حمّور زيادة
أصدر مجلس الأمن بياناً صحافياً يرفض فيه إعلان سلطة موازية في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع. وأعلن قلقه من أنّ هذه الخطوة سيكون لها تداعيات على وحدة السودان، وهو أمر لا يكاد يختلف فيه عاقلان، لكنّ تحالف الدعم السريع (تأسيس) ردّ على البيان ببيان من ناطقه الرسمي علاء نقد (المهاجر من القوى المدنية والعمل السياسي السلمي إلى البندقية والمليشيات)، بأن التحالف “ملتزم التزاماً كاملاً بتحقيق سلام عادل وشامل”. ولزيادة تأثير البيان في المتلّقي الغربي، ذكر ناطق “تأسيس” أن وحدة البلاد هي حجر الزاوية في “مشروعهم السياسي”، وأنّ غايتهم النهائية “دولة سودانية علمانية تحقّق قيم الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية”.
وقد يمكن المحاججة ضدّ بيان نقد في أشياء كثيرة، لكنّ المرء لا يملك إلّا الاتفاق معه في سعي تحالف الدعم السريع إلى مواطنة متساوية، فأمام هجوم “الدعم السريع” على المدنيين، كان الجميع سواسيةً أمام البطش والنهب والسرقات. نهبت قوات الدعم السريع منازل المواطنين وسيّاراتهم وممتلكاتهم في أغلب أحياء العاصمة الخرطوم، ثمّ في ولاية الجزيرة، وأراقت الدماء أنهاراً في قرى الجزيرة والجنينة والفاشر وغيرها. فالجميع سواسية أمام الرصاصة. تلك هل المواطنة المتساوية التي يعرفها العالم عن “الدعم السريع” منذ تكوينها، وحتّى لحظة قراءة هذا المقال.
وأعاد بيان مجلس الأمن الصادر في 13 أغسطس/ آب الجاري التشديد على وجوب إنهاء حصار مدينة الفاشر، ووقف الهجوم عليها، لكنّ قيادات في تحالف تأسيس حاولت مرّة أخرى أن تبيع سردية “نحن نُخرج المدنيين من الفاشر حرصاً على سلامتهم”. تقول لجنة تقصّي الحقائق المستقلّة: “تعرّض المدنيون في محيط الفاشر للاعتداء والاحتجاز والقتل، كما هُوجمت وأُحرقت قرى، ونهبت قوات الدعم السريع ممتلكات. وخلال هجوم واحد لهذه القوات ما بين 10 إلى 13 إبريل، قُتل أكثر من مئة مدني. في حين أسفر قصف آخر لقوات الدعم السريع على الكومة عن مقتل ما لا يقل عن 15 مدنياً”. وفي سبتمبر/ أيلول 2024، أصدرت البعثة الدولية المستقلّة لتقصّي الحقائق في السودان (شكّلها مجلس حقوق الإنسان) تقريرها الذي رصدت فيه انتهاكات مليشيا الدعم السريع (بجانب رصدها لانتهاكات الجيش والمليشيات المتحالفة معه)، وخلصت اللجنة إلى أنّ “قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، بمشاركة مدنيين أو من كتائب الكسيبة (اللصوص) أحياناً، تورّطت في نمط من نهب الممتلكات الضرورية وتدميرها لبقاء السكّان المدنيين، بما في ذلك توجيه هجمات متعمّدة ضدّ ممتلكات مشمولة بحماية خاصّة، في انتهاك للقانون الإنساني الدولي. وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، خلصت البعثة إلى أنّ هذه الأفعال تنتهك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للسكّان المدنيين، سيّما حقوقهم في الصحّة البدنية والنفسية، وفي الغذاء والماء والسكن”.
اللافت أنّ السلطة العسكرية رفضت أربع مرّات الردّ على طلبات اللجنة لزيارة البلاد للتحقيق، ثمّ بعد صدور التقرير أعلنت رفضها له وتوصياته رغم رصده جرائم “الدعم السريع”، واتّهمت اللجنة بأنها “مسيّسة” تجاوزت تفويضها وصلاحياتها، لأن اللجنة ذكرت الانتهاكات التي ارتكبها الجيش أيضاً. ومع قرب نهاية عمل اللجنة في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، بعد أن مدّدت لجنة حقوق الإنسان مهمتها، أعلنت السلطة العسكرية رغبتها في إنهاء عمل البعثة ورفضها التجديد لها مرّة أخرى، لكنّها احتفت ببيان مجلس الأمن الذي يرفض الحكومة الموازية.
انتهى بيان مجلس الأمن إلى أن الأولوية هي لاستئناف محادثات السلام “للتوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتهيئة الظروف اللازمة لحلّ سياسي للصراع، بمشاركة جميع الأطراف السياسية والاجتماعية السودانية الفاعلة، لإعادة إرساء انتقال سياسي موثوق وشامل، نحو حكومة وطنية منتخبة ديمقراطياً، بعد فترة انتقالية بقيادة مدنية”، وهي دعوة يسمعها كلّ حامل سلاح، فيبتسم، فهو يحمل ورقته الانتخابية في يدٍ ممتلئة بالرصاص، وتبحث القوى الاجتماعية التي لا مليشيا تمثّلها عن سلاح يجعلها “فاعلة”… الأولويات ليست واحدة.
العربي الجديد
المصدر: صحيفة الراكوبة