تطرح منصات بيع إلكترونية نظارات مزودة بكاميرا وميكروفون، تمكن مستخدميها من التقاط الصور والأصوات وتسجيل مقاطع فيديو، وحفظها على هواتفهم الذكية أو فتح بث مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال ارتدائها من دون إخطار المحيطين، ما اعتبره متخصصون وقانونيون انتهاكاً للخصوصية، خاصة أنه بات من الصعب تمييزها عن النظارات العادية، وتستلزم تقنين بيعها وتداولها.

وتفصيلاً، رصدت «الإمارات اليوم» انتشار إعلانات بيع نظارات ذكية يمكنها التقاط الصور ومقاطع الفيديو والبث المباشر على تطبيقات التواصل الاجتماعي.

وتحتوي النظارة على كاميرا فائقة الاتساع بدقة عالية ومطورة ونظام تسجيل متعدد الميكروفونات، لالتقاط المشاهد والأصوات، ويمكن ربطها بالهاتف وتسجيل ما تراه، كما تتيح مكبرات الصوت المفتوحة السرية الاستمتاع بجودة صوت غنية وموسيقى ومكالمات، مع الحفاظ على اتصال المستخدم بالعالم من حوله.

ودعا مواطنون ومقيمون، هزاع البلوشي وبلال خميس ومرة ندا وميسون الزغبي ونورا خالد، إلى وضع لافتات في الأماكن العامة والمطاعم والشواطئ، ومناطق ممارسة الرياضة، للتنبيه إلى عدم السماح للرواد بارتداء النظارات المزودة بكاميرا، للحفاظ على خصوصية الآخرين، مشيرين إلى صعوبة ملاحظه التصوير بالكاميرا المدمجة بالنظارات، ما يتطلب مزيداً من الانتباه للحفاظ على الخصوصية في الأماكن التي يرتادونها.

وأوضح تقنيون أن النظارات الذكية السرية يمكن أن تخلق «اختلالاً كبيراً في العلاقات الاجتماعية»، إذ يمكنها إجراء تسجيلات سرية للمحادثات واستعمالها في إنشاء صور مزيفة بعمق للأشخاص، محذرين من أن مرتدي النظارة الذكية التي تم تطويرها لتشبه إلى حد كبير النظارات العادية، يمكنهم تسجيل محادثات الآخرين بالصوت والصورة دون علمهم.

وقال خبير تقنية المعلومات والأمن السيبراني، المهندس عبدالنور سامي: «ليس كل نظارة تصور نظارة ذكية، فهنالك نظارات مخصصة للتصوير، سواء بغرض تصوير النشاطات الرياضية أو التجسس. وبعضها تم عمل تحسينات عليها لمواكبة الاستهلاك الحالي وموجة نظارات الذكاء الاصطناعي»، مشيراً إلى أن نظارات الذكاء الاصطناعي إضافة إلى التصوير تعمل على تحليل المحتوى والاستماع إلى المحادثات لوضع مقترحات أو للترجمة، وبها ميزات أخرى كالخرائط الحية وغيرها.

وأضاف: «النظارات التي تراعي سياسات الخصوصية العالمية سواء كانت نظارة ذكاء اصطناعي أو تصوير فقط، تظهر ضوءاً خفيفاً عند التصوير لتنبيه الآخرين، أما النظارات المقلدة والرخيصة فهي لا تراعي هذه المعايير وقد لا تحتوي على المؤشر، ويمكن التعرف عليها بملاحظة شكل النظارة، إذ يكون أعرض قليلاً عند الجوانب، أو في المنتصف، مع وجود عدسة يمكن ملاحظة انعكاسها أو اختلاف لونها عن بقية النظارة».

وأكد أن «انتهاك الخصوصية موجود في الحالين، ففي حال نظارة التصوير يمكن التصوير ونشر المقاطع أو استخدامها للابتزاز بمختلف أشكاله، كما يمكن التصوير في أماكن لا يقبل الموجودون فيها التصوير، كمراكز العناية والشواطئ، بل إن كثيراً من الناس لا يقبلون التصوير حتى في مكان عام»، مشيراً إلى أنه «لحسن الحظ أننا نعيش في الإمارات، التي تملك قوانين صارمة لحماية خصوصية الأفراد حتى في الأماكن العامة».

وشدد على أن مكافحة هذه الإشكالية تستدعي وجود تشريع صارم يمنع بيعها دون مطابقة المعايير والمواصفات، وإن كانت الخشية قائمة من المواقع خارج الدولة التي لا تلتزم بهذه الاشتراطات، وهنا يأتي التحدي أمام السلطات لمنع عبور مثل هذه المنتجات.

وأشارت المحامية هدية حماد إلى أن بيع النظارات الذكية لا يعد جريمة يعاقب عليها القانون، مثلها مثل الهواتف المحمولة وغيرها من آلات التصوير الحديثة، لكن إذا تم استخدام هذه الوسيلة أياً ما كانت في انتهاك الخصوصية والتصوير فهنا تقع الجريمة التي يعاقب عليها القانون، مشيرة إلى أن «استخدام هذه النظارات يمكن أن يُعد انتهاكاً للخصوصية إذا تم استخدامها لتسجيل أو تصوير الأشخاص دون موافقتهم».

وقالت: «يُعد هذا النوع من الأفعال جريمة أفرد لها القانون عقوبات شديدة، حيث نصت المادة 44 من قانون مكافحة الشائعات على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 150 ألف درهم ولا تزيد على 500 ألف درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استخدم شبكة معلوماتية، أو نظام معلومات إلكترونياً، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، بقصد الاعتداء على خصوصية شخص أو على حرمة الحياة الخاصة أو العائلية للأفراد من غير رضا وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً».

وأضافت: «تشمل غير الأحوال المصرح بها قانوناً: استراق السمع، أو اعتراض أو تسجيل أو نقل أو بث أو إفشاء محادثات أو اتصالات أو مواد صوتية أو مرئية، أو التقاط الغير في أي مكان عام أو خاص أو إعداد صور إلكترونية أو نقلها أو كشفها أو نسخها أو الاحتفاظ بها، أو نشر أخبار أو صور إلكترونية أو صور فوتوغرافية أو مشاهد أو تعليقات أو بيانات أو معلومات ولو كانت صحيحة وحقيقية بقصد الإضرار بالشخص، أو التقاط صور المصابين أو الموتى أو ضحايا الحوادث أو الكوارث ونقلها أو نشرها بدون تصريح أو موافقة ذوي الشأن، أو تتبع أو رصد بيانات المواقع الجغرافية للغير أو إفشاءها أو نقلها أو كشفها أو نسخها أو الاحتفاظ بها»، مشيرة إلى أن العقوبة تتضاعف في الأماكن التي يمنع التصوير فيها كالأماكن الحيوية.

وحذر المحامي سالم عبيد النقبي من انتشار الإعلانات التي تروج للنظارات المزودة بكاميرات على المتاجر الإلكترونية.

وقال: «قد يبدو ذلك في ظاهره رفاهية تكنولوجية، لكنه في باطنه جرس إنذار قانوني وأخلاقي يُدقّ بعنف، خاصة أنها لا تختلف كثيراً عن نظيرتها الطبية في الشكل لكنها تحمل في عدساتها أسراراً أكبر من أن تُرى بالعين المجرّدة، إذ تلتقط الصور وتسجل مقاطع الفيديو وتبثّ مباشرة على الإنترنت».

وأضاف: «بيع النظارات الذكية المزودة بكاميرات وميكروفونات في الإمارات العربية المتحدة لا يعتبر جريمة بحد ذاته، فهي متاحة في الأسواق وتباع كأي منتج إلكتروني آخر، لكن الأمر لا يتعلق بالجهاز بل بكيفية استخدامه، وهنا تضع القوانين خطاً أحمر، حيث تجرم تصوير الأفراد أو تسجيلهم دون علمهم أو موافقتهم حتى في الأماكن العامة، كما لا يُسمح بتسجيل المحادثات أو بثها مباشرة إلا بإذن واضح من المشاركين، إضافة إلى أن نشر هذه المواد عبر الإنترنت يُعتبر انتهاكاً مزدوجاً ويدخل في نطاق الجرائم الإلكترونية»، مشيراً إلى أن العقوبة لا تقف عند المستخدم بل قد تمتدّ إلى البائع إذا ثبت أنه يروّج للجهاز كمعدّ للتجسس أو يشجع على استخدامه بطرق غير قانونية.

وأضاف النقبي: «في عالمٍ تتقدّم فيه الأدوات بوتيرة أسرع من الضوابط الأخلاقية باتت المسؤولية فردية قبل أن تكون قانونية، فالكاميرا التي تلتقط لحظة قد تسجن صاحبها سنوات، فليست كل نظرة بريئة ولا كل تسجيل تذكاراً، فقد يرى البعض في هذه التكنولوجيا وسيلة لحفظ الذكريات لكن في غفلة قد تتحول إلى أداة لفضح الأسرار أو تعقّب الناس وكأننا نعيش في عالم لا خصوصية فيه ولا ستر»، مشدداً على أن التكنولوجيا إما أن تكون نوراً يضيء لنا طريق المعرفة وتسهل الحياة، وإما أن تكون ظلاماً حالكاً إذا تحولت إلى وسيلة لانتهاك الخصوصية والتلصص وسرقة اللحظات التي لا يحق لأحد اقتحامها.

وأفاد المحامي سالم سعيد الحيقي، بأن أغلب هذه النظارات تحتوي على مؤشر ضوء واضح يعمل عند التصوير، والعبرة ببيعها مطابقتها للمواصفات والمقاييس المعتمدة لدى الجهات المختصة وعدم حظر تداولها في الدولة.

وأكد أن التشريعات في القانون الإماراتي تهدف إلى توفير إطار قانوني شامل لحماية المجتمع من الجرائم، بما في ذلك بيع الأجهزة غير المرخصة أو الأجهزة غير المشروعة وغير المطابقة للمواصفات والمقاييس المعتمدة، لذا لا تقع العقوبة على المستخدم فقط، ولكن قد يواجه البائع عقوبات جنائية أو مالية، أو الاثنان معاً، إذا تسببت هذه الأجهزة في أضرار للمشترين أو للمجتمع بشكل عام، كما أن القانون يحظر بيع أي سلع غير مرخصة أو غير مطابقة للمواصفات، وقد تصل العقوبة الى السجن والغرامة، إضافة إلي مصادرة الأجهزة وغلق المنشأة.


جاسوس متحرك

رصدت «الإمارات اليوم» إعلاناً باللغة العربية على أحد مواقع البيع الإلكتروني التي تشحن سلعاً إلى الإمارات، وصف النظارة بأنها «جاسوس» متحرك، مزودة بكاميرا واي فاي، تسجل فيديوهات عالية الدقة + بث فيديو مباشر على نظامي الأندرويد وiOS، وتمتاز بتمويه كاميرا مثالي، حيث تتمتع النظارات الواقية الأنيقة باستخدام عملي لتسجيل المناطق المحيطة دون أن يلاحظها أحد، كما أن وزنها 40 غراماً فقط لتكون مريحة للاستخدام اليومي.

وفي الوقت نفسه، لا يتعين على المستخدم الضغط على أي أزرار لأنها تستجيب فقط للمس، وتسجل ما تراه بينما تكون يداه حرتين.

كما تضمنت الميزات الأخرى بحسب الإعلان، النقل المباشر عبر اتصال الواي فاي مباشرة إلى الهاتف المحمول عبر تطبيق متاح مجاناً لنظامي Android وiOS، لعرض الصور الملتقطة وتشغيل مقاطع الفيديو المسجلة.

وتدعم النظارات إنشاء شبكة واي فاي خاصة بالمستخدم بمدى يصل إلى نحو 30 متراً، ما يتيح مشاهدة تسجيل مباشر للأصدقاء القريبين.

• 500 ألف درهم عقوبة الاعتداء على خصوصية الآخرين في الأماكن العامة.

المحامية هدية حماد:

• بيع النظارات الذكية ليس جريمة في حد ذاته، لكن استخدامها في التصوير والتسجيل يمكن أن يُعد انتهاكاً للخصوصية.

المصدر: الإمارات اليوم

شاركها.