قال حقوقيون بمدينة مراكش إن استمرار عمليات مداهمة مقاهي الشيشة “تحرك إيجابي”؛ لكونه “يتم وفق حملات منظمة تنفذها السلطات الأمنية”، معتبرين في الوقت نفسه أن “هذه المقاربة الأمنية في حد ذاتها غير كافية؛ لكون المنطق الذي تتوجه به لمقاهي منطقة بعينها مازال يطرح جملة من الأسئلة، بما أن مقاهي أخرى تقدم هذا المخدر مازالت تشتغل بأريحية كبيرة في مدينة النخيل”.
هؤلاء الحقوقيون شددوا على “ضرورة تكثيف هذه الحملات لتشمل مراقبة مدى حضور القاصرين والفارين من العدالة داخل هذه الفضاءات، وكذا تتبع الأنشطة المشبوهة التي قد تكون مرتبطة بها، مثل ترويج المخدرات الصلبة وبيع الجنس وغيرها من الظواهر التي تشكل تهديدا حقيقيا للأمن العام والنسيج المجتمعي”، مبرزين أن “التصدي لمثل هذه السلوكيات المخالفة يتطلب مقاربة شمولية”.
“أسئلة ضرورية”
عمر أربيب، رئيس الفرع المحلي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالمنارة مراكش، قال إن “الحملات الأمنية التي تم إطلاقها بشكل مؤقت أسفرت بالفعل عن نتائج أولية إيجابية، تمثلت في مداهمة عدد من المقاهي التي تقدم الشيشة في ظروف غير قانونية”، موردا أن “هذه الحملات ظلت محدودة النطاق ولم تشمل كافة المناطق الحيوية التي تعرف انتشارا واسعا لهذا النوع من الفضاءات، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة حول الانتقائية والمعايير المعتمدة في التدخل”.
وأضاف أربيب في تصريحه لهسبريس أن “الظاهرة لم تعد تقتصر فقط على المقاهي داخل النسيج الحضري للمدينة، بل امتدت لتشمل فضاءات تقع خارج المدار الحضري، من بينها فيلات مشبوهة تحولت إلى بؤر لأنشطة غير قانونية، لا تقتصر على استهلاك الشيشة أو المخدرات التقليدية، بل تشمل أيضا ترويج واستهلاك المخدرات الصلبة، في غياب شبه تام للمراقبة والمساءلة، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للأمن العام”.
وتابع قائلا: “من الضروري أن توضح السلطات المختصة، وعلى رأسها السلطات المحلية والأمنية، ما إذا كانت هذه الفضاءات تتوفر على تراخيص قانونية، خاصة في ظل تصريح سابق لوزير الداخلية أكد أن تقديم الشيشة في كثير من المقاهي ليس نشاطا مرخصا له”، مشددا على أن “الغموض القانوني يفتح الباب أمام تلاعبات خطيرة، ويجعل من الصعب محاسبة المخالفين، كما يضعف ثقة المواطن في فعالية المؤسسات الرقابية”.
كما تساءل الفاعل الحقوقي عينه: “هل هناك مراقبة دورية وصارمة لهذه الفضاءات لرصد ما إذا كانت تسمح بولوج القاصرين أو تشكل ملاذا للمبحوث عنهم أو لبائعي المخدرات؟”، داعيا جمعيات مهنيي السياحة إلى “تحمل مسؤوليتها في مواجهة هذه الممارسات التي تسيء للقطاع، والوقوف في وجه اللوبيات التي تصر على إبقاء هذه الفضاءات قائمة رغم علمها المسبق بطبيعة الأنشطة غير القانونية التي تحتضنها”.
“دفاتر تحملات”
الحقوقي والفاعل المدني محمد الهروالي قال بدوره إن “المقاربة الأمنية المعتمدة في محاصرة مقاهي الشيشة التي باتت تنتشر بشكل لافت في عدد من أحياء مراكش، لا يمكن أن تعتبر حلا كافيا أو فعالا لوحدها”، مضيفا أن “هذه المقاربة، وإن كانت ضرورية في بعض الحالات، تظل محدودة الأثر في غياب رؤية شمولية تتعامل مع الظاهرة من جذورها، بدل الاكتفاء بحملات موسمية لا تلبث أن تخفت لتعود الأمور إلى سابق عهدها”.
وأوضح الهروالي أن “غض الطرف عن انتشار هذه المقاهي، بدعوى أنها تستقطب نوعا معينا من السياح، يطرح أكثر من علامة استفهام، ويعكس غياب إرادة حقيقية في تنظيم القطاع”، مشددا على أن “الضرورة أصبحت ملحّة لصياغة دفتر تحملات واضح يحدد شروط عمل هذه الفضاءات، ويخضعها لرقابة فعالة، ويُحمّل أصحابها مسؤوليات واضحة، عوض ترك الأمور على هذه الصيغة، في مناخ من الفوضى والتواطؤ الصامت”.
وأشار المتحدث ذاته إلى “خطورة هذه المقاهي من حيث فتحها الأبواب أمام القاصرين، وتحوّل بعضها إلى فضاءات تؤوي أشخاصا فارّين من العدالة أو ضالعين في أنشطة غير مشروعة، مما يحوّلها من مجرد فضاءات للترفيه إلى بؤر حقيقية للمشاكل الأمنية والاجتماعية”، موردا أن “استمرار هذا الوضع يضعف الثقة في مؤسسات الرقابة ويغذي الإحساس بالإفلات من العقاب”.
وختم الهروالي تصريحه لهسبريس بالتأكيد على أن “الموضوع لا يرتبط فقط بالجوانب الأمنية، بل يتجاوزها إلى ما هو صحي وسياحي واقتصادي، مما يستوجب حلا شاملا ومقاربة متعددة الأبعاد، تنطلق من احترام القانون وحماية الصحة العامة، وتعزز صورة المدينة كمقصد سياحي يحترم معايير الجودة والأمن والكرامة وحماية الطفولة وحقوق الإنسان بشكل عام”.
المصدر: هسبريس