أمد/ تحولت مؤخرًا “قرارات الكابينت الأمني المصغر” في إسرائيل إلى أداة تنفيذية لتوجهات سياسية أحادية، تهدف إلى فرض واقع جديد على الأرض الفلسطينية بعيدًا عن أي التزام بالقانون الدولي أو المواثيق الأممية. ففي الوقت الذي يُسوَّق فيه للكابينت كإطار لإدارة الأمن القومي، أصبح منصة لشرعنة الضم والتوسع الاستيطاني، بما يعكس توجهًا واضحًا من اليمين الإسرائيلي المتطرف لتطبيق سياسة التوحش ضد الفلسطينيين.
الكابينت وشرعنة الاستيطان
تشير القرارات الأخيرة إلى توجه ممنهج لتكريس الاستيطان وفرض واقع الاحتلال بشكل دائم، عبر:
بؤر استيطانية جديدة تخالف المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) التي تحظر نقل قوة الاحتلال لسكانها إلى الأراضي المحتلة.
توسيع المستوطنات القائمة وربطها ببنية تحتية جديدة، ما يعزل التجمعات الفلسطينية ويحد من إمكانية إقامة دولة فلسطينية مستقلة.
الضم التدريجي لمناطق (ج)، في خرق واضح لقرارات مجلس الأمن، وخصوصًا القرار 2334 (2016) الذي يؤكد عدم شرعية المستوطنات ويطالب بوقف الأنشطة الاستيطانية فورًا.
سياسة التوحش للتيار اليميني المتطرف
لا تقتصر هذه السياسات على الجانب الإداري أو السياسي، بل تحمل بعدًا أيديولوجيًا توسعيًا، يتجلى في تصريحات قادة اليمين مثل سموتريتش وبن غفير التي تدعو إلى:
تهجير الفلسطينيين قسرًا تحت ذرائع “الهجرة الطوعية”.
استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين، في انتهاك للمادة (3) المشتركة في اتفاقيات جنيف التي تحظر الاعتداء على السكان المدنيين.
تشريع القتل العمد وتدمير المنازل كوسائل للسيطرة والسياسة العقابية، ما يُصنف وفق ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية (1998) كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
التحذيرات الإسرائيلية من التطرف والعزل الدولي
في مواجهة هذه السياسات، صدرت تحذيرات من داخل إسرائيل من مغبة التصعيد والتطرف، ومنها:
باراك ساري، المستشار الاستراتيجي الإسرائيلي، الذي حذر من أن “إسرائيل” تواجه عزلة دولية متزايدة، مهددةً شرعيتها العالمية بسبب الحرب على غزة والخطاب المتطرف من المسؤولين.
صحيفة “يديعوت أحرونوت”، التي نشرت مقالًا تحذر فيه من أن “الخطاب المتطرف في إسرائيل يهدد بتدمير فرص السلام ويعزل الدولة دوليًا”.
أميت فارشيزكي، الكاتب الإسرائيلي، الذي أشار إلى أن “الخطاب المتطرف في إسرائيل يهدد بتدمير فرص السلام ويعزل الدولة دوليًا”.
التمرد على القانون الدولي
توضح سياسات الكابينت أن إسرائيل تتبع نهجًا منظمًا للتمرد على الشرعية الدولية، عبر:
1. تجاهل قرارات الأمم المتحدة الملزمة، مثل القرار 242 (1967) و338 (1973).
2. رفض التعاون مع التحقيقات الدولية الجارية بشأن جرائم الحرب في فلسطين.
3. الاستفادة من ضعف المجتمع الدولي وازدواجية المعايير لتسريع مشاريع الضم دون عقاب فعلي.
التداعيات الاستراتيجية
الضم والتوسع الاستيطاني لا يهددان الفلسطينيين فحسب، بل يضع المنطقة أمام مخاطر استراتيجية واسعة، أبرزها:
إنهاء حل الدولتين وتقويض أي أفق سياسي للسلام.
تصعيد الصراع الفلسطينيالإسرائيلي إلى مواجهات مفتوحة.
إضعاف النظام الدولي إذا استمر التغاضي عن انتهاكات القانون الدولي.
الخلاصة
أصبحت قرارات الكابينت الإسرائيلي أداة لتكريس الاحتلال وفرض التوحش السياسي، بما يهدد حقوق الفلسطينيين ويمثل تحديًا مباشرًا للشرعية الدولية. ولا يمكن مواجهة هذه السياسة إلا عبر إرادة دولية حقيقية، تشمل فرض عقوبات على الاستيطان والضم، وتفعيل آليات المساءلة القانونية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني سياسيًا وقانونيًا.
في غياب هذه الإرادة، ستستمر إسرائيل في تحويل الواقع على الأرض وفق منطق القوة والهيمنة، مع تصعيد خطر الصراع وتهديد أي أفق سياسي للسلام.
الهوامش القانونية:
اتفاقية جنيف الرابعة (1949)، المادة 49: تحظر نقل السكان الأصليين أو المستوطنين إلى الأراضي المحتلة.
قرارات مجلس الأمن: 242 (1967)، 338 (1973)، 2334 (2016).
ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية (1998)، المواد 7 و8: جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية