منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، برزت ملامح واضحة لعودة الإسلاميين إلى واجهة المشهد، ليس فقط عبر دورهم العسكري وإنما من خلال التمدد المدني في مؤسسات الدولة والمجتمع.

تقرير: التغيير

هذه العودة تتم بهدوء ومن خلال خطوات متدرجة، في ظل غياب الرقيب الشعبي وفراغ سياسي كبير. خلال الحرب لعب الإسلاميون دورًا فعّالًا في دعم الجيش، إذ تشير تقارير صحفية إلى أن آلاف المقاتلين المرتبطين بالحركة الإسلامية جُندوا فيما عُرف بقوات النخبة، وهي وحدات قتالية أصبحت بمثابة ذراع عسكرية موازية تُستخدم كورقة سياسية لإعادة النفوذ.

ولم يتردد قياديون مثل أحمد هارون، من المؤتمر الوطني المحظور، في القول إن عودتهم للسلطة ستتم عبر الانتخابات بعد فترة انتقالية يقودها الجيش، وهو تصريح يكشف عن استراتيجية واضحة توائم بين الدعم العسكري المؤقت والطموح السياسي الدائم.

شبكة الإدارة الحكومية

أما على الصعيد المدني فقد بدأت معالم العودة عبر شبكة الإدارة الحكومية، حيث جرى تعيين دبلوماسيين وقضاة ومحامين ممن ينتمون إلى التيار الإسلامي في مواقع حساسة، بعد أن كانوا قد أُبعدوا سابقًا.

على المستوى الشعبي، لم يكن تفكيك لجان المقاومة مجرد إجراء أمني بل جزءًا من إعادة هندسة الحياة المدنية

وتوسعت هذه الخطوة لتشمل السيطرة على بنوك الدولة والإعلام الرسمي، بما يعكس رغبة صريحة في استعادة اليد الطولى على مفاصل القرار السياسي والاقتصادي والإعلامي، وهي القطاعات التي اعتبرها الإسلاميون دائمًا ممرًا رئيسيًا للتأثير.

وعلى المستوى الشعبي، لم يكن تفكيك لجان المقاومة مجرد إجراء أمني بل جزءًا من إعادة هندسة الحياة المدنية. ففي معظم  ولايات السودان الخاضعة لسيطرة الجيش، جرى اعتقال ناشطين بارزين ضمن جهود لإسكات صوت الثورة.

رئيس حزب المؤتمر الوطني المحلول أحمد هارون

في عاصمة الجزيرة ود مدني عادت إلى الواجهة ما سميت بـ”لجان الكرامة والخدمات”، التي يقودها إسلاميون تحت ذريعة ملء الفراغ الخدمي بعد تغييب لجان المقاومة. ورغم الخطاب الخدمي الذي يُطرح، يرى مراقبون أن هذه اللجان ما هي إلا واجهة جديدة للهيمنة ومحاولة للتغلغل في التعليم والخدمات اليومية.

وامتد نفوذ الإسلاميين في مدني بصورة واضحة اذ تداخل ما يعرف بالبراؤون في سير العملية التعليمية بمدارس ود مدني بذريعة المساهمة في مراجعة امتحانات الشهادة السودانية.

واعلن البراؤون كذلك انحسار عملهم العسكري والتحول الى الاعمار والسند المدني.

فصل أساتذة الجامعات

بدورها لم تكن بعيدة عن هذه الموجة، ففي مارس 2024 فصل المجلس السيادي خمسة وستين أكاديميًا من رؤساء الجامعات والقيادات الأكاديمية، ومن أبرزهم الدكتور عبد الله موسى يعقوب من جامعة الأبيض والدكتور عيسى داود من جامعة الفاشر.

عادت إلى الواجهة ما سميت بـ”لجان الكرامة والخدمات”، التي يقودها إسلاميون تحت ذريعة ملء الفراغ الخدمي بعد تغييب لجان المقاومة

ثم جرى تعيين بدلاء مقربين من الإسلاميين، في خطوة اعتُبرت محاولة لإعادة هندسة المجال الأكاديمي والسياسي داخل الجامعات، وإنتاج نخب تدور في فلك المشروع القديم.

ذريعة المتعاون

في الوقت نفسه، استُخدمت تهمة “التعاون مع الدعم السريع” كذريعة جاهزة للقمع السياسي. ففي ولاية سنار على سبيل المثال، اتُهم ناشطون مثل محمد الباقر عبد الحليم، والمحامي محمد الأمين محمد، والمهندس حازم علي الجنداري بالتعاون مع العدو، رغم غياب أي محاكمات عادلة.

وقد تحولت هذه التهمة إلى سيف مُسلط على كل معارض أو شخص غير مرغوب فيه، تُستخدم لإقصائه من المشهد أو إسكاته.

الاعتقالات لم تتوقف عند الناشطين السياسيين، بل طالت طلابًا وصحافيين ومتطوعين في غرف الطوارئ. ففي جنوب كردفان احتُجز عدد من المتطوعين بتهم تعسفية، وفي الفاشر اُعتقل الصحافيان محمد أحمد نزار ونصر يعقوب أثناء توثيقهما للأوضاع.

في جنوب كردفان احتُجز عدد من المتطوعين بتهم تعسفية، وفي الفاشر اُعتقل الصحافيان محمد أحمد نزار ونصر يعقوب أثناء توثيقهما للأوضاع

أما المصور الصحفي أحمد عبد الحاج فقد لقي حتفه تحت التعذيب بعد احتجازه من قبل قوات الدعم السريع، وهو ما كشف هشاشة الحريات الإعلامية وانعدام أي حماية مهنية للصحافيين.

ورأى مراقبون أن هذه التطورات كلها لا تبدو استثناءات متناثرة، بل هي خيوط ضمن استراتيجية متكاملة لإعادة إنتاج النظام القديم بصورة أقل مباشرة وأكثر تكتيكًا. فالتحالف العسكري، والإحلال الإداري، وإعادة هندسة الجامعات، وملاحقة الناشطين بتهم مشكوك فيها، كلها حلقات في مشروع واحد يرمي إلى بناء نفوذ مدني جديد للإسلاميين.

وبينما يعيش السودانيون أزمة إنسانية وسياسية خانقة، يجد الإسلاميون اليوم أنفسهم في موقع أقوى من أي وقت مضى منذ سقوط عمر البشير عام 2019، وقد امتلكوا أدوات تمكين أكثر اتساعًا وقدرة على تثبيت حضورهم في مختلف جوانب الحياة المدنية.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.