د. مرتضى الغالي

قال البرهان بالأمس لا وقف للحرب (فأما نحن أو هم)..! وهو يقصد بـ(هم) المليشيا التي صنعها مع الكيزان، ثم أغدق عليها المال والسلاح والصلاحيات.. ويقصد بـ(نحن) عساكر الانقلاب والمليشيات التي فرخها بالعشرات.. وجعل الأسلحة التي قدمها لها ولمستنفريه نهباً القتلة وجماعات الإجرام والإرهاب واللصوص والعصابات..!

إنه يعلم أن الموت والخراب لا يصيب (نحن وهم) إنما هو خاص بالمواطنين الأبرياء، وليس بحاملي السلاح والمال..!

وفي ذات الوقت تحدث نائبه مالك عقار بطل التحرير و(حارس عقار الانقلاب) بلهجة أخرى، وقال (لا بد من الدخول في مصالحة وطنية شاملة وهدفنا رفع السودان إلى أعلى درجات الإنسانية)..!

كيف يحدث هذا التعارض بمقدار 180 درجة بين رئيس سلطة بورتسودان ونائبه؟! ومن قال لعقار أن الشعب يطلب (رفعه إلى أعلى درجات الإنسانية)..! يا رجل: المطلوب فقط عدم قتل الناس (وللإنسانية ربٌ يحميها)..!

هل يعلم البرهان وعقار عدد قطع الأسلحة التي أصبحت خارج سلطة الجيش؟!

لقد نشرت “صحيفة الشرق الأوسط” ضمن تقاريرها أن مصادر عليمة أكدت أن نحو (6 ملايين قطعة سلاح) أصبحت بين أيدي مدنيين..!

ورد على ذلك أحد بهاليل جيش البرهان هو “العميد صلاح عبد الله” وقال للصحيفة مخاطباً “القنابير الطائرة”: (إن جمع السلاح بعد نهاية الحرب “سهل جداً” لأن صرفه وتوزيعه على المستنفرين تم باللوائح والقوانين.. وأن لكل قطعة سلاح رقم خاص يسهّل جمعها بنهاية الحرب).. ‍ثم قال: (الجيش السوداني خلال تاريخه يحتفظ بمخزن الأسلحة، ولا يتم إخراجها منه إلا وفق ضوابط ولوائح صارمة).. يبقى قابلني..!

ومن عجب أن مالك عقار أشار حسب معلوماته إلى خسائر الحرب وقال إنها تسبّبت في تدمير أكثر من (600 مصنع) و(36 جامعة) في الخرطوم وحدها (300 شركة خاصة).. ثم تحدث عن إعادة الأعمار و(لم يشاور رئيسه) الذي ينادي بمواصلة الحرب حتى يختفي الدعم السريع من الوجود..!

ماذا تساوي إحصائية مالك عقار بجانب ما أعلنته منظمة الصحة العالمية واليونيسيف وأطباء بلا حدود عن الخرطوم نفسها..؟! لقد وصفوها بـ(مدينة أشباح) مبانيها ودواوينها أطلال.. مدارسها وأسواقها مدمرة.. و90% من مستشفياتها خرجت بالكامل من الخدمة..!

وقالت تقاريرهم إن وباء الكوليرا شاع في جميع ولايات السودان الثماني عشرة، وبلغت الحالات المرصودة مؤخرا فقط (48,768) إصابة و(1094) حالة وفاة.. وتم تسجيل (40) حالة وفاة بالكوليرا في أسبوع واحد..!

لن نذكر لضمير عقار الذي تحصّنه طبقات سميكة من (شحم اللامبالاة والانتهازية) حادث وفاة ثلاث شقيقات تتراوح أعمارهم بين (9 و17 عامًا) غرقاً في قارب مطاطي مكتظ قبل يومين أثناء عبور المتوسط إلى إيطاليا هرباً من أهوال (حرب الكرامة)..!

ولن نذكر أوضاع 14 مليون نازح ولاجئ.. ولكن نعيد بعض ما ذكرته التقارير عن الأطفال الذين يتعرّضون لانتهاكات مركّبة تشمل القتل والنزوح والجوع وسوء التغذية الحاد والحرمان من الرعاية الصحية، وتفشي الاغتصاب الممنهج كسلاح حرب.. مع تزايد العنف الجنسي من مسلحين بأزياء رسمية الذي طال الفتيات دون سن العاشرة..!

أيضاً أكدت هذه التقارير حرمان (10 ملايين) طفل من التعليم، وتوقف أكثر من (57) منظمة إنسانية عن العمل، مع اجتياح المجاعة البلاد والارتفاع الحاد في أسعار الغذاء والدواء، ووفاة (522 ألفاً) رضيع نتيجة الأمراض المعدية وسوء التغذية والسل، بينما مات (45 ألفاً) طفل جوعاً، وبلغت المعدلات في بعض المناطق (وفاة طفل كل ساعة)..!

هذه هي (أعلى درجات الإنسانية) الجديرة بالسودانيين التي يراها البرهان ومالك عقار والكيزان ورئيس حكومتهم “كامل إدريس” الذي يقوم بتمرين نفسه على الإسبانية عبر مخاطبة جماهير كولومبيا وشعوب شمال الكاريبي.. الله لا كسّبكم..!

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.