
مهزلة السودان وإذلال إنسانه
حسن عبد الرضي الشيخ
أي مهزلةٍ أبشع من هذه التي نعيشها في السودان اليوم؟ وأي هوانٍ أُلحق بالإنسان السوداني على يد جهات كنا نظنها “محترمة”، فإذا بها تكشف عن وجهٍ آخر لا يليق إلا بالانتهازيين والمتاجرين بآلام البسطاء؟
في الفاشر، حيث لم يعد للمواطن ما يسد به رمقه، وحيث حتى علف الحيوان (الأمباز) قد نفد، وحيث تموت أسرةٌ كاملة بسبب الجوع والتسمم الناتج عن ما تناولته من (الأمباز) دون أن يعلم بهم أحد، يخرج علينا ما يسمى “أطباء السودان” بنداءٍ عاجل يستنجدون فيه بمواطني الفاشر للتبرع بالدم لإنقاذ المصابين. لكن عن أي مصابين يتحدثون؟! ليس المقصود سوى جرحى الجيش، ذلك الجيش الذي لا تنقصه المؤن ولا الدواء، إذ تمتلئ مخازنه بالمواد الغذائية والدوائية التي تكفي أهل دارفور سنين عدداً.
فمن أين لإنسان الفاشر، الذي أُفرغت عروقه من الدم جوعاً وقهراً، أن يتبرع بالدم؟! أي استهزاءٍ هذا بعقول الناس ومشاعرهم؟! إن هذا النداء في ذاته إدانة صارخة، وإثباتٌ لا يقبل الجدل، بأن “أطباء السودان” لا يملكون الدم الذي يزعمون طلبه، وأنهم إنما يلهثون وراء خدمة أجندة الحرب، حتى لو كان الثمن إذلال البسطاء.
وفي ذات الوقت، تخرج طوارئ معسكر أبو شوك تناشد المنظمات الإنسانية الإسراع بدفن الجثث المتناثرة على الطرقات، تلك الجثث التي تعود لمواطنين بسطاء من الفاشر، لا قيمة لهم عند دعاة الحرب ولا مكان لدمائهم في نشرات الاستغاثة. هؤلاء هم أبناء الشعب الذين يريد “أطباء الإخوان” أن يلبّوا نداءهم ويعطوا آخر نقطة دم في أجسادهم المنهكة.
فماذا يقول المرء أمام هذا العبث المسمى زوراً بـ”حرب الكرامة”؟ وأي كرامةٍ في أن تُهدر دماء السودانيين، ويُجوّع المواطن، ويُدفن أبناء الوطن في الطرقات بلا تكريم ولا اعتبار؟ وأي “حكومة أمل” هذه التي تبني آمالها على جماجم الأبرياء وأجسادهم التي “عدمت نقطة الدم”؟! في وقتٍ يحتفل فيه ما يسمى مجلس السيادة، سلامة السيادة، بعرس الشهيد مهند، الذي كان قد فرح الكوز عمار السجاد حين سمع اعتراف مهند بأنه قد قتل أكثر من ثلاثين شاباً في ساحة اعتصام القيادة، وسلامة القيادة!!
لو كان في هؤلاء ذرة إنصاف، لدعوا أولاً إلى السلام، لا إلى استمرار نزيف الدم. ولو كانوا حقاً أطباء إنسانية لا أطباء سلطة، لوجّهوا نداءاتهم لوقف الحرب، لا لتغذية معاركها بدماء الفقراء.
إن هذه الحرب ليست كرامة، بل هي إهانة. ليست حكومة أمل، بل حكومة وهم. وما لم نرفع الصوت عالياً، ونرفض هذا العبث على حساب أرواح السودانيين، سيبقى الوطن أسيراً لهؤلاء المتاجرين بالشعارات، بينما يحترق المواطن بين مطرقة الجوع وسندان الدم.
المصدر: صحيفة التغيير