أمد/ حينَ تَشتعلُ الذاكرةُ بالحنين…
وتُطلُّ الأمكنةُ من نوافذِ الغياب،
تصيرُ الروحُ مرآةً للزمن،
تُعيدُ إلينا مَن رحلوا
كما لو أنَّ خطواتِهم
ما زالت تُصافحُ الطرقات…
***
ذكرياتٌ مؤلمة…
الأماكنُ تُوجِعُني،
المنازلُ صارتْ هياكلَ من صمت،
تَشهَدُ على مَن مَرُّوا يوماً…
كأنهم نُجومٌ أطفأها الغياب…
***
جُدرانٌ ما زالت تحتفظُ بالسرِّ،
بصدى ضحكةٍ انطفأت،
وبرائحةِ خُبزٍ كان يملأُ الفجرَ دفئاً،
وكؤوسِ قهوةٍ لم تكتمل…
كأنَّ الأرواحَ علّقت فيها…
شظايا حضورٍ لا يموت…
***
إنها البيوتُ التي حملتْ أعمارَنا،
وعاشتْ حكاياتِ أجيالٍ …
تداولتْ فيها الفرحَ والحزن،
ورسمت على جُدرانها …
ملامحَ طفولةٍ …
ومَواعيدَ شباب،
ثمَّ تُركتْ عاريةً للريح،
تقرأها العيونُ …
كما تُقرأ الكتبُ القديمة …
***
الذكرياتُ مؤلمةٌ…
لكنها تُغذّي فينا الحنين،
وتَسكبُ في القلبِ نارَ الشوق،
إلى ماضٍ يُشبهُ الأسطورة،
إلى أحبابٍ غابوا كالمطر،
لكنَّ أسماءَهم ما زالت …
منقوشةً على حجارةِ الأزقّة،
وعلى أبوابٍ تَئنُّ كلَّ مساء …
***
نحنُ أبناءُ هذه الأمكنة،
نحملُها في دمِنا،
نستمدُّ منها صمودَنا،
وكلما أطبَقَ الليلُ …
تذكّرنا أنَّ البيوتَ …
لا تموتُ بمن غادرها،
بل تبقى شاهدةً،
تحفظُ ذاكرةَ الأرض،
وتسقي الأجيالَ اللاحقة …
بالمعنى، وبالحنين،
وبالوعدِ الذي لا يزول …
***
هكذا تبقى البيوتُ كتاباً مفتوحاً،
يُقَلِّبُ صفحاته الأبناء،
ويزرعُ الأحفادُ زيتونَهم …
في طينِها المبارك،
ليظلَّ النهرُ شاهداً على المضي،
والشجرةُ شاهدةً على الجذور،
والأرضُ شاهدةً على الوعد،
كي يعرفَ القادمون أنَّ التراثَ لا يموت،
وأنَّ الحياةَ وإن تبدّلت،
تظلُّ تُولَدُ من جديد،
جيلاً بعد جيل،
كالفجرِ حينَ يُزهِرُ كلَّ صباح …