أمد/ رفح: ظلت صناديق مساعدات كانت متجهة إلى قطاع غزة وأعادتها إسرائيل يوم الأحد قابعة على ظهر شاحنة ومقطورة مسطحة متوقفتين على بعد أمتار من الحدود مع مصر في وقت انتقد فيه سائقون غاضبون ومسؤولون من الأمم المتحدة التأخير في إرسال الغذاء والدواء إلى القطاع.
وتحدث سبعة مسؤولين في مجال الإغاثة وثلاثة من سائقي شاحنات أجرت “رويترز” مقابلات معهم عن مجموعة من العقبات، منها رفض الشحنات بسبب مشاكل بسيطة في التعبئة والأعمال الورقية والتدقيق الشديد بشأن احتمال الاستخدام العسكري المزدوج لمجموعة من السلع إضافة إلى ساعات العمل القصيرة عند المعبر.
وحملت الإمدادات التي شاهدتها رويترز يوم الاثنين على الشاحنة والمقطورة المتوقفتين خارج معبر رفح في مصر شعارات زرقاء لمنظمة الصحة العالمية وملصقات تصف محتويات مثل الأدوية الموضعية وأجهزة شفط لتنظيف الجروح.
وقال موظف في منظمة الصحة العالمية يعمل على الحدود إن الشحنة منعت بسبب حملها “أدوية غير قانونية”. ولم تتمكن رويترز من التحقق بشكل مستقل من سبب منع الشاحنات من دخول قطاع غزة. ولم تجب الوحدة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات على سؤال عن سبب منعها من دخول القطاع.
زارت رويترز الحدود المصرية مع قطاع غزة يوم الاثنين في رحلة نظمتها مجموعة الحكماء، وهي مجموعة من زعماء العالم السابقين شكلها رئيس جنوب أفريقيا الراحل نيلسون مانديلا والتي تؤيد حل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وانتقد بعض أعضاء المجموعة سلوك إسرائيل في قطاع غزة بشدة، بما في ذلك رئيسة أيرلندا السابقة ماري روبنسون ورئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة هيلين كلارك بعد أن شاركتا في الزيارة.
وأعلنت إسرائيل في 27 يوليو تموز عن إجراءات للسماح بدخول المزيد من المساعدات إلى قطاع غزة بعد غضب دولي أثارته صور لسكان يتضورون جوعا في غزة. لكن وكالات الإغاثة تقول إن جزءا ضئيلا فحسب مما ترسله يدخل فعليا للقطاع. وتنفي إسرائيل بشدة تقييد إمدادات المساعدات.
وعبرت كلارك في تصريحات للصحفيين عن صدمتها من كمية المساعدات التي تمت إعادتها عند الحدود.
وقالت “رؤية هذا المعبر، الذي ينبغي أن يكون مكانا يتفاعل فيه الناس مع بعضهم البعض، حيث يمكن للناس القدوم والمغادرة، وحيث لا يكون الناس تحت الحصار، وحيث يمكن للمرضى المغادرة والخروج.. رؤيته وهو متوقف بشكل تام أمام للناس هو أمر صادم للغاية بالنسبة لنا”.
* “عقبات بيروقراطية وتأخيرات”
قال موظف منظمة الصحة العالمية على الحدود إن إجراءات الموافقات والتخليص التي تسمح بمرور الشحنات من معبر رفح “خلال أيام قليلة” من وصولها إلى مصر خلال وقف إطلاق النار في وقت سابق من الحرب أصبحت تستغرق الآن “شهرا على الأقل”.
وأعلن المكتب الإعلامي في قطاع غزة الذي تديره حركة حماس يوم الاثنين, أن ما لا يقل عن 1334 شاحنة دخلت القطاع من جميع المعابر البرية، بما في ذلك من مصر، منذ الإجراءات الإسرائيلية المعلنة في 27 يوليو تموز، لكن هذا العدد أقل بكثير من 9000 شاحنة كان يفترض وصولها لو دخلت 600 شاحنة يوميا. وتقول الولايات المتحدة إن هناك حاجة إلى دخول 600 شاحنة يوميا على الأقل لإطعام سكان قطاع غزة.
ولم تتمكن رويترز من التأكد بشكل مستقل من أسباب التأخيرات المذكورة في هذه القصة أو الأرقام المحددة التي قدمها من أجرت معهم مقابلات.
وقالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق، وهي الوكالة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن تنسيق المساعدات، لدى سؤالها عما قيل عن كبح تدفق المساعدات، إن إسرائيل تبذل “جهودا كبيرة” في توزيع المساعدات. وأضافت أن حوالي 300 شاحنة دخلت يوميا خلال “الأسابيع القليلة الماضية”، معظمها محملة بالمواد الغذائية، من جميع المعابر البرية.
وأضافت “رغم الادعاءات، تسمح دولة إسرائيل بالمساعدات الإنسانية وتسهل تقديمها إلى قطاع غزة دون أي قيود كَمّية على عدد شاحنات المساعدات الداخلة إلى قطاع غزة”. ولم ترد وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق على أسئلة محددة حول كميات شحنات المساعدات.
وفي منتصف يوليو ، فرضت إسرائيل مطلبا يتعلق بخضوع شحنات المساعدات الإنسانية القادمة من مصر للتخليص الجمركي. ووفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أدت هذه الخطوة الإسرائيلية إلى “عقبات بيروقراطية إضافية وتأخيرات وتكاليف إضافية على المنظمات الإنسانية”.
وذكر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تقرير صدر في السادس من أغسطس آب أن مصر أعفت وكالات الأمم المتحدة من رسوم التخليص الجمركي في الفترة من 27 يوليو تموز إلى الثالث من أغسطس آب. وأضاف التقرير أنه على الرغم من عدم تمديد هذا الإعفاء رسميا، فإنه لا يزال ساريا على ما يبدو. ويتم إعفاء المنظمات غير الحكومية الدولية الأخرى على أساس كل حالة على حدة ويشمل المواد الصحية فقط.
ووفقا للسلطات الصحية الفلسطينية، توفي أكثر من 200 من سكان غزة بسبب سوء التغذية أو الجوع في الحرب، ليضافوا إلى أكثر من 61 ألفا تقول السلطات إنهم قُتلوا جراء الهجمات العسكرية الإسرائيلية. وذكر مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وعدة دراسات متخصصة لخبراء أن هذا العدد ربما يكون أقل من العدد الحقيقي.
وتشكك إسرائيل في أرقام وزارة الصحة في غزة، التي لا تفرق بين المسلحين والمدنيين، وتقول إن ثلث القتلى على الأقل هم من المسلحين. وذكرت وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق يوم الاثنين أن مراجعة أجراها خبراؤها الطبيون أظهرت أن عدد الوفيات التي سجلتها وزارة الصحة في غزة بسبب سوء التغذية مبالغ فيه وأن معظم من يُزعم وفاتهم بسبب سوء التغذية كانوا يعانون من أمراض سابقة.
* مستودع للبضائع المرفوضة
لا يستطيع السائقون القادمون من مصر التوجه مباشرة إلى الجانب الفلسطيني من معبر رفح. لكن السائقين يتوجهون إلى معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي الواقع على بُعد نحو ثلاثة كيلومترات جنوبا حيث تخضع الشحنات للتفتيش.
وقال كامل عطية محمد، وهو سائق شاحنة مصري، إن تقديره هو أن من بين 200 أو 300 شاحنة تحاول عبور هذا الطريق يوميا، لا ينجح سوى 30 إلى 50 شاحنة في مواصلة الرحلة.
وأضاف لرويترز أن التفتيش الإسرائيلي يعيد الشاحنات لأسباب منها أنها لا تحمل ملصقا أو أنها مائلة أو مفتوحة من الأعلى، موضحا أن كل هذه الذرائع ليست مبررات منطقية ومقبولة لإعادة الشاحنات.
وقال إن معبر رفح من الجهة المصرية مفتوح ليلا ونهارا لكن السائقين عندما يصلون إلى معبر كرم أبو سالم يجدونه مغلقا في أغلب الأحيان لأنه لا يعمل خارج أوقات العمل الرسمية.
وعبر محمد عن ضجره من هذا الوضع الذي يتكرر يوميا.
وفي حين لم ترد وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق على أسئلة محددة حول حديث هذا السائق بشأن ساعات العمل غير المرنة، فقد ذكرت أن “مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات لا تزال تنتظر استلامها من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية” على الجانب الفلسطيني من المعابر الحدودية.
ويوجد مستودع مخصص للبضائع المعادة من الحدود في موقع لوجستي أقامه الهلال الأحمر المصري قرب مدينة العريش الواقعة على بعد 40 كيلومترا من الحدود وحيث يجري تحميل الشحنات القادمة من مصر إلى غزة.
وشاهد مراسل رويترز صفوفا من أنابيب الأكسجين البيضاء، بالإضافة إلى كراس متحركة وإطارات سيارات وصناديق كرتونية عليها ملصقات تشير إلى احتوائها على مولدات كهربائية ومستلزمات إسعافات أولية وشعارات لمنظمات إغاثة من دول مثل لوكسمبورج والكويت وغيرهما.
لم يتسن لرويترز التحقق من موعد إعادة هذه المواد إلى موقع الهلال الأحمر أو أسبابها. ويصف موظفو الإغاثة مثل هذا الرفض بأنه أمر روتيني.
وفي حديثه خلال اجتماع حضرته رويترز، قال أحد موظفي برنامج الأغذية العالمي إنه من بين 400 شاحنة أرسلها البرنامج منذ 27 يوليو تموز لم يدخل القطاع سوى 73 شاحنة فقط.
ولا يسمح لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) منذ مارس آذار بإرسال مساعدات إلى غزة. وذكر تقرير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية الصادر في السادس من أغسطس آب أنه لم يُسمح بدخول أي مواد إيواء إلى غزة منذ الثاني من مارس آذار وأن المواد المتوفرة في السوق المحلية “باهظة الثمن ومحدودة الكمية”.
وقال موظف منظمة الصحة العالمية الذي يعمل على الحدود إن الشاحنة والمقطورة اللتين شاهدتهما رويترز كانتا من بين ثلاث شاحنات أُعيدت يوم الأحد. وتضمن بيان الحمولة، الذي اطلعت عليه رويترز، أكياسا لتصريف البول ويودا وضمادات وخيوطا جراحية.