تاج السر عثمان

تاج السر عثمان

١

ذكرنا سابقا أن الحركة النقابية منذ تأسيسها اكتسبت شرعيتها واستمراريتها من قواعدها’ رغم القوانين التي سنتها الأنظمة الاستعمارية والدكتاتوريات العسكرية والمدنية’ الا انه تمت هزيمتها ‘وعادت الحركة النقابية مستمدة شرعيتها من قواعدها.
وقد أكد قانون (٨٧) الذي وافقت عليه حكومة السودان ان النقابات تستمد شرعيتها من قواعدها ‘ولا يجوز للسلطة التدخل فيها. وهذا يتعارض مع قرار المسجل الأخير الذي فرض قانون نقابة المنشأة الذي تجاوزته الحركة النقابية بعد ثورة ديسمبر’ التي شرعت في تكوين نقاباتها بموجب قانون (٨٧) الذي صادقت عليه حكومة السودان’كما في نقابة الصحفيين والأطباء. الخ.
وقبل ذلك كان قد صدر القرار الأخير من مسجل عام تنظيمات بتاريخ ٢٩ يونيو ٢٠٢٥، الذي أنهى الدورة الانتخابية لجميع المكاتب التنفيذية للتنظيمات النقابية، وتحويلها إلى لجان تمهيدية بموجب شهادة تصدر عن المسجل ، فقد جاء هذا القرار بهدف مصادرة ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية السودانية،

علما كما أوضحنا سابقا ‘ بأن قرار المسجل كما لاحظ الكثيرون من النقابيين والمهتمين’ يمنح المسجل العام سلطة شبه مطلقة في إعادة تشكيل النقابات، وتوجيهها حسب رغبة السلطة . وهذا يفتح الباب أمام تغوّل الحكومة على العمل النقابي، ويجعل من هذه اللجان التمهيدية أدوات خاضعة، لا ممثلة لقواعدها. مما يتعارض مع مبدأ استقلالية وديمقراطية العمل النقابي، والاتفاقيات الدولية التي صادق عليها السودان، ومنها اتفاقية الحرية النقابية رقم (87) لمنظمة العمل الدولية.
وتم الطعن القانوني في هذا القرار الذي يصادر ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، ويكرس العودة لنقابة المنشأة، إضافة لتصعيد العمل النقابي من القواعد لانتزاع شرعية العمل النقابي من القواعد، علما بان النقابة تستمد شرعيتها من قواعدها لا من السلطة.
إضافة إلى أن الاتحادات والتقابات التابعة للسلطة مثل:الاتحادالعام لنقابات عمال السودان ‘واتحاد المهنيين’ ونقابة المحامين. الخ’ لاتمثل قواعدها
ولا تتمتع بأي شرعية قانونية أو نقابية، ولا يحق له ممارسة النشاط النقابي أو التحدث باسم العمال أو المهنيين أو المحامين’ وتمثيلهم أمام الجهات الرسمية، وذلك استنادًا إلى قانون النقابات والاتفاقية الدولية رقم 87 الخاصة بالحرية النقابية، ما يجعلها كيانات باطلة من الناحية القانونية.

٢

هذا اضافة لتجربة الحركة النقابية التي كانت عميقة في انتزاع ديمقراطية واستقلالية وحرية العمل النقابي، وحق الإضراب ،وكانت سابقة للمواثيق الدولية حول العمل النقابي التي جاءت لتعزز تجربة الحركة النقابية السودانية مثل: الاتفاقية رقم (87) لسنة 1948 ، والاتفاقية رقم (98) لسنة 1949 ، الاتفاقية العربية رقم (8) لعام 1977 بشأن الحريات النقابية، والاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي أجازتها الأمم المتحدة في ديسمبر 1966 ، أكدت هذه الوثائق علي الحريات النقابية وعدم تدخل الدولة فيها وحق التنظيم والحماية وتكوين النقابات والاتحادات ، والمفاوضات الجماعية، والحريات والحقوق النقابية ،وحق الإضراب.الخ.
ونتيجة لتراكم تجربة الحركة النقابية في معارك انتزاع النقابات والاستقلال، تم التوصل لتحديد مفهوم النقابة كالأتي:
* النقابة جبهة واسعة تدافع عن مصالح العاملين غض النظر عن منطلقاتهم الفكرية أو السياسية أو الدينية.
* ليست منبرا حزبيا أو لأي حزب آخر .
* تتخذ قراراتها بأغلبية عضويتها.
* ضرورة اقتناع أغلبية العاملين بقرار النقابة.
* ممارسة الديمقراطية داخل النقابة باصدار النشرات وعقد الجمعيات العمومية والليالي العمالية والمؤتمرات ومجالس الإدارات .

٣

كما أشرنا سابقا’ ياتي قرار المسجل الأخير محاولة يائسة للعودة لسنوات الانقاذ الكالحة التي استمرت لأكثر من ثلاثين عاما كانت وبالا على الحركة النقابية والسياسية، كما في الآتي:
تمّ حل الأحزاب والنقابات وإلغاء قانون 1987 والبرلمان ، ومصادرة حرية العمل النقابي ، وتشريد واعتقال وتعذيب الآلاف من من النقابيين والعاملين ، وتم تعذيب النقابي د. علي فضل حتى الاستشهاد، كما صدر حكم بالإعدام على الدكتور مأمون محمد حسين “له الرحمة والمغفرة ، ود. سيد محمد عبدالله ، بعد إضراب الأطباء في نوفمبر 1989 ، مما وجد مقاومةً واستنكارا واسعا محليا وعالميا اجبر الحكومة على التراجع.
أصبح الإضراب عقوبته الإعدام في القانون الجنائي!!!في الأيام الأولى للانقلاب .
صدر قانون النقابات لسنة 1992 ، واللائحة التفسيرية ، ولائحة تكوين النقابات العمال لسنة 1992 ، ولائحة تكوين الاتحادات المهنية لسنة 1992 .
كانت تلك القوانين الأكثر ظلامية في تاريخ العمل النقابي، وانتهاكا لحق التنظيم النقابي ومصادرة استقلال وديمقراطية العمل النقابي ، وتمّ إلغاء النقابة الفئوية ، واستبدالها بنقابة المنشأة.
تمّ تعريف العامل ” أي شخص يقوم بأي عمل لقاء أجر، سواء كان ذلك راتبا أو جعلا أو أي مقابل” لتأسيس نقابة واحدة في مواقع العمل تضم جميع العاملين .
تمّ تعريف المنشأة ” تضم أي موقع أو مواقع عمل تضم مجموعة من العمال”، وكان الهدف اضعاف العمل النقابي وتشتيت شمله.
في المادة (4) تمّ استثناء فئات القضاة والمستشارين القانونيين لديوان النائب العام وأعضاء السلك الديبلوماسي والضباط الإداريين من حق التنظيم النقابي.
حدد القانون عدد أعضاء النقابة بأن لا يقل أعضاء النقابة عن ” 100″ عضوا ، والا يقل عدد الهيئة الفرعية عن 50 عضوا.
تمّ ربط أهداف النقابات بالسلطة كما جاء في تحقيق أهداف المشروع الحضاري للجبهة الإسلامية.
وهو قانون يصادر حرية العمل النقابي ، ويربط النقابات بالدولة ، ويتعارض مع مبادئ منظمة العمل الدولية.
قاوم االنقابيون والعاملون القانون حتى تمّ تعديله إلي قانون 2001 ، والذي لم يشترك في إعداده كل المنظمات النقابية ، واحتفظ القانون بنقابة المنشأة الذي وجد معارضة ومقاومة شديدة.
استمرت المقاومة، وكانت الحصيلة قانون النقابات لسنة 2010 ، الذي كفل حق الإضراب والكلية الانتخابية، لكن القانون حد من حرية النشاط النقابي بارتكازه علي نقابة المنشأة ، ولائحة الوزير ، بالسلطات الواسعة للمسجل.
واصل النقابيون والعاملون النضال من أجل تحسين أوضاع العاملين وزيادة الحد الأدني للأجور وتركيز الأسعار ، ودعم الاضرابات الواسعة من أجل ذلك ، والمطالبة بإلغاء قانون نقابة المنشأة، وانتزاع قانون ديمقراطي للنقابات ونقابة الفئة، وديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وواصل النضال النقابي بمختلف الأشكال حتى من داخل نقابة المنشأة، تأسيس تجمع المهنيين ، قيام اوسع تحالف نقابي من أجل اسقاط عناصر المؤتمر الوطني والانتهازيين من النقابات.
تواصل نضال العاملون حتى انفجرت ثورة ديسمبر 2018 ، وحدث انقلاب اللجنة الأمنية ، في 11 أبريل، ومجزرة فض اعتصام القيادة العامة والولايات، وانقلاب 25 أكتوبر الذي قاد للحرب الجارية حاليا.
مما يتطلب مواصلة نضال العاملين والنقابيين من أجل وقف الحرب واستعادة مسار الثورة، ورفض قرار المسجل بالعودة لنقابة المنشاة’ وتكوين نقابات تدور في فلك السلطة’ وانتزاع ديمقراطية واستقلالية الحركة النقابية، وإلغاء قانون نقابة المنشأة، والعودة لنقابة الفئة ، وعقد الجمعيات العمومية للنقابات، وتكوين اللجان التمهيدية’حسب قانون (٨٧) الذي صادقت حكومة الفترة الانتقالية’ ومواصلة النضال لتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والأمنية للعاملين التي تدهورت’صرف المرتبات’ وإعادة تأهيل مرافق العمل من مصانع وخدمات للعودة للعمل ‘وتركيز الأسعار مع زيادة المرتبات’ وترسيخ الحكم المدني الديمقراطي’ ووقف الحرب واستعادة مسار الثورة.

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.