حسن عبد الرضي الشيخ
كتاب أصدره الأستاذ محمود محمد طه في ستينات القرن الماضي، وهو ليس مجرد ردٍّ على دكتور حسن الترابي زعيم جبهة الميثاق الإسلامي آنذاك، بل هو كشف مبكّر وبصير لجوهر فكر جماعة الإخوان المسلمين في السودان.
الكتاب فضح منذ بداياته استغلال الدين لتحقيق المصالح السياسية الضيّقة، وأبان كيف أن خطاب الإسلاميين يقوم على التغليف الديني للباطل السياسي، وعلى تزييف الوعي بالشعارات بدلًا عن خدمة القضايا الحقيقية في الحرية والعدالة.
أظهر الأستاذ محمود أن فكر جبهة الميثاق قائم على النقل الأعمى والجمود، بعيدًا عن تجديد الدين وإحياء قيمه الإنسانية. وبيّن أن جعل الدين مطية للوصول إلى السلطة هو أخطر ما يمكن أن يهدد وحدة المجتمع. وكشف التناقض الأخلاقي برصد تناقضات أقوال الإسلاميين مع أفعالهم، وكيف أن خطابهم لا يترجم إلى سلوك راشد يخدم الناس. طرح الكتاب في مقابل ذلك فكرة الحرية الفردية المطلقة والعدالة الاجتماعية الشاملة كجوهر للإسلام، ودعا الى ضرورة الانتقال إلى أفق أرحب من التفكير الديني.
ما تنبأ به الأستاذ محمود في كتابه تحقّق بأبشع الصور في تاريخ السودان الحديث. فقد رأينا الإخوان المسلمين في ثوب الإنقاذ يرتكبون فظائع يندى لها الجبين. حيث تم قتل وتشريد الملايين في دارفور وجنوب السودان وجبال النوبة والنيل الأزرق. كما تم إفقار الشعب ونهب موارده. وتدمير الخدمة المدنية والعسكرية والتعليمية والصحية. وتفتيت النسيج الاجتماعي وإشعال الحروب باسم الدين.
لقد كشف الزمن أن مشروع “الاخوان المسلمين!!!” لم يكن سوى سطو على الدولة باسم الإسلام، حيث شوّهوا الدين وأذلّوا الإنسان.
إن التباطؤ في استيعاب ما قدّمه الأستاذ محمود جعل الشعب السوداني يدفع ثمنًا باهظًا. ليتهم لو استمع لتحذيرات الاستاذ المبكرة، لربما تجنّب السودان عقودًا من الدم والخراب. إن عدم الانتباه إلى صوت الأستاذ محمود هو ما مكّن جماعة الإخوان المسلمين من التغلغل والتمكين.نحتاج، اليوم، لإعادة قراءة كتاب “زعيم جبهة الميثاق في الميزان”، لأنه يكشف الجذور الفكرية لما نعانيه الآن. ولأنه يمدّنا بـ بوصلة فكرية لفهم طبيعة الإسلاميين بعيدًا عن التضليل. كما أنه يقدّم لنا رؤية بديلة تقوم على الحرية والعدالة، لا على القهر والشمولية. ولأنه يفتح الباب أمام مستقبل زاهر، حيث نستطيع أن نبني وطنًا يسع الجميع، محرّرًا من الاستغلال باسم الدين.
إن إعادة قراءة كتاب “زعيم جبهة الميثاق في الميزان” ليست مجرد عودة إلى الماضي، بل هي خطوة ضرورية لاستشراف المستقبل. ففكر الأستاذ محمود ليس تاريخًا مضى، بل مشروع إنقاذ فكري وأخلاقي ما يزال ينتظر أن يُستوعَب ويُترجَم إلى واقع حي.
المصدر: صحيفة الراكوبة