في سياق مراجعة القوانين الانتخابية، خلصت دراسة علمية إلى أن آلية “الكوطا” النسائية أو نظام اللائحة الوطنية للنساء في الانتخابات التشريعية “أدت وظيفتها العددية، دون أن يكون لها تأثير أعمق على صناعة نخب سياسية نسائية قادرة على اكتساح الدوائر المحلية والحصول على مقاعد برلمانية”.
وأضافت الدراسة، الصادرة بالعدد الجديد من مجلة “قراءات علمية في الأبحاث والدراسات” تحت عنوان “سؤال تحقيق المناصفة بمجلس النواب بعد ما يقارب عقد ونصف العقد من تطبيق دستور 2011″، أنه “لا يمكن لوم “الكوطا” لعدم قدرتها على خلق التحول اللازم في وضعية النساء في الفضاء السياسي المغربي، وإنما الأمر مرتبط بمجموعة من العوامل الموضوعية والذاتية”.
الدراسة رصدت تطور ارتفاع عدد النساء داخل مجلس النواب بشكل مطرد، منذ اعتماد نظام الكوطا لأول مرة في تاريخ المغرب، سنة 2002؛ فقد بلغ في انتخابات هذه الأخيرة 35 نائبة، وحافظ على منحى تصاعدي طوال الاستحقاقات التشريعية الماضية، ليصل إلى 96 سنة 2021. غير أن أعلى عدد فائزات بدوائر محلية خلال هذه المحطات بلغ 10 فقط (سنة 2016).
وأكدت معدة الدراسة الباحثة بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية بالقنيطرة “تراجع هذا العدد في آخر انتخابات تشريعية إلى ستة مقاعد؛ وهو العدد الذي يساوي تقريبا عدد النساء الفائزات محليا سنة 2002، أي بعد ما يقارب عقدين من الزمن من تطبيق نظام “الكوطا”، لم يتغير الوضع المرتبط بفوز النساء بمقاعد على المستوى المحلي، ولم تساهم آلية التمييز الإيجابي في تغييره ولو جزئيا”.
و”لعل ما يؤكد المنطق العددي الصرف الذي تقوم عليها آلية التمييز الإيجابي في صيغتها الحالية”، وفق الباحثة، “هو وضع مقتضى تمييزي، يحظر على النساء المنتخبات من خلال اللائحة الوطنية أو اللوائح الجهوية الترشح مرة أخرى عن طريق نفس الآلية”.
وأوضحت أن هذا يعني أن “نائبات البرلمان اللواتي اكتسبن خبرة في الممارسة السياسية يمنع عليهن إعادة الترشح من خلال آلية التمييز الإيجابي، ويبقى أمامهن الترشح في دوائر محلية صعبة بشكل عام أو قد يتم استبعادهن من طرف الأحزاب السياسية التي ينتمين إليها”، مُردفة أن هذا يؤدي إلى القضاء على مسيرتهن البرلمانية و”تبديد الخبرات السياسية التي اكتسبنها”.
وقالت الدراسة إن المادة الخامسة من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب تطرح “جدلا كبيرا في كل فترة سابقة للاستحقاقات التشريعية باعتبارها تشكل سدا منيعا أمام إعادة انتخاب النساء البرلمانيات السابقات”.
ولاحظت أن هذا المقتضى يشكل “ضربا لمبدأ المساواة بين النساء والرجال بدعوى تجديد النخب النسائية والتداول على المسؤولية التمثيلية، في الوقت الذي يعمر فيه العديد من الرجال البرلمانيين طويلا داخل قبة البرلمان، دون أي مقتضى قانوني يحد من عدد الولايات التي ينتخبون فيها”.
كما ينطوي المقتضى نفسه على “فهم مغلوط لآلية التمييز الإيجابي لربطها فقط بالجانب العددي والنسبة التي تشكلها النساء عدديا في كل انتخابات تشريعية، والتركيز أكثر على تأثيث المشهد بوجود نساء داخله لا على الكيف”.
وبخصوص العوامل المفسّرة “للفشل” في صناعة نخب نسائية قادرة على اكتساح الدوائر المحلية، لفتت الدراسة إلى “العائق المؤسساتي، الذي تتحمل فيه الأحزاب السياسية النصيب الأكبر من المسؤولية؛ من خلال استبعاد النساء عن لوائحها الانتخابية أو وضعها في ذيل القائمة خشية ألا تحصد أصواتا”.
ونبّهت إلى “عوائق مرتبطة بطبيعة النظم السياسية والانتخابية القائمة، كما أن المناخ الانتخابي السائد يؤثر سلبا على المشاركة السياسية الفاعلة للمرأة، إذ تسوده ممارسات سلبية، ويشهد توظيف المال الفاسد؛ مما يؤدي إلى إحجام النساء عن المشاركة في الشأن العام والعمل السياسي”.
كما تطرّقت الباحثة، أيضا، إلى “العائق السوسيو ثقافي المتمثل في الأدوار النمطية لكل من المرأة والرجل التي تربط دور المرأة الأساسي بالعمل في المنزل؛ مما يفرض عليها حِملا مزدوجا في التوفيق بين مسؤولياتها المهنية وواجباتها كأم وزوجة، بينما تفرض عليها المشاركة في العمل السياسي عبئا إضافيا، في ظل غياب البيئة الداعمة”.
المصدر: هسبريس