تواترت في الفترة الأخيرة عدد من التقارير الإعلامية العسكرية التي تتحدث عن توجه القوات المسلحة الملكية نحو تحديث أسطولها الجوي عبر شراء طائرات مقاتلة متطورة، من ضمنها طائرات “إف35″ الأمريكية و”رافال” الفرنسية، من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، ومواكبة التطورات العسكرية التي يشهدها شمال إفريقيا، وسط منافسة إقليمية واضحة وتحديات تفرض نفسها على الواقع الأمني للمنطقة.

في هذا الصدد يؤكد مهتمون أن حسم المغرب اختياراته العسكرية على هذا المستوى يستند إلى مجموعة من المعايير والعوامل الأساسية، أبرزها تكلفة هذه الصفقات المحتملة والقدرات القتالية للقطع العسكرية، إلى جانب استعداد الدولة الموردة لنقل التكنولوجيا وإشراك المملكة في عمليات التصنيع، إلى جانب اعتبارات أخرى ذات طابع سياسي بالدرجة الأولى، مسجلين في الوقت ذاته أن الرباط حريصة على الموازنة بين تحالفاتها الدولية وبين الحفاظ على استقلالية قرارها العسكري، بما يدعم تعزيز موقع المملكة كلاعب مؤثر على الساحتين الإقليمية والدولية.

معايير وخيارات

عبد الرحمان مكاوي، خبير في الشؤون العسكرية، قال إن “اتخاذ قرار شراء طائرات مقاتلة من أي مورد أو شريك عسكري للمغرب يخضع للعديد من المعايير، أبرزها التكلفة، فأسعار الطائرات تختلف حسب جيلها وقدراتها التقنية والعملياتية وتحديثها؛ فمثلاً طائرات حديثة من الجيلين الرابع أو الخامس يمكن أن تصل تكلفتها إلى عشرات الملايين من الدولارات، مع مصاريف إضافية لتدريب الطيارين وأعمال الصيانة وغيرها”.

وأضاف مكاوي في تصريح لهسبريس أن “هناك معيارًا آخر يتعلق بالشروط التفاوضية للصفقة، حيث تحرص كل دولة على أن تشمل ضمانات الصيانة طويلة الأمد، دون أن ننسى أيضًا مرونة الدفع وتمويل الصفقة، مع شروط أخرى تفرضها الدول التي تبيع المقاتلات، من ضمنها الالتزام بعدم استخدام الطائرات ضد حلفاء محددين أو خارج المجال الوطني”.

وتابع الخبير العسكري ذاته بأن “المغرب لديه العديد من الخيارات، أبرزها طائرات إف35 الشبحية الأمريكية”، مردفا: “رغم تكلفتها العالية إلا أن كون الرباط شريكًا لواشنطن وسقوط الفيتو الإسرائيلي الذي كان يمنع بيع هذا النوع من المقاتلات المتطورة لدول عربية يمكن أن يسرع إنجاز هذه الصفقة. كما أن هناك أيضًا حديثا عن صفقة لاقتناء طائرات رافال الفرنسية، رغم أن هذه الأخيرة لم تعد مغرية، خاصة بعد الهزيمة التي منيت بها في الحرب الهنديةالباكستانية الأخيرة”.

وأكد المتحدث ذاته أن “المغرب أصبحت له السيادة الكاملة في اقتناء الأسلحة النوعية، المقاتلات والطائرات المسيرة، وهو أيضًا يفرض شروطه في مثل هذه الصفقات، على غرار شرط تصنيع بعض الأجزاء داخل المملكة في إطار سياسة توطين الصناعة الدفاعية؛ وبالتالي فإن جميع الخيارات مطروحة في حال فشل صفقتي إف35 ورافال، إذ يمكن التوجه نحو الصين أو حتى روسيا”، مبرزًا أن “الهندسة العسكرية المغربية تطورت كثيرًا باعتراف عدد من مراكز الدراسات العسكرية الأمريكية، وعليه يمكن أيضًا العمل على تحديث بعض النسخ من الطائرات الموجودة في حوزة الجيش المغربي”.

شركاء وطموحات

من جهته أوضح هشام معتضد، باحث في الشؤون الإستراتيجية، أن “تضارب الأنباء بين احتمال اقتناء المغرب مقاتلات أمريكية، أو فرنسية، أو حتى برازيلية، يعكس أن الرباط تفكر ضمن معادلة معقدة لا تقتصر على البعد العسكري التقني، بل تمتد إلى الدائرة الدبلوماسية والجيوإستراتيجية”، مضيفًا أن “أول عامل محدد هو البنية الإستراتيجية للمغرب كحليف رئيسي من خارج الناتو وشريك متقدم للولايات المتحدة في المنطقة؛ فالحصول على F35 مثلاً ليس مجرد صفقة عسكرية، بل تعبير عن مستوى استثنائي من الثقة السياسية والأمنية بين واشنطن والرباط”.

وتابع معتضد بأن “فرنسا هي الأخرى تظل شريكًا تقليديًا وحليفًا عسكريًا تاريخيًا للمغرب”، وزاد: “خيار Rafale يضمن للرباط ولوجًا إلى منظومة قتالية أثبتت فعاليتها في مسارح عمليات متعددة، كما يمنح المغرب مرونة سياسية مع الاتحاد الأوروبي، خاصة في سياق التوازنات مع الجزائر؛ لكنه في المقابل قد يُقرأ كإعادة تدوير لتحالفات قديمة بدل الانفتاح على تقنيات جديدة، وهو ما قد يحدّ من طموح المملكة في الانتقال إلى مستوى أعلى من الردع الجوي”.

وسجل المصرح لهسبريس أنه “لا يمكن إغفال البعد الإقليمي أيضًا، فالمغرب يراقب عن كثب سباق التسلح في المنطقة، خاصة التطورات العسكرية الجزائرية المدعومة من روسيا والصين، وأي قرار مغربي في مجال الطيران الحربي ليس منعزلًا عن هذا السياق، بل يهدف إلى ضمان تفوق نوعي أو على الأقل توازن إستراتيجي في مواجهة جار تعتبره الرباط منافسًا جيوسياسيًا مباشرًا”.

وشدد الباحث ذاته على أن “المحدد الصناعي والتكنولوجي يشكل هو الآخر عنصرًا متزايد الأهمية، إذ إن المغرب يسعى إلى بناء قاعدة صناعية دفاعية محلية والانخراط في سلاسل إنتاج وصيانة الطائرات؛ لذلك فإن خيار الشريك لن يتحدد فقط بقدرة السلاح على القتال، بل بمدى استعداد الدولة الموردة لنقل التكنولوجيا وفتح مجال للتصنيع المشترك، وهنا قد تجد الرباط مرونة أكبر مع البرازيل أو حتى فرنسا، مقارنة بالولايات المتحدة”.

وخلص المتحدث إلى أن “المغرب يسعى إلى معادلة طموحاته الإستراتيجية وقدرته على تحمل تكاليف طويلة الأمد؛ وفي هذا السياق يبقى خيار الطائرات البرازيلية أقل تكلفة وأكثر واقعية إذا كان الهدف تعزيز القدرات بسرعة من دون إرهاق الميزانية”، مبرزًا أن “العامل السياسي والدبلوماسي يبقى هو الآخر الغطاء الذي يحدد الاتجاه النهائي، فصفقات السلاح ليست مجرد عمليات تجارية أو تقنية، بل أوراق في لعبة النفوذ الدولي، والرباط ستختار ما يعزز مكانتها كشريك موثوق غربًا، وفي الوقت نفسه كقوة صاعدة في إفريقيا”.

المصدر: هسبريس

شاركها.