كشفت وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” عن تسريع خططها لإقامة أول مفاعل نووي على سطح القمر بحلول عام 2030، في خطوة وصفت بأنها ذات أبعاد استراتيجية تهدف إلى ترسيخ التفوق الأمريكي في الفضاء، ومواجهة التقدّم المتسارع لكل من الصين وروسيا في هذا المجال. وأفادت صحيفة “واشنطن بوست” أن المشروع يمثل نقلة غير مسبوقة، ليس فقط على المستوى التقني، بل في الإطار القانوني للفضاء الخارجي، في ظل غياب نصوص واضحة تنظم هذا النوع من النشاط.

ووفقاً لتوجيه رسمي أصدره القائم بأعمال مدير “ناسا” شون دافي، فقد طُلب من الوكالة تسريع جهودها لوضع المفاعل على القمر في إطار ما اعتُبر “سباقاً استباقياً” ضد خطط صينية روسية مشتركة تهدف إلى تنفيذ مشروع مماثل بحلول منتصف ثلاثينيات هذا القرن.

التوجيه الصادر هذا الشهر شدد على أهمية الوصول إلى مناطق استراتيجية بالقرب من القطب الجنوبي للقمر حيث توجد موارد نادرة مثل الجليد ومناطق مشمسة نسبياً، وهو ما قد يسمح للولايات المتحدة بفرض ما وصفه دافي بـ”منطقة حظر دخول” حول موقع المفاعل.

ورغم أن فكرة إقامة منشأة طاقة نووية على القمر ليست جديدة، فإن الربط المباشر بين المشروع والمنافسة الجيوسياسية أثار حفيظة العديد من الخبراء القانونيين. فالمعاهدات الدولية الناظمة للنشاط الفضائي، وعلى رأسها “معاهدة الفضاء الخارجي” الموقّعة عام 1967، لا تتضمن مفهوماً قانونياً لما يُعرف بـ”منطقة حظر الدخول”، بل تؤكد على مبدأ عدم تملك أي جزء من الأجرام السماوية من قِبل الدول.

وأوضحت ميشيل هانلون، المديرة التنفيذية لمركز قانون الفضاء بجامعة ميسيسيبي، أن نصوص المعاهدة تمنح الأفضلية الضمنية للدولة التي تصل أولاً إلى الموقع، مستندة إلى بند يدعو إلى احترام نشاطات الآخرين، مما قد يُفسر قانونياً بأنه يعطي “حقاً مكتسباً بالأسبقية”. ووفق تقديرها، فإن من يصل أولاً إلى موقع تشغيل فعلي يكتسب نوعاً من الحق العملي في تقييد الآخرين من التداخل مع نشاطه، مما يفتح الباب أمام إشكالات قانونية مستقبلية حول مفهوم “الحق السيادي غير المعلن”.

وفيما لم يُعلن حتى الآن عن تصميم تفصيلي للمفاعل المقترح، أشارت “ناسا” إلى أن الهدف هو توليد 100 كيلوواط من الطاقة، وهو ما يكفي لتغذية عدد محدود من الأنظمة على القمر، ويمثل مرحلة أولى ضمن خطط أوسع تستهدف لاحقاً إنشاء اقتصاد قمري، واستخدام المفاعل كنقطة انطلاق نحو المريخ. وبررت “ناسا” هذه الخطوة بالحاجة إلى مصدر طاقة مستقر، نظراً لأن الليل القمري يمتد نحو أسبوعين، وهو ما يجعل الطاقة الشمسية غير كافية.

الخطط الأمريكية تقابلها مواقف حذرة من أطراف دولية. فقد أكدت الصين، في تصريحات رسمية، التزامها بالاستخدام السلمي للفضاء، مشيرة إلى أنها لا تسعى إلى سباق أو تفوق. فيما أبدى باحثون مستقلون تخوفهم من غموض حجم ما يُسمى “مناطق الأمان” المحيطة بالمفاعل، التي قد تتحول فعلياً إلى مناطق سيطرة غير معلنة. ويُضيف هذا البُعد القانوني تعقيداً جديداً إلى معاهدة “أرتميس”، التي أطلقتها واشنطن عام 2020، وتضم مجموعة من المبادئ غير الملزمة لتنظيم الأنشطة الفضائية، دون انضمام كل من روسيا والصين إليها حتى الآن.

في السياق ذاته حذر خبراء في السلامة النووية من الاستعجال في تنفيذ المشروع، مشيرين إلى أن مثل هذه الخطوات تتطلب دراسة دقيقة للسلامة والتأثيرات البيئية المحتملة. وأعرب إد وين لايمان، مدير السلامة النووية في اتحاد العلماء المعنيين، عن قلقه من مصير النفايات المشعة التي قد تبقى على القمر لقرون، واصفاً هذا الاحتمال بـ”المعضلة المؤجلة” التي لم تُطرح لها حلول واضحة حتى الآن.

ويرى مراقبون أن تسارع الخطى نحو القمر يعكس تحولاً في فلسفة استكشاف الفضاء، إذ تتقاطع الأهداف العلمية مع رهانات الجغرافيا السياسية والهيمنة التقنية. ومع أن المفاعل الأمريكي المزمع تشييده يُمثّل إنجازاً تقنياً في حد ذاته، فإن دلالاته الرمزية قد تكون أوسع، بما أنه يُعبر عن بداية مرحلة جديدة من التنافس على الموارد الفضائية، وسط فراغ قانوني يجعل أي مبادرة، مهما بدت علمية، مثار جدل دولي واسع النطاق.

المصدر: هسبريس

شاركها.