حرب البيانات المتناقضة والتشاكس الداخلي قد يؤدي إلى فقدان حزب الأمة القومي وزنه كأكبر كيان مدني منظم في السودان وفق بعض المراقبين.
التغيير نيروبي: أمل محمد الحسن
بعد أن شهدت الساحة السياسية سلسلة من الإقالات المتبادلة بين الرئيس المكلف لحزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر وعدد من منسوبي مؤسسة الرئاسة، تفجرت معارك جديدة بين الأمين العام وعبد الرحمن الصادق المهدي الابن الأكبر لإمام الأنصار الراحل، والذي غادر الحزب مستقيلا بعد توليه منصبا في حكومة البشير التي أسقطتها ثورة ديسمبر.
وربما تشير البيانات الحادة المتبادلة إلى حقيقة انشقاق رأسي داخل الحزب، شق برئاسة فضل الله برمة ناصر، والآخر برئاسة محمد عبد الله الدومة.
بيانات ساخنة
وأشعلت حرب البيانات بين الأمين العام لحزب الأمة “الواثق البرير” وبين عبد الرحمن الصادق المهدي نائب رئيس هيئة الحل والعقد بكيان الأنصار؛ مواقع التواصل الاجتماعية خلال الأسبوع الماضي.
وبدأت التراشقات ببيان من الأمانة العامة يصف عبد الرحمن الصادق دون تسميته بـ”الجوكي”، مشددا على أن التسلق عبر الروابط الأسرية لن يسمح له بإعادة نفسه للساحة الحزبية.
وجاء هذا البيان بعد ظهور عبد الرحمن رفقة مجموعة من العسكر في فيديو من داخل دار حزب الأمة بأم درمان.
لم يتأخر رد “المهدي” وجاء ناريا تحت عنوان “بيان رد الافتراء” أكد فيه أن حزب الأمة القومي ليس حكرا على أي شخص “دعك عن الذين تسلقوا الروابط العائلية التي يكيلون لها السباب”.
وأوضح أن دخوله رفقة عسكر إلى دار حزب الأمة تم بتكليف من رئيس الحزب المكلف محمد عبد الله الدومة لإخلاء الدار من الأسر التي قطنتها بحجة أن الحزب يدعم قوات الدعم السريع.
ثم عاد “البرير” للرد مرة أخرى لكن هذه المرة عبر صفحته الشخصية على تطبيق (إكس) يتهم “المهدي” بمشاركته في قتل المتظاهرين بالصمت عن الباطل خلال ثورة ديسمبر عندما كان يجلس على مقاعد سلطة الإنقاذ.
https://x.com/ElwathigElberir/status/1956659554869010739?t=ShlsGPQ1IDlOXYNEvj2Cxw&s=08
وتوقفت المعركة الكلامية ببيان أخير لعبد الرحمن المهدي نشر في صفحته على الفيسبوك بتاريخ 17 اغسطس، قال فيه إن انتصار ثورة ديسمبر جاء بسبب تراكم نضالي كان له منه نصيب، ومبررا لمشاركته في السلطة وذاكرا استعداده للمساءلة بعد سقوط نظام البشير الذي كان يعمل فيه مساعدا للرئيس المخلوع.
حيدر المكاشفي: طرح “عبد الرحمن” نفسه زعيما سيعيد شبح سيناريوهات انقسام “مبارك الفاضل”
معركة بين الإرث والمؤسسية
ويؤكد المحلل السياسي حيدر المكاشفي، أن الخلاف داخل حزب الأمة ليس مجرد مواجهات بين شخصيات بل تعكس سؤالاً أعمق: هل يظل حزب الأمة أسير الشرعية الأسرية للمهدويين، أم ينفتح على شرعية مؤسسية نابعة من هياكله الداخلية.
وقال المكاشفي في حديثه لـ(التغيير)، إن عودة عبد الرحمن الصادق إلى الساحة عبر تحركات سياسية وإعلامية تحمل إيحاءات بأنه مرشح لوراثة القيادة السياسية للحزب.
وأشار إلى أن أنصاره يطرحونه امتدادا طبيعيا للإرث التاريخي للمهديين، ويرون أن الحزب بلا زعامة من البيت يفتقد البعد الرمزي الذي ميزه لعقود، فيما يعتبر خصومه في الداخل تجربته السابقة مع نظام البشير خطيئة سياسية، ويرون أن دخوله المفاجئ هو التفاف على المسار المؤسسي ومحاولة استدعاء شرعية قديمة بغير تفويض حزبي.
ورأى المكاشفي أن مضي عبد الرحمن في طرح نفسه زعيما قد يدفع تيارات شبابية وقيادات مؤسسية للانشقاق أو لتجميد نشاطها، وسيعيد شبح سيناريوهات انقسام مبارك الفاضل وغيره.
فيما أكد أن البيانات المتناقضة والتشاكس الداخلي ستفقد الحزب وزنه كأكبر كيان مدني منظم.
الفريق صديق محمد إسماعيل: قيادات الحزب المنضمين لتحالفي (تأسيس) و(صمود) وراء “استيلاء” بعض المواطنين على مقر الحزب
لجنة استرداد الدار
دافع نائب رئيس الحزب الفريق صديق محمد إسماعيل عن موقف دخول عبد الرحمن الصادق لدار الحزب رفقة عسكر، مشدداً على أنه أكمل الاتفاق على إخلائها من قاطنيها عبر اتصالاته مع المعنيين بالأمر من خلال منصبه رئيساً لشركة الصديقية مالكة الدار، ومن ثم تسليمها للجنة الاسترداد التي شكلها الرئيس المكلف محمد عبد الله الدومة.
واتهم إسماعيل قيادات الحزب المنضمين لتحالف (تأسيس) والمنضمين لتحالف (صمود) بأنهم السبب وراء “استيلاء” بعض المواطنين على مقر الحزب بأم درمان، واصفاً إياهم بأنهم في مقدمة “مواكب المتمردين” و”المرتمين في أحضان راعية الإرهاب الإمارات” حد وصفه.
وأكد إسماعيل في حديثه لـ(التغيير)، أن الخلافات متجددة في حزب الأمة، مشيرا إلى أنها تحمل بعدا أسريا ونفسيا سببه عدم إدراك “البعض” بالحق التاريخي والحقوق المكتسبة التي تطغى على الأول وتتطلب وعيا لتجنب صدام الحقوق!.
الفريق صديق: الخلافات داخل حزب الأمة متجددة وتحمل بعدا أسريا
رئاسة غير شرعية
لم يكن حديث نائب رئيس الحزب حول البعد الأسري في الخلاف هو الأول من نوعه؛ فمنذ صدور البيانات المتبادلة عمت السوشيال ميديا موجة من التعليقات التي في مجملها تصف الخلاف بـ”الأسري” خاصة وأن البيانات من الطرفين حملت إشارات حول تسلق التاريخ الأسري وعلاقات النسب!
من جانبه، نفى مساعد رئيس حزب الأمة صديق الصادق المهدي، وجود خلاف أسري، وأكد أن الحزب تحكمه مؤسساته ودستوره ولوائحه.
وقال في حوار لـ(التغيير)، ينشر لاحقا، إن جوهر الخلاف ليس إخلاء الدار من الأسر التي سكنته؛ ولكن مرد التباين إلى أن التكليف صدر عن “الدومة” بوصفه رئيسا مكلفا للحزب فيما لا يوجد اتفاق على تسميته رئيسا.
وقطع الصادق بأن الرئيس المكلف الشرعي هو اللواء فضل الله برمة ناصر.
صديق الصادق: لا يوجد اتفاق على تسمية “الدومة” رئيسا.. والرئيس الشرعي هو “فضل الله برمة ناصر”
وكشف صديق في حديثه لـ(التغيير) أن الإشراف على دور حزب الأمة تعود إلى الأمين العام المنتخب رافضا أن يتم التشكيك في مؤسسات الحزب التي انتخبته بإجماع غير مسبوق!
اختلاف حول المرجعيات
تسمية الفريق صديق للدومة رئيسا للحزب من جهة وتأكيد صديق الصادق على أن الرئيس الشرعي هو فضل الله برمة مغالطات تنذر بوجود انشقاق على مستوى الرئاسة. وفي الوقت الذي يقول فيه مساعد الرئيس إن العودة يجب أن تكون لمؤسستي المكتب السياسي ومجلس التنسيق، يرى نائب الرئيس أنهما لن يحققا نجاحا في فصل الخلاف الرئاسي!
وفصل الفريق صديق رأيه قائلا: مجلس التنسيق غالبية أعضائه من مؤسسة الرئاسة التي تحكم أعمالها لائحة ليس لها دور فيها والمكتب السياسي ليس مختصا دستوريا بالنظر في الخلافات التنظيمية.
وأضاف: كان يمكن لهيئة ضبط الأداء أن يكون لها دور ولكن قراراتها لم تجد استجابة مؤكدا على أن القول الفصل سيكون بيد الهيئة المركزية التي تقوم مقام المؤتمر العام الذي يستحيل قيامه لاسباب لوجستية وتنظيمية.
“الاجتماع الطارئ للهيئة المركزية ينعقد باتفاق إرادة ثلثها، والاجتماعات تتم بتوفر الإرادة والرغبة عند القيادة وفيما كان هذا منعدما لكن الآن يمكن تجاوزها وفقا للتطور التنظيمي الجاري حاليا”.
من جانبه، يرى صديق الصادق أنه لا يمكن الحديث عن انعقاد الهيئة المركزية بعيدا عن المؤسسات “المكتب السياسي والأمانة العامة” المنوط بهما الدعوة للاجتماع ووضع الأجندة، معربا عن أسفه من أن الاتجاه الذي يمضي فيه بعض أعضاء مؤسسة الرئاسة بعيداً عن أجهزة الحزب ما يقود للمضي إلى إنزال واقع التقسيم على الأرض!
صديق الصادق: الحديث عن انعقاد الهيئة المركزية بعيدا عن مؤسسات الحزب اتجاه نحو التقسيم
تحالف تأسيس
يعيد المحلل السياسي حيدر المكاشفي جوهر الصراعات الحالية إلى خطوة الرئيس المكلف فضل الله برمة ناصر بتوقيع ميثاق تأسيس الذي مثل لحظة كاشفة لانقسام داخلي حول المرجعية، الشرعية، وخيارات المستقبل، “فبعد سنوات من محاولات التماسك إثر رحيل الإمام الصادق المهدي”، خطوة برمة يمكن تفسيرها بأنها محاولة لترسيخ شرعية مؤسسية في مواجهة أي شرعية أسرية قد تعود عبر عبد الرحمن.
وفيما بدأت حملة الإقالات المتبادلة بين رئيس الحزب وزملائه في مؤسسة الرئاسة بعد انضمامه لتحالف تأسيس المتحالف مع قوات الدعم السريع، ينفي الأمين السياسي للحزب بشرق دارفور عيسى منزول أن تكون هذه بداية الخلافات.
وقال منزول لـ(التغيير)، إن التصدعات داخل الحزب بدأت مع انحياز نائب الرئيس المكلف الفريق صديق “بخطه الداعم للفلول” وعدد من رؤساء الحزب بالولايات للجيش. “كان يجب إقالتهم فورا”، مشيرا إلى أن ذهابهم إلى بورتسودان خالف موقف الحزب.
ووصف منزول انضمام فضل الله برمة لتحالف تأسيس بأنه موقف غالبية عضوية حزب الأمة في الأقاليم الغربية “كردفان ودارفور” التي تمثل 70% من جملة العضوية والتي تعرضت لاستهداف ممنهج حد وصفه.
“حرموا من التعليم والأوراق الثبوتية”، منوهاً إلى أنه حتى الذين كانوا يسكنون ولايات الجزيرة والشمالية من أهل الأقاليم الغربية تم التعامل معهم بأحكام الإعدامات، لافتاً إلى حادثة مقتل الأستاذ الطيب عبيد الله رئيس الحزب بمدينة أم روابة والحكم بالإعدام على القيادي بالحزب عيسى حامد في ولاية النيل الأزرق.
الأمين السياسي بشرق دارفور: التصدعات داخل الحزب بدأت مع انحياز نائب الرئيس المكلف الفريق صديق لـ”الفلول”
وأكد الأمين السياسي للحزب بشرق دارفور، أن برمة ناصر لم ينضم لتحالف تأسيس برغبة شخصية ولكن عبر مداولات ومشاورات مع عدد من قيادات الهيئة المركزية، مستشهدا بعقد الإمام اتفاق جيبوتي لمصلحة الأنصار مع الرئيس الأسبق جعفر نميري.
من جانبه، رأى المحلل السياسي حيدر المكاشفي، أن الحرب الحالية هي أعنف اختبار للحزب حيث فجرت انفسامات داخلية وأبرزت عدة تيارات متباينة بين المؤسسية الإصلاحية وتيار يدعو للفصل الواضح بين الحزب وهيئة الأنصار وبين من يرون أن الصدمات التنظيمية في زمن الحرب خطر وجودي!
المصدر: صحيفة التغيير