القاهرة نعت وزارة الثقافة المصرية يوم الأربعاء الكاتب المصري صنع الله إبراهيم، الذي توفي عن عمر ناهز 88 عاما.

وكان الراحل قد تعرض لأزمة صحية في مايو استدعت دخوله إلى المستشفى قبل أن يتعافى ويعود إلى منزله لكن صحته تدهورت في يوليو الماضي وعاد مجددا إلى المستشفى.

قال وزير الثقافة أحمد فؤاد هنو في بيان له إن الراحل كان “أحد أعمدة السرد العربي المعاصر، وامتازت أعماله بالعمق في الرؤية، مع التزامه الدائم بقضايا الوطن والإنسان، وهو ما جعله مثالا للمبدع الذي جمع بين الحس الإبداعي والوعي النقدي.” وبين هنو في بيانه أن الكاتب رحل “تاركا إرثا أدبيا وإنسانيا خالدا سيظل حاضرا في وجدان الثقافة المصرية والعربية.”

وأضاف أن “فقدان صنع الله إبراهيم خسارة كبيرة للساحة الأدبية، فقد قدم عبر مسيرته الطويلة أعمالا روائية وقصصية أصبحت علامات مضيئة في المكتبة العربية، كما أثر في أجيال من الكتاب والمبدعين.”

كما نعاه عدد من الكتاب والمثقفين منهم إبراهيم عبدالمجيد وأشرف العشماوي وعزت القمحاوي وسيد محمود وكذلك الروائي الجزائري واسيني الأعرج والإعلامي المغربي ياسين عدنان.

ولد إبراهيم في القاهرة عام 1937 وتشرب حب القصص والروايات من والده الذي يصفه بأنه كان “حكاء بارعا” ويملك مكتبة ثرية بالأعمال العالمية والإصدارات الحديثة.

درس الحقوق لكنه سرعان ما انصرف عنها إلى السياسية والصحافة. انتمى إلى تيار اليسار وكان له نشاط سياسي أدى إلى اعتقاله لفترات قصيرة قبل أن يسجن لخمس سنوات بين 1959 و1964 وهي التجربة التي ألهمته العديد من مؤلفاته لاحقا منها كتاب “يوميات الواحات.”

عمل في وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية ثم محررا بالقسم العربي لوكالة أدن الألمانية في برلين التابعة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية وبعدها سافر إلى موسكو في منحة لدراسة التصوير السينمائي.

وعاد إلى مصر عام 1974 وقرر بعدها التفرغ للأدب والترجمة وتحولت بعض أعماله إلى أعمال تلفزيونية وسينمائية.

ويعد الأديب الراحل صنع الله إبراهيم أحد أبرز رواد الأدب في العالم العربي، كما أنه علامة من علامات الأدب المصري، وله مجموعة متنوعة من الأعمال المميزة، ودخلت بعضها في قائمة أفضل مائة رواية عربية.

من أبرز مؤلفاته “تلك الرائحة” و»67» و»نجمة أغسطس» و»اللجنة» و»أمريكانلي» و»برلين 69» و»بيروت بيروت» كما تحولت بعض أعماله إلى أعمال درامية مثل مسلسل «ذات» من إخراج كاملة أبوذكري وفيلم «شرف» من إخراج سمير نصر.

نال جائزة مؤسسة سلطان العويس الثقافية وحصل على جائزة مؤسسة ابن رشد للفكر الحر لكنه في عام 2003 أثار جدلا في الوسط الأدبي حين اعتذر عن عدم تسلم جائزة “ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي” بسبب موقفه من الحكومة آنذاك.. وبرر إبراهيم رفضه للجائزة باعتبارات سياسية تتعلق بالحريات والديمقراطية وبالأوضاع في فلسطين، إذ لا تنفصل السياسة عن جل أعماله الأدبية.

لا ينفصل مشروع صنع الله إبراهيم الأدبي عن بيئته وواقعه، إذ تَميَّزت كتاباته بالتوثيق التاريخي من جهة، ومن جهة أخرى بالتركيزِ على الأوضاع السياسية في مصر والعالَم العربي، فضلا عن استفادته من تفاصيل كثيرة من حياته الشخصية التي ميزتها المغامرة والتنقل بين الأمكنة والأفكار، دون حياد عن قضايا الإنسان العادلة.

ويُعتبر صنع الله إبراهيم من أهم الأدباء العرب المعاصرين، حيث شكّلت تجربته الروائية الممتدة لأكثر من خمسة عقود، مشروعاً روائياً فريداً قائماً على التجريب من جهة والالتزام السياسي الواضح من جهة أخرى.

وسبق للصحافي المصري شريف الشافعي أن كتب أنه “لا يكاد يُذكر اسم الكاتب صنع الله إبراهيم في مجلس أو محفل ثقافي أو حتى في طرح أكاديمي حول رواياته وقصصه إلا ويُشار إلى اتساق الحرف مع الموقف الذاتي، فنيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا في آن، حتى صار الرجل علامة من علامات استقلالية المثقف، وبات نبض القلم لديه يحمل من ضمن ما يحمل إشارات إلى نبض الشعب.”

وأضاف: “ذلك الكيان الحقيقي لا المجازي الذي لم ينهدم في حسبان صنع الله، فهو لا يزال يرى هذا الشعب قائمًا ومتماسكًا وقادرًا على الفعل والعطاء، ومقاومة ألاعيب السلطة ومناوراتها، تلك السلطة التي يجفل صنع الله من مجرد الاقتراب منها، إذ أنها قد تلجأ إلى كل الوسائل من أجل السيطرة على كل شيء، دون اعتبار لأي شيء.”

ورأى أن صنع الله إبراهيم، صيّاد ماهر دائمًا لما يعنيه ويخص قارئه، الباحث عن الفن يجده ساردًا في المقام الأول يحرص على الابتكار كما في استحداثه “الكولاج الروائي” ويغلف أعماله بالسياسة وينهل من معينها مادته التي يشتغل عليها اشتغال القاص والروائي، والباحث عن السياسة والعلاقات العربية العربية والحوار المشرقي المغربي في أعماله ذائعة الصيت مثل “اللجنة” و”ذات” و”أمريكانلي” و”بيروت بيروت” و”القانون الفرنسي” وغيرها يجد ضالته أيضًا.

وكل من يقرأ لإبراهيم سيلاحظ أن الكاتب وكأنه باحث ومؤرخ وراسم خرائط زمكانية وإنسانية بامتياز، تتضمن معلومات وافية بعضها موثق من خلال المراجع وقصاصات الصحف ونشرات الأخبار، وهي المصادر التي يضفرها في كولاجه الروائي بدون إهدار الحرص الغائي على أن يكون النسق العام للعمل دائرًا في فلك الإبداع والتخييل.

العرب

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.