أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار قرارا جديدا أحدث تغييرا جذريا في آليات ولوج سلك الماستر بالجامعات المغربية، حيث أقر الوزير عبد اللطيف ميراوي إلغاء شرط اجتياز الامتحانات الكتابية والشفوية. وبموجب هذا القرار، أصبح القبول يعتمد حصرا على آلية الانتقاء بناء على دراسة الملفات، وفق معايير محددة مسبقا في الملف الوصفي لكل مسلك معتمد، مما يضع حدا للنظام الذي كان معمولا به لعقود.
جاء هذا المقتضى ضمن القرار الوزاري رقم 1891.25، الذي تم نشره في الرسمية بتاريخ 14 غشت 2025، لينظم بدقة مسطرة الانتقاء الجديدة. ونص القرار على تشكيل لجنة خاصة في كل مؤسسة جامعية تتولى الإشراف على العملية، برئاسة رئيس المؤسسة أو من ينوب عنه، وعضوية كل من رئيس الشعبة والمنسق البيداغوجي للمسلك، حيث تتولى هذه اللجنة إعداد لوائح الطلبة المقبولين ولوائح الانتظار في محاضر رسمية لضمان الشفافية.
على الرغم من أن القرار يهدف إلى توحيد المساطر وتوضيحها، فإنه أثار فور صدوره نقاشا عميقا في الأوساط الأكاديمية حول مدى فعاليته وتأثيراته المحتملة. إذ أشار خبراء إلى أن هذا التوجه الجديد يطرح جملة من التساؤلات، لا سيما في مؤسسات الاستقطاب المفتوح.
وفي هذا السياق، حذر الأستاذ أمين السعيد، المتخصص في القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، من أن التوجه الجديد الذي أقرته الوزارة الوصية بشأن شروط ولوج سلك الماستر قد يفضي إلى المساس بمبدأ دستوري أساسي وهو تكافؤ الفرص، وذلك في حال أسيء تفعيل الإجراءات الجديدة في مرفق حيوي كالتعليم العالي. جاءت هذه القراءة التحليلية في سياق تساؤلات عملية عديدة أثارها هذا التوجه، خاصة في مؤسسات الاستقطاب المفتوح التي تشهد إقبالا كبيرا.
وأوضح السعيد في تصريح لجريدة “العمق”، أن هذا التوجه، رغم أنه يحمل في طياته بعض الجوانب الإيجابية، إلا أنه لا يخلو من سلبيات واضحة قد تؤثر على مستقبل آلاف الطلبة. واعتبر أن الإشكالية الجوهرية تكمن في طبيعة المعايير الجديدة التي سيتم اعتمادها، ومدى ملاءمتها لواقع الجامعة المغربية وخصوصيات الفئات المستهدفة، مبديا تخوفه من أن تفوت هذه الشروط الفرصة على طلبة مؤهلين لا تنطبق عليهم المعايير المحددة بشكل دقيق.
وأقر الخبير الجامعي بأن إيجابيات هذا المسار تتجلى أساسا في تقليص السلطة التقديرية الواسعة التي كان يتمتع بها بعض منسقي الماستر، والحد من إمكانية تدخلهم في مختلف مراحل الانتقاء، سواء تعلق الأمر بالاختبار الكتابي أو المقابلة الشفوية. وربط هذا التوجه بما وصفه بـ”فضائح” تحولت إلى قضايا رأي عام بارزة، كما وقع في جامعتي الحسن الأول بسطات وابن زهر بأكادير، معتبرا أن الوزارة لجأت إلى هذه الصيغة إما كرد فعل سريع على تلك الانزلاقات أو كخطوة استباقية لتفادي تكرارها مستقبلا.
وكشف السعيد في المقابل، أن هذا التوجه ينطلق من فرضية ضمنية تفترض سوء النية لدى بعض منسقي الماستر، وهو ما يثير بدوره تساؤلات عميقة حول الثقة في هيئة التدريس. وانتقد إلغاء الاختبارات الكتابية والشفوية التي شكلت، حسب رأيه، محطة أساسية لترسيخ مبادئ الشفافية وتكافؤ الفرص والمساواة، شريطة احترامها من طرف الأساتذة المشرفين. وحذر من أن إلغاء هذه الاختبارات قد يؤثر سلبا على جودة التكوين، ويفرغ عملية الانتقاء من مضمونها الحقيقي، مما قد يقلل من القيمة العلمية والأكاديمية لشهادة الماستر في نهاية المطاف.
شدد الأستاذ السعيد على أن بيان النقط وحده لا يمكن أن يعد مؤشرا كافيا للحكم على كفاءة الطالب ومساره الدراسي الممتد لثلاث أو أربع سنوات. وذكر بأن العديد من الطلبة الذين حصلوا على ميزة “مقبول” في شهادة الإجازة، تمكنوا لاحقا من تطوير مهاراتهم وقدراتهم بشكل لافت وتحقيق نتائج متميزة في سلك الماستر، وهو ما يثبت أن نقط الإجازة لا يجب أن تتحول إلى محطة مصيرية وحاسمة تؤثر بشكل نهائي على مستقبل الطالب.
ودعا المتحدث إلى ضرورة اعتماد مقاربة تشاركية واسعة قبل اتخاذ قرارات مفاجئة ومصيرية من هذا النوع، مؤكدا أنه كان من الأجدر توسيع دائرة التشاور لتشمل مختلف الفاعلين والمعنيين بالشأن الجامعي، من أساتذة وطلبة وهيئات مختصة. واقترح في ختام تحليله، التخفيف من صرامة معايير الانتقاء الجديدة، والاعتماد على المرونة في تطبيقها، مع توسيع عدد المقاعد المتاحة في أسلاك الماستر، خاصة في مؤسسات الاستقطاب المفتوح، وذلك بهدف تيسير الولوج بما يضمن تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع الطلبة دون إجحاف أو تمييز.
المصدر: العمق المغربي