قال رشيد الحاحي، رئيس الجامعة الصيفية بأكادير، إن “وضعية الأمازيغية وتفعيل المقتضيات الدستورية والقانونية المرتبطة بها والتقدم المطلوب في تدبير الشأن الأمازيغي على المستوى اللغوي والثقافي والهوياتي والتنموي لا يرتبط بالانتخابات ودورة التوزيع كل خمس سنوات، ولا بمجال أو رغبة أو صلاحيات، وحتى حدود مسؤوليات الحكومات والأحزاب السياسية الموجهة، سواء التي توجد في الأغلبية الحكومية حاليا أو التي تحملت مسؤولية التدبير الحكومي في عدة قطاعات وزارية وجماعات ترابية لأكثر من عشر سنوات وتلعب دور المعارضة اليوم أو التي ستأتي غدًا في إطار توزيع ودورة جديدة”.
وأكد الحاحي، في مقال تحليلي توصلت هسبريس بنسخة منه، أن كل هذه المؤسسات “موجّهة وهامش عملها فيما يرتبط بالأمازيغية والقضايا الثقافية والهوياتية واللغوية محدودٌ، ولا تستطيع تحقيق أي تقدم كبير، سواء كانت ترغب وتنسجم خياراتها مع ذلك أو كانت تناهضها ولا تهتم بها؛ فجُلّها لا تملك سلطة القرار ولا التنفيذ إلا في إطار توجيهي ومحكوم ومحدد”.
وأوضح الأستاذ بالجامعة الدولية بمراكش أن “سنّ السياسات العمومية وتنفيذها فيما يتصل بالأمازيغية ومقتضياتها الدستورية والقانونية يرتبط بكل وضوح بمجال نفوذ وقرار وتدبير غير مؤسساتي وغير واضح أو معلن في بنية الدولة والحياة السياسية والمؤسساتية ببلادنا”، مبرزا أن “التصور السياسي والتدبيري الذي يقوم عليه هو إيقاع ضبط و”التفعيل بالتنقيط” للمقتضيات السياسية والدستورية والقانونية، بما في ذلك الملكية، وبأساليب يغلب عليها حس الخوف والتخويف والإفراغ والتماطل والاعتراف الرمزي الشكلي وليس الفعلي والمؤسساتي، وبالتدبير والقرار والتوجيه المحتكر في العاصمة ودوائرها، بعيدا عن الجهات والأقاليم ومناطق البلاد ومواطنيها وممثليها ونُخبها المحلية والجهوية، سواء السياسية والاقتصادية أو الثقافية والشعبية”.
وبعدما ذكّر بالمبادرات الملكية المعبّر عنها في هذا الجانب منذ 2001، شدّد الحاحي على أن “جُلّ المكونات والأحزاب السياسية تعبر على مستوى الخطاب الرسمي وإعلان النوايا، ولو على مضض بالنسبة لبعضها، عن التزاماتها الدستورية والقانونية تجاه هذه القرارات والمقتضيات؛ لكن جلها تبقى معلقة وتُدبَّر من خلف القرار والمسؤولية السياسية والمؤسساتية المباشرة، وتتجاذبها أطراف مختلفة وغير واضحة ومعلنة في بنية الدولة والتدبير السياسي والمؤسساتي للشأن العام الوطني”.
وعلى الرغم من الاعتراف والتنصيص على الأمازيغية كلغة رسمية منذ دستور 2011، وعلى الرغم من أن الرموز الأمازيغية مثل حرف تيفيناغ والعلم الهوياتي ورأس السنة الأمازيغية أصبحت شبه رسمية وجزءًا من الفضاء والهوية الثقافية الوطنية بعد القرارات الملكية، فإن رئيس الجامعة الصيفية ـ أكادير يؤكد أن “تفعيل هذا الاعتراف يواجه عراقيل متحكمة؛ منها البطء المدروس، والتملّص من تنفيذ القوانين التنظيمية، وتوظيف الاعتراف في المناسبات الرسمية لإظهار الانفتاح دون تغيير فعلي في السياسات، في صيغة استراتيجية احتواء ناعمة تهدف إلى التحكم في مسار الأمازيغية وتوجيهها نحو الاعتراف الرمزي الشكلي أو الفلكلوري أحيانا، بدل التمكين المؤسساتي الفعلي لها”.
وتابع شارحا: “يتضح ذلك بجلاء من خلال التحكم في وضعية وصلاحيات وتأثير المؤسسات المعنية مثل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وغياب الإرادة السياسية الحقيقية والقرار الفعلي لتخصيص الموارد المالية والبشرية، ووضع المخططات والتدابير الواضحة لتعميم تدريس اللغة الأمازيغية في التعليم، وفي الجامعات ومعاهد ومراكز التكوين، وفي الإعلام والقضاء والإدارات والجماعات الترابية وبقية مجالات الحياة العامة، إضافة إلى تحقيق الإنصاف والعدالة المجالية والاجتماعية والتنمية الفعلية في جل المناطق، خاصة الجبلية منها والقروية”.
وبناء على هذه المعطيات، استنتج صاحب كتاب “الأمازيغية والمغرب المهدور” أن “مكونات الدولة المعنية لا تعارض الأمازيغية بشكل مباشر؛ لكنها تسعى إلى التحكم في مسارها، وتوجيهها نحو الاعتراف الرمزي بدل التمكين الفعلي. وتأثيرُها على ملف الأمازيغية في المغرب معقد ومتعدد الأوجه، إذ يتراوح بين التهميش التاريخي والاعتراف الرسمي، وبين الاحتواء الرمزي الشكلي أو الفلكلوري، والعرقلة السياسية والثقافية والمؤسساتية الفعلية”.
وفي المحصّلة، تساءل الحاحي عمّن “يتحمل مسؤولية هذا الوضع الازدواجي والملتبس بين الخطاب والقرار وبين التنفيذ والتفعيل والإنصاف الفعلي الدوائر للأمازيغية؟ ومن يدبر حقا هذا الملف الدستوري والديمقراطي ذا الأبعاد الحقوقية والتنموية والثقافية الوطنية العادلة؟ ومن له المصلحة في عرقلة تدبيره المؤسساتي والتحكم في ذلك، وإفراغ المقتضيات الدستورية والقانونية من معناها وجدواها، وإلى متى؟”، وفق تعبيره.
المصدر: هسبريس