إنجاز علمي قوي سيكون له ما بعده قادته كفاءات طبية مغربية بمؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة، بنجاحها غير المسبوق في إعادة برمجة خلايا الدم المحيطية أحادية النواة (PBMCs) إلى خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرات (المشتهرة علميا باسم iPS).

وتعد هذه الخطوة تقدما استراتيجيا على طريق “إعادة البرمجة والتمايز الخلوي” لخدمة البحث البيوطبي، والطب الشخصي، والعلاجات المبتكرة لعدد من الأمراض الأكثر شيوعا في المغرب، حسب ما أوضحه البروفيسور صابر بوطيب، مدير مركز محمد السادس للبحث والابتكار التابع للمؤسسة.

وقال البروفيسور بوطيب ضمن إفادات مفصلة لجريدة هسبريس الإلكترونية: “إننا نستشرف بهذا الإنجاز مرحلة ثانية أكثر أهمية موجهة نحو إحداث منصة وطنية متخصصة في إعادة برمجة الخلايا، بحيث يمكن للخلايا المنتَجة أن تُستَعمل لاحقًا في الدراسات السريرية داخل المغرب”، كاشفا عن “إمكانية المساهمة في إيجاد حلول علاجية للأمراض الشائعة على الصعيد الوطني، ومنها السكري مثلا”.

وأضاف شارحا أن “تقنيات إعادة برمجة الخلايا العادية إلى خلايا جذعية متعددة القدرات تكون مشابهة لتلك الموجودة لدى الجنين، ويمكن استخدامها لإنتاج خلايا لأعضاء وأنسجة بشرية مختلفة”، موضحا: “في المرحلة الأولى من هذا المشروع، ركّز برنامجنا على تطوير بروتوكول مغربي خالص، بكفاءات وطنية، يتيح لنا التحكم في تقنية إعادة برمجة الخلايا. وقد شمل هذا الجانب تجهيزات متخصصة، إلى جانب التكوين العلمي والعملي، وصولًا إلى إرساء بروتوكول متكامل يضمن التحكم في العملية”.

وأضاف أن “هذه التقنية تعتبر جديدة وحديثة جدا في العالم في إطار تطور البحث العلمي وتجارب الدراسات السريرية (essais cliniques)؛ إذ تُستخدم في الأبحاث السريرية لعلاج الأمراض”.

وسجل أن “أهمية هذا الإنجاز العلمي لأول مرة في المغرب تكمن في كون الخلايا الجذعية تعدّ حلاً واعدًا لأمراض مثل الزهايمر والسكري”، مبرزا أن “الهدف في الحالة المغربية هو تطوير علاجات شخصية تعتمد على خلايا المريض وحالته المشخَّصة”.

“هناك أدوية جديدة تعتمد على التكنولوجيا الحيوية تتطلب تجارب دقيقة، ويمكن استخدام الخلايا المصنعة لمحاكاة الحالات المرضية واختبار الأدوية”، يورد مدير مركز محمد السادس للبحث والابتكار، مضيفا: “ثمّة أيضا إمكانية لتعديل الجينات لتصحيح الأخطاء المسبّبة للأمراض، ونعمل ضمن هذا المشروع البحثي الطبي على تطوير بروتوكول مغربي للتحكم في تقنية إعادة برمجة الخلايا وإنشاء منصة وطنية لذلك”.

وفصّل البروفيسور بوطيب قائلا: “ما نقوم به يقوم على استعمال خلايا دموية تعتبر جزءًا من منظومة الدفاع المناعي للجسم، ثم تحويلها إلى خلايا جذعية متعددة القدرات. هذه الخلايا، بعد إعادة برمجتها، تصبح شبيهة بالخلايا الجنينية القادرة على التمايز إلى أنواع مختلفة من الخلايا المتخصصة، مثل خلايا القلب أو الكبد أو الجهاز التنفسي أو الدماغ”.

من الناحية الطبية والبحثية، يتابع البروفيسور ذاته، “وجب التأكيد أننا بصدد مجال علمي حديث جدا عالميا، يمثل إحدى أكثر التقنيات تطورًا في الدراسات السريرية. وفي المغرب، بات لدينا اليوم المكونات الأساسية للانتقال إلى المرحلة الثانية، التي تتمثل في تطوير بروتوكولات سريرية موجهة نحو أمراض تتطلب حلولا ملحّة”.

واسترسل البروفيسور بوطيب في شروحه لهسبريس: “في مرض ألزهايمر تفقد الخلايا العصبية قدرتها على أداء وظيفتها المرتبطة بالذاكرة. وفي مرض السكري، تعجز خلايا البنكرياس عن القيام بدورها في إنتاج الأنسولين. مثل هذه الحالات تفتح الباب أمام ما يسمى العلاج المُشخصن، أي أخذ خلايا المريض نفسه ثم إعادتها إلى الحالة الجذعية وإعادة برمجتها لتصبح خلايا سليمة تؤدي وظائفها، ما يمنح حلولا دقيقة وفعالة، وأحيانا جذرية، تنطلق من أصل الخلل المرضي”.

إضافة إلى ذلك، شرح البروفيسور الحاصل على شهادة الدكتوراه في علم الأوبئة السريرية أن “هذه التقنيات تُسهم في تطوير أدوية جديدة، خصوصا العلاجات المناعية (Immunotherapies) وأدوية التكنولوجيا الحيوية، من خلال إتاحة إمكانية إنتاج أنسجة وخلايا قريبة جدا من الحالة المرضية المستهدفة. هذا يُمكّن الباحثين من اختبار الأدوية وقياس فعاليتها بدقة أكبر، بدلا من الاقتصار على التجارب التقليدية على الحيوان أو الإنسان، التي قد لا تعكس دائما الحالة المرضية الحقيقية”.

كما يفتح ذلك المجالَ أيضًا أمام “تقنيات العلاج الجيني”، التي تسمح بإدخال تعديلات تصحيحية على الجينات المسؤولة عن الخلل، “لتجاوز الطفرات المسببة للأمراض”، ما يرفع أهمية التوجه البحثي والطبي نحو آفاق أرحب لتطوير حلول علاجيةجينية مبتكرة وواعدة.

علميا، فإن الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات، المستخلصة من مجرد أخذ عينة بسيطة من الدم، موسومة بخاصيّتَين مميزتين؛ هما “القدرة على التمايز إلى أي نوع من خلايا الجسم”، و”القدرة على التكاثر اللامحدود”.

وبحسب المصدر نفسه، فإن هذه المزايا تجعل منها أداة ثورية لنمذجة الأمراض البشرية انطلاقا من خلايا المريض نفسه، واختبار فعالية وسلامة أدوية جديدة في ظروف قريبة من الواقع الفزيولوجي، وتطوير علاجات تجديدية لإصلاح الأنسجة الحيوية (القلب، الدماغ، الكبد، الرئتان)، وتصميم مقاربات جديدة للعلاج المناعي ضد السرطانات.

وعلى الصعيد الدولي، تخضع الخلايا الجذعية المستحثة متعددة القدرات حاليا لتجارب سريرية واعدة لعلاج أمراض تنكسية، واضطرابات في الشبكية، وبعض أمراض الدم.

وبفضل هذا الإنجاز، الخاضع حاليا لمرحلة “التحقق والتوصيف العلمي”، تستهدف مؤسسة محمد السادس للعلوم والصحة ترسيخ مكانة المغرب كفاعل رائد في مجالي التكنولوجيا الحيوية والطب التجديدي.

المصدر: هسبريس

شاركها.