بحسب تقارير فإن السودان فقد نحو 60٪ من غاباته خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو تراجع كارثي يهدد بفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة معدلات التصحر، وتدهور التربة.

الخرطوم: التغيير

لا تقتصر تداعيات الحرب في السودان على الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل تمتد لتشمل واحدة من أخطر الكوارث البيئية التي تهدد البلاد لعقود قادمة وهي الإبادة الخضراء وقطع الأشجار الجائر.

المشهد اليومي في الخرطوم وعدد من الولايات يتمثل في فؤوس تُسقط أشجارًا عمرها مئات السنين، بحثًا عن الحطب والفحم كبدائل للطاقة وسط شح الغاز والوقود.

الغطاء الغابي

وتشير تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) إلى أن السودان يخسر نحو 175 ألف هكتار من الغابات سنويًا، بينما تتراوح معدلات إزالة الغابات الإجمالية بين 0.4 و0.7 مليون هكتار سنويًا، ما يضعه ضمن أكثر عشر دول في العالم فقدانًا للغطاء الشجري.

ويبلغ إجمالي مساحة الغابات في البلاد حوالي 18.7 مليون هكتار (10٪ من مساحة السودان)، وفقًا لتقديرات موقع LandLinks.

لكن هذا الغطاء لم يسلم من التراجع الكبير، إذ فقد السودان نحو 8.8 مليون هكتار بين عامي 1990 و2005، خاصة بعد انفصال الجنوب، وهو ما يعادل 12٪ من غاباته خلال تلك الفترة.

الحرب تسرّع الكارثة

الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 فاقمت الأزمة البيئية، فوفقًا لـ مركز CEOBS، تسببت العمليات العسكرية وانهيار سلاسل الإمداد بالوقود في فقدان ما لا يقل عن 6,126 هكتار من الغطاء الطبيعي بولاية الجزيرة وحدها.

وفي مناطق أخرى، ارتفعت أسعار الفحم إلى خمسة أضعاف (بحسب شهادات محلية من نيالا)، مما دفع السكان إلى اللجوء لقطع المزيد من الأشجار.

أما بيانات منصة Atlai فتوضح أن السودان خسر في عام 2023 وحده 20,300 هكتار من الغطاء الشجري، معظمها بسبب الزراعة المتنقلة (بنسبة 89٪ من مجمل الخسائر). وفي المقابل، سُجلت مكاسب محدودة في إعادة التشجير تقدر بـ 131,289 هكتار، أي زيادة نسبتها 3.45٪، لكنها لا تعوض الخسائر المستمرة بوتيرة متسارعة.

السودان خسر في عام 2023 وحده 20,300 هكتار من الغطاء الشجري، معظمها بسبب الزراعة المتنقلة (بنسبة 89٪ من مجمل الخسائر)

دراسة محلية في منطقة جبل مرة بوسط دارفور رصدت الانحدار الحاد في كثافة الأشجار؛ فقد انخفض العدد من 400 شجرة في الهكتار عام 1998 إلى 126 شجرة عام 2003، ثم إلى 27 شجرة فقط عام 2016، وهو ما يعكس أثر الحرب الطويلة على البيئة.

وتشير تقارير أخرى إلى أن السودان فقد نحو 60٪ من غاباته خلال العقود الثلاثة الماضية، وهو تراجع كارثي يهدد بفقدان التنوع البيولوجي، وزيادة معدلات التصحر، وتدهور التربة.

إلى جانب الأبعاد البيئية، فإن الأشجار المقطوعة تمثل إرثًا عمره مئات السنين، بعضها مصنف كأشجار نادرة وضاربة الجذور في الذاكرة المحلية وفقدانها يعني محو جزء من هوية المجتمعات المحلية، وضياع كنوز طبيعية وتراثية لا يمكن تعويضها.

دعوات عاجلة للحماية

في مواجهة هذا النزيف البيئي، يطالب خبراء ومنظمات مجتمع مدني بإيجاد بدائل عاجلة للطاقة للحد من الاعتماد على الحطب والفحم، مع إطلاق برامج لإعادة التشجير، وحماية ما تبقى من الغطاء الغابي عبر خطط وطنية عاجلة تتكامل مع الدعم الدولي.

وفي ظل هدير الحرب وصوت الفؤوس، يبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: هل يستطيع السودان إنقاذ ما تبقى من غاباته قبل أن تتحول أرضه إلى صحراء قاحلة؟

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.