في سعي إلى تفسير الدعم “الغربي” المستمر لإسرائيل في إبادة الشعب الفلسطيني وتطهيره العرقي في غزة والضفة الغربية يعود المؤرخ المغربي امحمد جبرون إلى تاريخ تشكل “الحل الصهيوني” والدعم الأوروبي له، بوصفه “تصديرا لمشاكل أوروبا مع يهودها إلى فلسطين”.
جاء هذا في أحدث حلقات “مذاكرات في الفكر والتاريخ”، حيث فسر جبرون تشجيع الدول الأوروبية قيام دولة خاصة باليهود بعيدا عن أوروبا بـ”الاضطهاد الأوروبي لليهود، ومحاولة حل النزاع والصراع واللاتسامح الأوروبي (المسيحي) مع اليهود، بتصديره إلى خارج أوروبا، وكانت فلسطين هي الضحية، دون مراعاة شعب فلسطين الموجود على أرضه”.
وبعد استحضار نماذج متعددة لاضطهاد أوروبيين يدينون باليهودية داخل دولهم من طرف أوروبيين آخرين، في أوروبا الشرقية وصولا إلى روسيا، وأوروبا الغربية، استشكل المؤرخ “انضمام العديد من اليهود العرب، أو الذين كانوا يسكنون مع المسلمين في دول مثل فلسطين والعراق والمغرب على سبيل المثال لا الحصر، رغم أنهم لم تكن لهم مشاكل أوروبا”.
ويقدّر جبرون أنه بـ”صناعة الغرب الحركة الصهيونية، ابتدع مشكلة كبيرة ومعضلة إنسانية يعاني منها العالم إلى اليوم، وهي القضية الفلسطينية، التي ليست مشكلة عرب ومسلمين فقط، بل هي مشكلة عالمية تقتضي الحل”؛ ومن بين ما استحضره كتاب المؤرخ الإسرائيلي نوفال يحيى هراري حول تحولات الذكاء الاصطناعي، الذي وضح فيه “كيف صنعت الأسطورة والسردية الصهيونية، وخاصة ما كان يعتمل في روسيا القيصرية أواخر القرن 19 وبداية القرن العشرين، وما عاناه يهود أوروبا الشرقية، من مذابح، خاصة في ظل الإمبراطورية القيصرية الروسية الأوروثودوكسية، وهو ما حصل بُعَيد تأسيس الحركة الصهيونية”.
من بين ما صنعته هذه الأحداث الصحافي وشاعر “القومية الصهيونية” بياليك الأوكراني الروسي، الذي “حفّز اليهود إلى اليوم على حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم، في ظل مناخ عدائي ضدهم”. “وقد اعتبر هذا الشاعر، إلى جانب الأب الروحي للحركة الصهيونية ثيودور هرتزل، وجدان الحركة؛ التي استطاعت عبرهما استقطاب اليهود للوطن القومي في فلسطين، بدعم بريطاني أساسا ومن دول أوروبية أخرى آنذاك، قبل أن تصير الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الأولى عالميا، والقوة الأولى في دعم استمرار احتلال فلسطين كذلك”، وفق المصدر ذاته.
كما استشهد جبرون بقصة “جد المؤرخ يحيى هراري في رومانيا، حيث وجد نفسه بعد الحرب العالمية الثانية مهددا بفقدان جنسيته الرومانية بعد صعود الفاشيين المتطرفين، الذين أحصوا اليهود وأعادوا إحصاءهم، وقرروا التخلص من الكثير منهم بمطالبتهم إثبات جنسيتهم”.
المؤرخ امحمد جبرون، الذي وقّع بيانا جمع مثقفين مغاربة بارزين ينادي بالتكافل المغربي والإنساني من أجل وقف إبادة وتجويع إسرائيل وأمريكا ودول أوروبية أخرى للفلسطينيين، سبق أن قال لهسبريس: “إن ما يحصل في غزة لا نستطيع حتى مشاهدته، ويفوق كل وصف أو قدرة للغة، ولم يسبق للإنسانية عيش فظاعات أقسى مما تعيشه اليوم. ما يحصل يدين الإنسانية بجميع ألوانها ومعتقداتها، ويديننا نحن الذين عاصرنا هذا الواقع”.
وأردف المؤرخ: “للأسف الشديد هذا ينسف حتى الأديان، مثل الديانة اليهودية؛ فأنا متأكد أنها في جوهرها لا يمكن إلا أن تكون ضد الأفعال هذه والفظاعات، لكن ما يحدث باسمها ونراه الآن ينسف حتى كونها ديانة سماوية (…) ما يحصل صادم، ونحن غرقى وعاجزون عن أي تصرف، ولا نملك أي شيء؛ وما وقّعنا عليه كلمات شهادة ضدنا وليست لنا. أنا محبط من هذه الأشياء ولا غالب إلا الله”.
المصدر: هسبريس