قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في لقاء تلفزيوني مع قناة يمينية الثلاثاء الماضي، إنه يرى نفسه ملتزماً بمهمة تاريخية وروحية ومرتبطاً بشدة تجاه رؤية إسرائيل الكبرى. أثار التصريح لغطاً كبيراً عائداً للخطأ أو عدم الدقة في فهم وقراءة المصطلح نفسه، ولا يمكن ولا يجب بالطبع التهوين من التصريح وخلفياته ودلالاته ولا التهويل كذلك والقول إن إسرائيل المترددة، والتي ترى الأغلبية فيها إنها لا تستطيع وبشكل دائم تحمل كلفة احتلال غزة كلها 360كم مربع حتى بعد تدميرها بشكل تام تقريباً، بصدد التوسع خارج فلسطين وإعادة احتلال شبه جزيرة سيناء. ناهيك عن الأردن وأجزاء من العراق والسعودية، أما الأدق وحسب السياق التاريخي والفكري والسياسي والإعلامي إن نتنياهو قصد المصطلح كما هو متداول في إسرائيل منذ حرب حزيران/ يونيو 1967 بمعنى إعادة احتلال غزة والضفة الغربية، والسيطرة على كامل فلسطين التاريخية إضافة إلى رفض التخلي عن الجولان، وبالطبع لا نتنياهو ولا عتاة المتطرفين بحكومته والدولة العبرية يتحدثون عن إعادة احتلال شبه جزيرة سيناء الشاسعة التي كانت قد احتلتها بالحرب نفسها وأعادتها إلى مصر، بشروط أمنية صارمة إثر توقيع معاهدة كامب ديفيد  للسلام بالعام 1979.

إذن، قال بنيامين نتنياهو في مقابلة مع قناة 24 اليمينية إنه يشعر بمسؤولية تاريخية وروحية تجاه رؤية إسرائيل الكبرى، وبعيداً عن التفسيرات أو المبالغات والتهويل فقد تم استخدام المصطلح مبكرا جداً مع إطلاق المشروع الصهيوني القرن قبل الماضي، بحيث تشمل إسرائيل الكبرى فلسطين التاريخية والأردن ضفتي النهر ولكن جرى استخدامه بعد ذلك على نطاق واسع سياسياً وإعلامياً في إسرائيل إثر الانتصار السهل والسريع وغير المنطقي في حرب حزيران/ يونيو 1967، والذي مكن الدولة العبرية من احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس وغزة وهضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية أي أضعاف مساحة فلسطين التاريخية.

بعد معاهدة كامب ديفيد 1979جرت إعادة سيناء إلى مصر لكن بشروط أمنية صارمة تركتها منزوعة السلاح بالمنطقة الممتدة من شرق قناة السويس حتى الحدود مع فلسطين المحتلة، وتمثل الثمن الاستراتيجي الأهم بإخراج مصر، أكبر دولة عربية، من دائرة الصراع مع إسرائيل حتى بظل السلام البارد والرفض الشعبي المصري، لكن بالعموم لا يمكن مثلاً فصل اتفاقية الغاز الاستراتيجية الأخيرة –عشرات المليارات والسنوات عن المعاهدة والمكاسب الاستراتيجية التي حققتها إسرائيل، بما في ذلك تحوّل مصر إلى وسيط لا طرف في الصراع بفلسطين والمنطقة ككل كما نرى الآن مثلاً في حرب غزة.

 

الانتخابات الإسرائيلية

عموماً لفهم تصريح نتنياهو بشكل أدق ووضعه في سياقه الصحيح تاريخياً وفكرياً وسياسياً لا بد أولاً من التذكير بقاعدة وزير الخارجية الأميركي السابق، المفكر هنري كيسنجر، الشهيرة القائلة إن إسرائيل لا تملك سياسة خارجية بل داخلية فقط. وعليه، يمكن الاستنتاج إن التصريح موجه أساساً إلى الشارع والجمهور اليميني المتطرف. حيث بدأ نتنياهو الاستعداد للانتخابات التي ستجري حتماً بالعام القادم 2026الربع الأول أو الثاني منه مع استبعاد اجرائها في موعدها الطبيعي نهاية العام واحتمال ولو ضعيف حتى لإجرائها نهاية العام الجاري بعدما باتت قصة وقت وسؤال متى لا هل؟

الشاهد هنا وبناء على المعطيات السابقة، وبالمضمون، فقد قصد نتنياهو مباشرة ومع استبعاد إعادة احتلال سيناء الشاسعة، والحفاظ على السلام الرسميالبارد ولكن والمثمر مع مصر وعدم امتلاك القدرة حتى لو أرادت ذلك خاصة بوجود قوات سلام دولية بقيادة أميركية فيها. إعادة احتلال غزة وضمّ الضفة الغربية، وبالطبع عدم الانسحاب من هضبة الجولان السورية. 

في السياق الفلسطيني، حتى غزة 360 كم مربع تبدو صعبة الهضم والمنال ليس من الناحية العسكرية البحتة ولكن من الناحية الاستراتيجية أيضاً، بظل الرفض الواسع والعريض لإعادة احتلالها بما في ذلك المؤسسة العسكرية وإشارة نتنياهو نفسه للسيطرة عليها إلى حين انتهاء الحرب، بمعنى إن الاحتلال التام غير مطروح جدياً على الأجندة إسرائيلياً وعربياً وأميركياً ودولياً، ما يبقي تصريح نتنياهو في السياق الدعائي وشد العصب الداخلي.

فلسطينياً يتمثل الخطر الجدي بالضفة الغربية كما يقول الاعلام العبري ومسؤولون كثر حاليين وسابقين، وثمة مخططات جدية حيالها، وقصة الضمّ مطروحة على الورق ولو لنصفها تقريباً، بمعنى إن إسرائيل غير قادرة على ضمها كلها أو إعادة احتلالها نظراً للكلفة الباهظة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، مع سعي "يائس" لاستبعاد إقامة الدولة الفلسطينية عن جدول الأعمال وتأبيد الوضع الراهن أو حكم ذاتي بلاس  تراجع حتى عن فكرة دولة ماينس  كما يقول نتنياهو دائماً.

وفيما يخص هضبة الجولان التي احتلت بالحرب نفسها، فنتنياهو يرفض الانسحاب منها أو حتى التفاوض حولها، وهو ما يمثل سبب أو أحد أسباب تجاوز المنقطة العازلة وانتهاك اتفاق فك الاشتباك 1974 بعد سقوط نظام بشار الأسد، ورفع السقف إلى نقطة أعلى تجاه سوريا الجديدة بما في ذلك ذريعة حماية الأقليات للاحتفاظ بالمنطقة العازلة وبالحد الأدنى الاحتفاظ بالجولان نفسها وإزاحتها عن جدول الاعمال.

هنا يجب التأكيد إن لا نية ولا قدرة أساساً على اجتياح بري واسع أو احتلال الجنوب السوري البالغة مساحته أضعاف مساحة غزة ما يدخل الدولة العبرية في معركة استنزاف طويلة لا تستطيع تحمل كلفتها.

 

رفض إسلامي ودولي

إلى ما سبق كله يجب التنويه إلى أهمية الرفض العربي الإسلامي" والدولي" الواسع للتصريح، حتى مع فهم سياقاته الدعائية والداخلية، لكن مع ضرورة استيعاب مضمونه وأخطاره الفلسطينية والسورية لجهة رفض إعادة احتلال غزة أو حتى السيطرة الأمنية، كما رفض ضم الضفة ومواصلة التسونامي السياسي للاعتراف بالدولة الفلسطينية وإنهاء حرب غزة وفق الرؤية العربية، وبأفق سياسي واضح نحو إقامة الدولة لا العودة الى مساء 6 تشرين أول/أكتوبر 2023. أما تجاه سوريا الجديدة الموحدة والمستقرة فتجب مواصلة وتقوية مظلة الحماية العربية التركية الدولية لها، والدفع باتجاه العودة لاتفاق 1974 محدثاً كما 1701 بلبنان، والتمسك بالجولان واستعادتها ضمن العمل العربي المشترك ومبادرة بيروت 2002.

في الأخير وباختصار ولعل الدلالة الأهم في تصريح نتنياهو إن الدولة العبرية تتجه نحو العزلة والجدر الأمنية والمناطق العازلة لا التطبيع والانفتاح والسلام على طريق الانتحار الذاتي كما يقال عن حق وعلى نطاق واسع أيضا بالدولة العبرية.

شاركها.