الكرامة الحقيقية هي حماية الأطفال وبناء السلام

صفاء الزين

تجنيد الأطفال في الحروب ليس مجرد انتهاك عابر لحقوقهم بل هو جريمة كاملة في حق الإنسانية فالطفل يُنتزع من حضن أسرته ليواجه البنادق والقذائف ويُحرم من التعليم واللعب والأمان وفي السودان بات المشهد أكثر قسوة منذ اندلاع الحرب الأخيرة حيث صار الأطفال وقوداً لصراع دموي لا يعرف الرحمة والكارثة الأكبر أن الاستنفار الذي يُرفع شعاراً للحماية تحوّل في الواقع إلى سبب مباشر لموت الكثير من الأطفال بعد أن زُج بهم في ميادين القتال.

ما يحدث اليوم لا يمكن النظر إليه كقدر محتوم بل هو نتيجة مباشرة لخيارات النظام القديم الذي يسعى عبر إشعال الحرب وإقحام الأبرياء في الصفوف الأمامية إلى إعادة نفسه إلى سدّة الحكم. وهنا يصبح الطفل ضحية مضاعفة: ضحية للفقر والتشرد والنزوح وضحية لشعارات زائفة تُرفع باسم حماية الوطن بينما حقيقتها قتل جيل كامل وعندما يتحول الاستنفار إلى وسيلة لإعادة إنتاج نفس السلطة التي أورثت البلاد الأزمات فنحن أمام مأساة أخلاقية واجتماعية تهدد حاضر السودان ومستقبله.

الأكثر إيلاماً أن الذين يحرضون على القتال ليسوا هم من يدفعون الثمن فالمسؤولون البعيدون عن الواقع الذين يملأون المنابر بالتحريض ويحثون الصغار على حمل السلاح يعيشون الآن في العواصم مرفهين بينما يُترك الأطفال في الميدان ليموتوا في حرب الكرامة المزعومة حرب لم تجلب للسودانيين سوى الذل والدمار والفقد  ولا تمت للكرامة بصلة بل جرّدت المجتمع من أعز موارده البشرية وأجياله الصاعدة.

أمهات السودان يدفعن الثمن الأكبر فكل أم ترى ابنها يُنتزع من حضنها لتسليحه أو لتدريبه على القتال، تحمل في قلبها ألماً لا يندمل. الأم التي حلمت أن ترى ابنها في مقاعد الدراسة تراه يُحمل على الأكتاف في جنازة سريعة  أو يعود إليها وقد فقد طفولته وملامحه البريئة. هذه المأساة لا تقاس بالأرقام وحدها بل بدموع الأمهات ووجعهن الصامت.

وفقاً لتقرير مشترك نشرته اليونيسيف في 2023 هناك 19 مليون طفل في السودان مهدّدون بفقدان حقهم في التعليم بسبب الحرب بما يعادل طفل من كل اثنين، من بين هؤلاء فقد 6.5 مليون طفل بالفعل الوصول إلى المدرسة نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية والارتفاع الحاد في العنف بينما ينتظر أكثر من 5.5 مليون طفل ممن يعيشون في مناطق أقل تأثراً بالحرب إعادة فتح المدارس .

الأرقام السابقة تتماشى تماما مع بيانات البنك الدولي لعام 2018م، التي تفيد بأن 34% من الأطفال في السودان لم يلتحقوا بالمدرسة الابتدائية، كما تُظهر إحصائيات عام 2023 من اليونسكو أن نحو 51% من الأطفال سنّ التعليم الأساسي في السودان هم من الأطفال خارج المدرسة.

وبينما ينتظر أكثر من 5.5 مليون طفل إعادة فتح الصفوف في مناطق أقل تأثراً وهذا الحرمان من التعليم يُعد سلباً ممنهجاً للطفولة الطبيعية وحق النمو، ويطلِق صيحة تحذير حقيقية من ضياع جيل كامل تحت وطأة الحرب وسياسات الحرمان.

أخيرا: إن أخطر ما يمكن أن نواجهه هو التعايش مع الموت وكأنه أمر طبيعي فالاستسلام لفكرة أن الحرب قدر لا مهرب منه يعني ترك الباب مفتوحاً لمزيد من المقابر ومزيد من الأجيال الضائعة ولهذا فإن الواجب العاجل والضروري هو إيقاف الحرب فوراً  والعودة إلى الحياة المدنية ونشر السلام والاستقرار والنماء في بلدنا بدل قتل مواردنا البشرية. فالحياة لا تُبنى بالدمار وإنما بالعدل والتعليم والحرية. وإنقاذ الأطفال من ساحات الموت هو الخطوة الأولى نحو استعادة السودان الذي نحلم به وطناً آمناً لكل أبنائه.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.