وسط انهيار النظام الصحي في العاصمة والولايات نتيجة الحرب، يشهد السودان تفاقمًا خطيرًا في انتشار الحميات خاصة (حمى الضنك) و البعوض الناقل للملاريا، ما يهدد حياة آلاف المواطنين.

كمبالا: التغيير

وحمى الضنك هي مرض فيروسي، ينتقل عبر لسعات بعوض الزاعجة المصرية وتظهر أعراضه بعد فترة تتراوح بين أربعة إلى عشرة أيام، وتشمل ارتفاع الحرارة، آلام العضلات والمفاصل، صداعًا، طفحًا جلديًا، وألمًا خلف العينين. الحالات قد تتطور إلى حمى الضنك النزفية أو متلازمة صدمة الضنك، والتي قد تكون مميتة بسبب النزيف الحاد وانخفاض ضغط الدم وتلف الأعضاء.

أصوات المواطنين

يعكس سكان الخرطوم الوضع الكارثي الذي يعيشه المواطنون جراء تفشي حمى الضنك، حيث أصبح البعوض جزءًا من حياتهم اليومية وتهديدًا دائمًا لصحتهم. في الكلاكلة، أكد بعض السكان لـ(التغيير) أنهم لم يشهدوا أي تدخل فعلي من السلطات المحلية، رغم وعود الحكومة بوصول طائرات الرش خلال أيام قليلة للقضاء على البعوض.

أما في شرق النيل، فواجه المواطنين صعوبات مضاعفة بسبب توقف خدمات المحليات وانقطاع الكهرباء، مما دفعهم إلى تكاتف الجهود بمبادرات تطوعية لرش الأحياء وتجفيف البرك المتراكمة للحد من انتشار البعوض، في وقت أكد بعضهم رصد سلالة جديدة من البعوض الناقل للملاريا، التي تنشط ليلًا ونهارًا، حسب وصفهم.

وفي الحلفايا، أدى نقص الأدوية إلى لجوء المواطنين إلى وصفات شعبية تعتمد على منتجات محلية مثل العرديب وعود النيم والقنقليز، إضافة إلى استخدام قشور البرتقال والقرع المسلوق، في محاولة للتخفيف من أعراض المرض، وسط غياب كامل للخدمات الطبية.

الرش الضبابي ضرورة عاجلة

من جانبه أكد الخبير البيئي والمستشار الصيدلي، طه الطاهر بدوي، عضو ورئيس مجلس الخبراء في مجلس البيئة بالبحر الأحمر، أن قضية صحة البيئة مسؤولية أساسية تقع على عاتق المحليات، إذ ينص القانون على أن مديري صحة البيئة هم المسؤولون عن متابعة هذه الملفات.

وأوضح في حديثه مع (التغيير) أن العاصمة الخرطوم تشهد انتشارًا متسارعًا للأمراض المنقولة عبر المياه، مثل حمى الضنك، التي كانت محصورة سابقًا في المناطق الساحلية، لكنها انتقلت الآن إلى معظم ولايات السودان. وأشار إلى أن الفيروس ينتقل عبر لسعات البعوض ويصيب الإنسان بحمى متتالية، ما يتطلب رعاية صحية ومتابعة دقيقة من قبل الخدمات الصحية.

خبير بيئي: النظام الصحي في الخرطوم بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل، خاصة بعد أن تسبب النزاع في انهياره الكامل

وأشار الخبير البيئي الى أن النظام الصحي في الخرطوم بحاجة ماسة إلى إعادة تأهيل، خاصة بعد أن تسبب النزاع في انهياره الكامل، ما انعكس على متابعة صحة البيئة اليومية. لكنه شدد على أن الجهد الشعبي لا يزال ممكنًا من خلال تجفيف البرك، ربط فتحات المراحيض، متابعة أماكن توالد البعوض، واستخدام الرش الضبابي للقضاء على البعوض الطائر، وهي مهام تتطلب آليات مثل العربات والطلمبات، وتظل مسؤولية وزارة الصحة الاتحادية من خلال المتابعة اليومية.

وأضاف بدوي أن هناك حاجة ملحة لرصد حالات حمى الضنك بشكل منتظم لضمان تدخل عاجل عند ظهور أي حالة، مؤكدًا أهمية تضافر جهود المجتمع المحلي مع الدعم الدولي، لا سيما من منظمة الصحة العالمية، لتوفير المعينات والمستلزمات للمراكز الصحية والمستشفيات، وتعزيز الوقاية والصحة البيئية لضمان أن تكون العودة إلى المناطق السكنية خالية من الأمراض.

حملة استجابة

استجابة للوضع الطارئ، أطلقت وزارة الصحة الاتحادية حملة كبرى لمكافحة نواقل الأمراض في ولاية الخرطوم تستمر ثلاثة أشهر، بعد توقف المكافحة الروتينية بسبب الحرب. وقال مدير إدارة مكافحة نواقل الأمراض، حمزة سامي الجاك، في تصريح لـ(التغيير) إن فقدان جميع آليات الرش والماكينات والمبيدات أدى إلى تفاقم الوضع، مضيفًا أن عدد الحالات التراكمي وصل حتى الآن إلى 700 إصابة، مع توقع أن يكون العدد الفعلي أعلى بكثير.

إدارة مكافحة نواقل الأمراض بوزارة الصحة: عدد الإصابات التراكمي بحمى الضنك يصل إلى 700 حالة والنشاط الوبائي أعلى من المتوقع

وأشار إلى أن التقصي الحشري لبعوض (الأيديس) الناقل أظهر كثافة إيجابية عالية في المنازل وأوعية حفظ المياه بلغت 91%، وهو معدل مرتفع جداً مقارنة بالكثافة الطبيعية التي لا تتجاوز نصف وحدة، فيما سجلت أعلى تركيزات للبعوض في الأزيار والبراميل، ما يعكس استمرار توفر بيئة مناسبة لتوالد البعوض وزيادة احتمالات تفشي المرض بين السكان.

وأضاف الجاك أن هذه البيانات تؤكد الحاجة الملحة لتكثيف جهود المكافحة والرصد والوقاية، مع ضرورة مشاركة المواطنين في تنظيف الأحياء ومتابعة المياه الراكدة لتقليل فرص انتشار المرض. واكد إن الحرب أدت إلى فقدان كل معينات المكافحة من آليات رش وماكينات ومبيدات ووسائل حركة، مما انعكس مباشرة على الوضع الصحي بانتشار البعوض وتزايد الإصابات.

وأوضح الجاك أن الخرطوم لم تكن تعرف حمى الضنك قبل الحرب، إذ ظهرت أولى الحالات قبل اندلاعها بشهر في بعض أحياء أمبدة، وتمت السيطرة عليها آنذاك عبر حملات رش وتفتيش منزلي. غير أن الأوضاع تغيّرت بعد الحرب ومع عودة المواطنين إلى مناطقهم، حيث تزايدت معدلات الإصابة بصورة لافتة.

وقال الجاك: وزارة الصحة الاتحادية، بدعم من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي الاتحادية، سارعت بتوفير الإمدادات العاجلة من المبيدات والآليات، بجانب وضع خطة استجابة طارئة مدتها ثلاثة أشهر تستهدف جميع محاور مكافحة البعوض. وتشمل الخطة معالجة الأطوار اليرقية داخل وخارج المنازل، والرش بالماكينات المحمولة على العربات، واستخدام الماكينات الضبابية والرزازية لرش الغرف الداخلية، إضافة إلى تنفيذ حملات رش جوي بالتنسيق مع منظومة “صافات” الدفاعية خلال الأسبوع الجاري.

نقص الأدوية يدفع المواطنين للجوء إلى وصفات شعبية مثل العرديب وعود النيم والقنقليز وقشور البرتقال والقرع المسلوق

وبيّن أن من أبرز التحديات التي تواجه المكافحة، تكاثر بعوض الزاعجة المصرية داخل المنازل المغلقة، فضلاً عن العربات المهجورة في الشوارع، وإطارات السيارات التالفة، والمصارف، ومواقع غسيل العربات، والبدرومات التي تحولت إلى بؤر لتوالد البعوض. وأكد أن الحملة ستستخدم حبوب قتل اليرقات الفعالة لشهرين في أماكن تخزين المياه والصهاريج والبدرومات، بهدف تقليل كثافة البعوض.

ودعا مدير مكافحة نواقل الأمراض المواطنين إلى الانخراط في الحملة عبر القيام بمبادرات شعبية داخل الأحياء، وتنفيذ عمليات نظافة وتوعية، وتغطية أواني المياه أو تغييرها بشكل دوري كل يومين. لافتا الى ان القضاء على حمى الضنك والسيطرة عليها لن يتحقق إلا بمشاركة المجتمع جنباً إلى جنب مع الجهود الرسمية.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.