أكدت مكونات من الأغلبية والمعارضة بمجلس النواب المغربي على “أهمية فتح النقاش تشريعيًّا بشأن القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، ليواكب الجدل المتواصل سنويًّا بشأن ارتفاع الأسعار بشكل مثير للكثير من الشكوك، بوجود شبهات التواطؤ التي تتخفّى وراء حرية السوق”، معتبرةً أن “المرحلة تقتضي مقاربة جريئة ومسؤولة تُعيد التوازن المطلوب بين منطق السوق وضمان حماية المستهلك”.

وأمام استمرار النقاش لسنوات بشأن الاختلالات البنيوية في سلاسل التوزيع، واتساع هامش الأرباح غير المبرّرة لفئات تحتكر مواقع النفوذ الاقتصادي أحيانًا، نبّهت المكونات النيابية، أثناء تواصلها مع ، إلى أن “البرلمان يمكنه طرح مبادرة لإعادة النظر في بعض مقتضيات هذا القانون، لضمان حماية كافية لقيم السوق والمنافسة، وتقديم مبادرات فعالة تحمي المواطن من الابتزاز والاستغلال الناجم عن الاحتكار”.

“يمكن فتح النقاش”

أكد علال العمراوي، رئيس الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية بمجلس النواب، أن “هذا النص يمكن أن يخضع للنقاش على مستوى البرلمان إذا اتضح مليًا أنه غير كافٍ، خصوصًا بعد سنوات من العمل به”، مبرزًا أنه “نص تشريعي مثل أي نص آخر، وليس قرآنًا منزلاً أو مقتضى نهائيًا، والبرلمان يمكنه البت فيه من جديد، ولاسيما في الجوانب التي أثارت نقاشات متواصلة في السنين الأخيرة”.

وشدد العمراوي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أهمية تطوير هذا النص التشريعي بما يجعله أكثر نجاعة وفعالية، موردا: “يمكن النظر فعليًا في مقتضياته لكي نجعله قادرًا على حماية المواطن، والقطاع السياحي، والفضاء العام في هذا البلد”؛ كما لفت إلى أن التحديث القانوني، رغم ضرورته، لا يُغني عن التفعيل الميداني، مضيفًا: “مهما كان مضمون القانون فيجب أن يُفعّل الردع من طرف السلطات المحلية، إلى جانب ضرورة توفر قيم أخلاقية لا بد منها”.

ونبّه المتحدث ذاته إلى أن “المغرب اختار حرية السوق، ولا يمكنه التراجع عن هذا الخيار، الذي لا يخص بلادنا فقط، بل يمثل أيضًا رافعة لحركية الابتكار والمبادرة من طرف الجميع”، واستدرك قائلاً: “لكن الواقع لا يرتفع، فنحن كسياسيين نُعاين أمورا غير مقبولة، من بينها مثلًا بعض الأسعار المعتمدة بمحطات الاستراحة على الطريق السيار”، معتبراً أن “هذا الأمر يستدعي فعلًا فتح نقاش جاد، لأنه يتعلق بامتياز يُمنح لفاعل اقتصادي، ويتطلب وضع دفتر تحمّلات واضح ومُلزم في هذا السياق”.

“تعديل ضروري”

بدوره قال إدريس السنتيسي، رئيس الفريق الحركي بمجلس النواب، إن “القانون 104.12 يحتاج بالفعل إلى تعديل، بالشكل الذي يتيح بشكل واضح التدخل الحكومي في حالة تجاوز أسعار المواد الأساسية والخدمات سقفًا معينًا، لأن مادته الرابعة مثلًا، التي تسمح بهذه الإمكانية، تُعدّ فضفاضة، ما عطّل تفعيلها بالمرة”، مورِدًا أن “إشكالية ارتفاع الأسعار اختبرت مدى جدوى وفعالية هذا القانون الذي صدر سنة 2014”.

كما أشار السنتيسي، مصرّحًا للجريدة، إلى أن “موجة الغلاء اختبرت أيضًا قانون حماية المستهلك، والقانون المتعلق بمجلس المنافسة”، مردفا بأن “هذه المنظومة برمّتها في حاجة إلى التقييم وإعادة النظر”، وتابع: “في هذا الإطار نؤكد على الدور الاستباقي لمجلس المنافسة، لمنع التواطؤ والاحتكار، والحد من كل كلفة زائدة يستفيد منها الوسطاء، وتؤثر بشكل كبير على المستهلك”.

ومضى رئيس فريق “حزب السنبلة” قائلًا: “كنا نتطلع إلى أن تكون للحكومة إرادة حقيقية في بلورة حلول واقعية وملموسة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، في ظل سياق دولي وإقليمي مطبوع بالتقلبات وارتفاع تكاليف العيش، لكننا مع الأسف نسجل غياب رؤية مندمجة تتفاعل مع نبض الشارع، وتُراعي هشاشة فئات واسعة من المجتمع”.

وأضاف المتحدث ذاته: “لا يمكن الاستمرار في التعاطي مع الأزمة بقرارات ظرفية أو بحملات موسمية لا تعالج جذور الإشكال، بل نحتاج إلى إصلاحات شجاعة تمس آليات ضبط السوق، وتُحقق التوازن بين منطق الربح المشروع وحماية المصلحة العامة؛ كما نحتاج إلى تمكين المؤسسات الدستورية المعنية كالمجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس المنافسة من القيام بأدوارها الكاملة في التقييم، والاقتراح، والمساءلة”.

المصدر: هسبريس

شاركها.