography of Dr. John Garang Mabior | Pachodo.org, accessed September 2, 2025, https://pachodo.org/pachodoenglisharticles/25913biographyofdrjohngarangmabior
  8. en.wikipedia.org, accessed September 2, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/John_Garang#:~:text=8%20External%20links,Early%20life%20and%20education,in%20Wau%20and%20then%20Rumbek.
  9. جون قرنق | الموسوعة الجزيرة نت, accessed September 2, 2025, https://www.aljazeera.net/encyclopedia/2010/12/22/%D8%AC%D9%88%D9%86%D9%82%D8%B1%D9%86%D9%82
  10. Biography of John Garang de Mabior KD SSD, accessed September 2, 2025, http://kdssd.org/2025/01/07/biographyofjohngarangdemabior/
  11. Dr. John Garang’s PhD Dissertation, Iowa State University, 1981 South Sudan, accessed September 2, 2025, https://paanluelwel2011.wordpress.com/2016/10/24/drjohngarangsphddissertationdevelopmentstrategiesinthejongleiprojectsarea/
  12. Dr.John Garang PhD Dissertation & Jikmir Development Model Comparative Analysis by Dr. Bol Jock YouTube, accessed September 2, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=cDtl0Sq8DG4
  13. John Garang and Sudanism: A Peculiar and Resilient Nationalism Digital Commons @ Cal Poly, accessed September 2, 2025, https://digitalcommons.calpoly.edu/cgi/viewcontent.cgi?referer=&httpsredir=1&article=1006&context=histsp
  14. جون قرنق ويكيبيديا, accessed September 2, 2025, https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%88%D9%86_%D9%82%D8%B1%D9%86%D9%82
  15. Sudan People’s Liberation Army (SPLA) Sudan People’s Liberation …, accessed September 2, 2025, https://irp.fas.org/world/para/spla.htm
  16. Sudanese Civil War Resumes | EBSCO Research Starters, accessed September 2, 2025, https://www.ebsco.com/researchstarters/history/sudanesecivilwarresumes
  17. Second Sudanese Civil War (19832005) BlackPast.org, accessed September 2, 2025, https://www.blackpast.org/globalafricanhistory/secondsudanesecivilwar19832005/
  18. Sudan People’s Liberation Movement Wikipedia, accessed September 2, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/Sudan_People%27s_Liberation_Movement
  19. الحركة الشعبية لتحرير السودان في محطات | أخبار الجزيرة نت, accessed September 2, 2025, https://www.aljazeera.net/news/2005/8/1/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%83%D8%A9%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D9%81%D9%8A
  20. جون قرنق: رؤيته للسودان الجديد واعادة بناء الدولة السودانية Joun Qarnaq Google Books, accessed September 2, 2025, https://books.google.com/books/about/%D8%AC%D9%88%D9%86_%D9%82%D8%B1%D9%86%D9%82_%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%87_%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7.html?id=NtZSnQAACAAJ
  21. جون قرنق ؛ رؤيته للسودان الجديد وإعادة بناء الدولة السودانية دار رؤية للنشر والتوزيع, accessed September 2, 2025, https://daroueya.com/product/%D8%AC%D9%88%D9%86%D9%82%D8%B1%D9%86%D9%82%D8%9B%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%AA%D9%87%D9%84%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D9%88%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9/
  22. The lives, deaths, and afterlives of John Garang: Historymaking and politics in Sudan and South Sudan, accessed September 2, 2025, https://paanluelwel.com/wpcontent/uploads/2024/05/ThelivesdeathsandafterlivesofJohnGaranghistorymakingandpoliticsinSudanandSouthSudan.pdf
  23. Opinion| The new Sudan vision and the fallacy of selfdetermination (Part 1), accessed September 2, 2025, https://www.radiotamazuj.org/en/news/article/opinionthenewsudanvisionandthefallacyofselfdeterminationpart1
  24. Political Ideology and Organisational Espousal: A … Journals UHK, accessed September 2, 2025, https://journals.uhk.cz/modernafrica/article/download/177/173/342
  25. رأي: “جون قرنق دي مبيور” … مشروع سياسي لايزال في طورِ التَشْكُلْ Radio Tamazuj, accessed September 2, 2025, https://www.radiotamazuj.org/ar/news/article/%D8%AC%D9%88%D9%86%D9%82%D8%B1%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D9%85%D8%A8%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A
  26. South Sudan: Remembering the legacy of Mengistu Haile Mariam …, accessed September 2, 2025, https://paanluelwel.com/2011/10/01/southsudanrememberingthelegacyofmengistuhailemariam/
  27. John Garang’s legacy to the peace process, the SPLM/A & the south ResearchGate, accessed September 2, 2025, https://www.researchgate.net/publication/242649895_John_Garang’s_legacy_to_the_peace_process_the_SPLMA_the_south
  28. John Garang and Sudanism: A Peculiar and Resilient Nationalist Ideology, accessed September 2, 2025, https://omowalebooks.wordpress.com/wpcontent/uploads/2022/04/garang.pdf
  29. John Garang’s legacy to the peace process, the … ScienceOpen, accessed September 2, 2025, https://www.scienceopen.com/hosteddocument?doi=10.1080/03056240500467039
  30. Southern Sudanese leader John Garang’s mysterious death | Al …, accessed September 2, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=zSXoeqoIwL4
  31. H.Res.98 110th Congress (20072008): Honoring the life and achievements of the late Dr. John Garang de Mabior and reaffirming the continued commitment of the House of Representatives to a just and lasting peace in the Republic of the Sudan., accessed September 2, 2025, https://www.congress.gov/bill/110thcongress/houseresolution/98/text
  32. The Comprehensive Peace Agreement | Carnegie Endowment for International Peace, accessed September 2, 2025, https://carnegieendowment.org/research/2011/01/thecomprehensivepeaceagreement?lang=en
  33. Comprehensive Peace Agreement Wikipedia, accessed September 2, 2025, https://en.wikipedia.org/wiki/Comprehensive_Peace_Agreement
  34. Ten Years Later: Taking Stock of Sudan’s Comprehensive Peace Agreement, accessed September 2, 2025, https://www.cfr.org/blog/tenyearslatertakingstocksudanscomprehensivepeaceagreement
  35. إﺗﻔﺎﻗﻴﺔ اﻟﺴﻼم اﻟﺸﺎﻣﻞ ﺑﻴﻦ ﺣﻜﻮﻣﺔ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ اﻟﺴﻮدان و اﻟ Fanack, accessed September 2, 2025, https://fanack.com/wpcontent/uploads/south_agreement_spa_arabic.pdf
  36. Political leadership as a quality: a critical study of John Garang in promoting peace and reconciliation in South Sudan Unisa Institutional Repository, accessed September 2, 2025, https://uir.unisa.ac.za/items/1acbe145f3044a3f8223549ac9429ebd
  37. استراتيجي ا السلام الشامل في السودان International Crisis Group, accessed September 2, 2025, https://www.crisisgroup.org/sites/default/files/130astrategyforcomprehensivepeaceinsudanarabic.pdf
  38. جون قرنق.. سيرة ذاتية | أخبار الجزيرة نت, accessed September 2, 2025, https://www.aljazeera.net/news/2005/8/1/%D8%AC%D9%88%D9%86%D9%82%D8%B1%D9%86%D9%82%D8%B3%D9%8A%D8%B1%D8%A9%D8%B0%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9
  39. John Garang Wikipedia, accessed September 2, 2025, https://gpe.wikipedia.org/wiki/John_Garang
  40. Garang crash resulted from pilot error, says report The New Humanitarian, accessed September 2, 2025, https://www.thenewhumanitarian.org/report/58764/sudanugandagarangcrashresultedpiloterrorsaysreport
  41. Sudan’s Garang dies in copter crash | News | Al Jazeera, accessed September 2, 2025, https://www.aljazeera.com/news/2005/8/1/sudansgarangdiesincoptercrash
  42. Tension High as Sudan Buries Vice President Garang VOA, accessed September 2, 2025, https://www.voanews.com/a/a1320050806voa967537972/285642.html
  43. Pilot caused garang crash New Vision, accessed September 2, 2025, https://www.newvision.co.ug/news/1150224/pilotcausedgarangcrash
  44. مقتل جون قرنق في تحطم مروحية يفجّر أعمال شغب في العاصمة والجنوب Al Bayan, accessed September 2, 2025, https://www.albayan.ae/oneworld/200508021.92155
  45. What they said about Sudanese John Garang Sudan Tribune, accessed September 2, 2025, https://sudantribune.com/article67895/
  46. Succession Fever Deepens South Sudan’s Malaise | International Crisis Group, accessed September 2, 2025, https://www.crisisgroup.org/africa/hornafrica/southsudan/b207successionfeverdeepenssouthsudansmalaise
  47. John Garang: The Flame That Lit South Sudan | 30 July Tribute | Chollowood YouTube, accessed September 2, 2025, https://www.youtube.com/watch?v=1tOiFWm7Cxw
  48. Mabior: Dr. John Garang, our most quoted, least understood leader …, accessed September 2, 2025, https://www.eyeradio.org/mabiordrjohngarangourmostquotedleastunderstoodleader/
  49. Nelson Mandel, a sample of peace and unity in Africa Sudan Tribune, accessed September 2, 2025, https://sudantribune.com/article28187/
  50. Sudan: Hero Or Villain? Chapter to Immortalise Garang Opens allAfrica.com, accessed September 2, 2025, https://allafrica.com/stories/200601090411.html
  51. VISITING THE LEGACY OF DR. JOHN GARANG, 30TH JULY 2012, accessed September 2, 2025, https://paanluelwel.com/2012/07/25/visitingthelegacyofdrjohngarang30thjuly2012/
  52. ! ﻫﻜﺫﺍ ﺘﺤﺩﺙ ﺠﻭﻥ ﻗﺭﻨﻕ ﺍﻟﻌﻘﻴﺩ ﺍﻟﺩﻜﺘﻭﺭ ﺠﻭﻥ ﻗﺭﻨﻕ ﺩﻯ ﻤ * Sudan For All, accessed September 2, 2025, https://www.sudanforall.org/BobGarang.pdf
  53. A Step Toward Peace: The Sudan Comprehensive Peace Accord state.gov, accessed September 2, 2025, https://20012009.state.gov/p/af/rls/rm/2005/40966.htm

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.