بحي “إضلحا” الشهير بمدينة تيزنيت جنوبي المملكة، وُلِد عمر أجبور، الفنان وأستاذ التربية التشكيلية، سنة 1973، داخل عائلة تؤمن بأن الإبداع ليس ترفًا بل أسلوب عيش، إذ كان محاطا بأجواء أسرية شجعته على الاكتشاف والجرأة في التعبير. فلم تُوضَع له حدود بين اللعب والرسم، وبين الخيال والواقع، بل تُركت له الحرية ليحوّل كل لحظة دهشة إلى لوحة صغيرة على الورق.

مع مرور السنوات، لم يكتفِ الفنان أجبور بموهبته الفطرية؛ بل اختار الفن مسارا أكاديميا أيضا، حيث انتقل إلى مدينة مراكش التي حصل فيها على شهادة الباكالوريا في شعبة الفنون التشكيلية، ليلتحق بعدها مباشرة بسلك التدريس، إذ التحق بمهنة التعليم ليصبح في سنة لاحقة أستاذًا لمادة التربية التشكيلية، لينقل شغفه وتجربته إلى الأجيال الجديدة التي يحاول أن يغرس فيهم حب الفن وشغف التعبير.

في هذا الصدد، قال عمر أجبور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “أجد نفسي في القسم وبين تلامذتي كما أجدها وأنا أمام اللوحة، فالتدريس بالنسبة لي ليس مجرد مهنة لكسب قوت اليوم، بل هو امتداد لشغفي الأول بالفن التشكيلي.. وبالتالي أحاول أن أكون ذلك الجسر الذي يفتح أمامهم أبواب الإبداع، خاصة أن برمجة مادة التربية التشكيلية في المقررات المدرسية ساهمت في اكتشاف عدد من المواهب الفنية المغربية”.

وحول طبيعة رسالته الفنية، أكد الأستاذ والفنان التشكيلي ذاته أن “اللوحات الفنية التي أرسمها هي دعوة إلى التأمل، إذ أحرص من خلال التوظيف التجريدي للألوان والضوء والفراغ وباقي عناصر اللوحة أن أفسح المجال أمام المتلقي للتأويل والتساؤل؛ ذلك أن اللوحة الناجحة هي تلك التي لا تنتهي فقط في عين المتلقي، بل تخترق تفكيره وتوقظ فيه لحظة تأمل صافية وسط صخب الحياة المعاصرة والثورة الرقمية التي غيرت مجموعة من القيم والسلوكيات الإنسانية المُفتقدة”.

لوحاته عن الأسواق الشعبية بمدينة تيزنيت بما تحمله من ألوان وحركة وصخب الحياة اليومية وعن الأسوار التاريخية التي تحرس المدينة منذ قرون ليست مجرد لوحات توثيقية، بل حكايات نابضة تعيد سرد قصة الإنسان والمكان، وتربط بين الماضي والحاضر في انسجام بصري مؤثر يعكس روح “عاصمة الفضة” وتفاصيل الحياة داخلها.

في هذا السياق، أكد المتحدث ذاته أن “الفنان يجب أن ينزل من برجه العاجي ويكون قريبًا من الناس ومن محيطه، وأن يبحث فيه عن تلك اللحظات الإنسانية الفريدة التي تستحق أن تُخلّد في لوحة؛ ذلك أن الفن الصادق والحقيقي يجب أن ينطلق من البيئة المحلية لإنتاج منتج فني وإبداعي يمكن أن يصل إلى العالمية”.

وتابع أجبور: “الغاية الأولى للفن هي الجمال؛ غير أن هناك العديد من الأعمال الفنية التي يطغى عليها الجانب الفلكلوري، فمثلا هناك من يعتبر إن الفنان الأمازيغي لكي يعكس ثقافته وهويته يجب أن يستعمل رموزا أو حروفًا أمازيغية.. وهذا غير صحيح، لأن الثقافة الأمازيغية لها تاريخ طويل ممتد في الزمن.. وبالتالي، فالخطاب الفني تجاهها يجب أن يكون مختلفًا دون أن يسقط في التجريد الرمزي”.

بعيدًا عن الألوان والفرشاة، يحمل الفنان أجبور شغفا آخر لا يقل حرارة عن الرسم، وهو الموسيقى التي يجد فيها إيقاعا يوازي نبض لوحاته، وصوتا يُكمّل ما تعجز عنه الألوان وحدها، إذ يعد عضوا في مجموعة “سيلفر قصبة” الغنائية التي تأسست سنة 2011 داخل أسوار مدينة تيزنيت، انطلاقا من إيمانه الراسخ بأن الفن بجميع أشكاله ليس سوى لغة واحدة هدفها أن تمنح الإنسان فسحة للتأمل في الذات وفي العالم.

المصدر: هسبريس

شاركها.