نعم، ليس هناك خلاف
عبد القادر محمد احمد/ المحامي
يضع مقال الأستاذ الصحفي خالد فضل بعنوان: “ليس هناك خلاف” مسودة خارطة طريق للتقريب بين القوى المدنية الداعمة للثورة. أقوم باختصارها في الآتي: (واقع السودان من حيث السيطرة العسكرية على الأرض يقول بوجود أربع قوى: الجيش، الدعم السريع، الجيش الشعبي شمال/ الحلو، وحركة تحرير السودان/ عبد الواحد، وتشكيلات عسكرية متحالفة مع هذا الطرف أو ذاك).
هناك تحالفان رئيسيان: تحالف يقوده الجيش وهدفه “مواصلة الحرب حتى القضاء على الدعم السريع والثورة والقوى المدنية المتحالفة معه”، مقابل تحالف “تأسيس” وعلى رأسه الدعم السريع؛ الذي يطرح مشروعًا سياسيا تأسيسيًا ينهي الحرب ويؤسس لدولة تضم جميع السودانيين ويدعم الثورة. وتحالفات مدنية ترفع شعارات الثورة مثل “صمود” و”التغيير الجذري”…. وعليه يصبح تحالف “تأسيس” أقرب نظريًا لتحالفي القوى المدنية.) ويضيف: (المطروح الآن مشاريع سياسية، يمكن النظر فيها، والأخذ والرد حولها، والتفاهم بين من ينضوون تحت بنودها) ثم، ليس هناك ما يمنع الإسلاميين اذا ثابوا إلى رشدهم من الانضمام للثورة وفقا لمطلوبات الانضمام. “للمزيد يمكن الرجوع للمقال”.
تفاعلا مع هذه الرؤية، أطرح وجهة نظري بأن أتفق في عدم وجود خلافات جوهرية بين القوى المدنية تجعلها في حالة تباعد. كما أتفق أن تحالف “تأسيس” هو الأقرب لتحالفي “صمود” و”التغيير الجذري”، لأنه يقف مع مسار الثورة، وإنهاء الحرب ووحدة الوطن، كما واجه الأزمة السودانية التاريخية ووضع لها العلاج الجذري، في مقابل تحالف الجيش المتمسك بالحرب والقضاء على الثورة.
وبصفتي فردًا حريصًا على استرداد مسار الثورة، أود تسجيل ملاحظاتي الخاصة، في إطار الأخذ والرد الذي دعا إليه الأستاذ خالد:
أولًا: لا حرج في الانضمام لتحالف “تأسيس” بما فيه الدعم السريع، فالحرب اندلعت بين الجيش الذي يصر على استمرارها والقضاء على الثورة، وبين الدعم السريع الذي يتمسك بإنهائها ولا يتحدث عن استمرارها إلى حين القضاء على الإسلاميين أو غيرهم.
ثانيًا: لا حرج في الانضمام لتحالف “تأسيس” رغم انه يضم كيانات أخرى تحمل السلاح، فهي كيانات مطلبية وكانت أصلًا تحمل السلاح في مواجهة الحكومة، وهذا أمر معمول به ومعترف به في الواقع السوداني. كما أن هذه الكيانات تضم قادة سياسيين وطنيين، بخلاف قادة الحركات المتحالفة مع الجيش الذين دعموا الانقلاب ضد الثورة ويتعاملون بانتهازية.
ثالثًا: لا حرج في الانضمام لتحالف “تأسيس” بكل مكوناته، فهذا أفضل من موقف الجيش المتحالف مع كيان يسعى لتقسيم الوطن، وكيانات انتهازية تقف ضد الثورة، ومع “قوات درع السودان” التي قاتلت مع الدعم السريع وارتكبت الفظائع في حق المواطنين.
رابعًا: لا حرج في الانضمام لتحالف “تأسيس”، وكل المؤشرات تقول إن الجيش يسعى للتفاوض معه أو مع الدعم السريع منفردًا، لذلك فالأفضل والأولى أن تبادر قوى الثورة وتنضم لتحالف “تأسيس” بسلاح الكلمة والقلم، دعما لمشروعه التأسيسي ووفق مبادئه المعلنة في دعم الثورة ووحدة الوطن وإنهاء الحرب.
خامسًا: لا حرج في أن يظل الباب مفتوحًا أمام الإسلاميين للانضمام إلى صف الثورة، بل لا يملك أحد حق إقصائهم طالما التزموا وأوفوا بمطلوبات التحول الديمقراطي وعدم الإفلات من العقاب.
سادسًا: لكن قبل الانضمام إلى “تأسيس”، من حقنا أن نطمئن إلى تماسك عضوية ونوايا هذا التحالف. فبالرغم من توقيع قوات الدعم السريع على الوثيقة التي تتضمن المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب، إلا أن قادتها حتى الآن لم يظهروا أمام الشعب ليقدموا اعتذارًا صريحًا والتزامًا واضحًا بعدم تكرار ما حدث والتعهد برد المظالم. على العكس، ما زالت الانتهاكات والجرائم بحق المواطنين في دارفور وغيرها مستمرة. إن ما حدث ويحدث ليس بالأمر الهين. هذه الممارسات تضعف مصداقية الدعم السريع، وتثير تساؤلات حول قناعته بمبادئ التحالف الذي انضم إليه.
نريد الاطمئنان إلى أن الدعم السريع ليس مجرد قوة عسكرية تمارس القتل والنهب والتخريب، لكن يمكن أن يتطور ويدخل في مفاوضات جادة، ويلقي السلاح ويتحول إلى جسم مدني يدعم الانتقال، ويقوده أشخاص لديهم المقدرة والإرادة الحقيقية لقيادة هذا التحول.
حتى الآن، لم يظهر حميدتي ليثبت أنه ذلك الشخص، أو لتبرز منه مؤشرات تدل على إمكانية تحوله إلى قائد مدني. تجربته السابقة تقول إنه كلما تورط في جريمة ضد الشعب، اكتفى بالاعتذار بحجة أنه “خُدع”، ثم لا يلبث أن يتورط في جريمة أخرى.
سابعا: هذا ليس انتقادًا لمسودة خارطة الطريق التي طرحها الأستاذ خالد، بل على العكس تمامًا، فنحن في أمسّ الحاجة إلى تحريك هذا الجمود. لقد سئمنا الجلوس في انتظار المجهول، ولذلك أرى من الضروري التفاعل الجاد مع هذه المبادرة الذكية، لما تحمله من إمكانية توحيد قوى الثورة تحت جسم واحد.
[email protected]
ليس هناك خلاف
المصدر: صحيفة التغيير