في خطوة وُصفت بأنها تصعيد جديد، قررت الإمارات وقف حركة السفن والطائرات السودانية عبر أراضيها. وفور صدور القرار، قامت الإمارات بمنع جميع شركات الطيران السودانية من استخدام مطاراتها، وتم إرجاع المسافرين الذاهبين للإمارات من مطار بورتسودان، كما تم إلغاء رحلات الطيران القادمة من مطار دبي بدولة الإمارات إلى بورتسودان.

تقرير: التغيير

وتتهم الخرطوم أبوظبي بتمويل قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني منذ 15 أبريل 2023، فيما تنكر أبوظبي هذه الاتهامات.

وطبقًا للمختصين فإن قرارات أبوظبي سيكون لها تبعات اقتصادية وسياسية على البلدين، لكن الضرر الأكبر سيقع على السودان الذي يعتمد على عائدات صادر الذهب الذي يُصدَّر معظمه للإمارات.

أيضًا سيتضرر القطاع الخاص، شركات وأفراد، باعتبار أن كميات كبيرة من المنتجات تأتي من الإمارات أو عبرها من الصين.

يؤكد مختصون أن قرارات أبوظبي سيكون لها تبعات اقتصادية وسياسية على البلدين

إحصاءات الذهب السوداني

وزير المعادن السابق محمد بشير أبو نمو أكد في تصريحات صحفية أن 95% من إنتاج الذهب السوداني يتجه للإمارات، حيث بلغت الكمية المصدَّرة خلال الفترة من يناير إلى يونيو 2025 حوالي 10 أطنان بعائد مالي وصل إلى 870 مليون دولار.

وبحسب مصادر حكومية تحدّثت لـ (التغيير) أشارت إلى أن نسبة الاعتماد على الذهب بالنسبة للحكومة السودانية خلال فترة الحرب تصل إلى 90% من الإيرادات. وأوضح المصدر أن القرار يستهدف ضرب المقدرات العسكرية للجيش السوداني.

وأشار المصدر إلى أن صادر الذهب السوداني للإمارات يساوي 5% فقط من قيمة سوق دبي للذهب، لذلك هي لن تتأثر، ولذا تستخدم تجارة الذهب كأداة اقتصادية عسكرية لإضعاف الجيش السوداني من خلال تقليل العوائد.

وزير المعادن السابق: 95% من إنتاج الذهب السوداني يتجه للإمارات

وأوضح مصدر بالموانئ البحرية لـ (التغيير) أن هنالك بدائل لنقل البضائع من الصين إلى السودان بعيدًا عن موانئ الإمارات، عن طريق شحنها إلى ميناء صلالة في عمان، ومنها لجدة وبورتسودان، باعتبارها أقل تكلفة في الظروف العادية من الشحن إلى ميناء جبل علي الإماراتي.

وأشار المصدر إلى أن الخيار الأفضل للاستيراد بالنسبة للحكومة والأفراد والمؤسسات من الصين مرورًا بميناء مصوع في إريتريا، الأقرب للسودان، للاستيراد من الصين وغيرها كمحطة قريبة للسودان.

وأشار المصدر إلى أن تكلفة المناولة هي الأعلى لكل منتج، وتعتبر أعلى تكلفة في ميناء صلالة الذي ليس لديه أي خط ملاحي مع السودان. وأوضح أن تكلفة التأمين للبواخر الواصلة للسودان عالية جدًا بسبب الحرب.

وتوقع المصدر أن يؤدي القرار لإقبال كبير على النقد الأجنبي من قبل الشركات والأفراد لمقابلة نفقات الاستيراد الجديدة.

خبير اقتصادي: السودان يمتلك خبرة طويلة في مواجهة الحصار، وتجاوز عقوبات أمريكية وغربية منذ 1983 دون توقف التنمية أو الإنتاج.

يقول الخبير الاقتصادي أحمد مجذوب أحمد: “الإمارات تظن أنها قد خنقت الاقتصاد السوداني بهذا الفعل، ونسيت أن للسودان تجربة طويلة في الحصار والمقاطعة الاقتصادية امتدت من عام 1983 وحتى الآن، بل حصار غربي أمريكي عندما كانت واشنطن تدير العالم وحدها، لم يتأثر السودان، بل أقام العشرات من مشاريع التنمية، بل أصبح السودان دولة منتجة ومصدرة للنفط”.

الخبير الاقتصادي أحمد مجذوب

معلوم أن السودان دولة تنتج وتصدر سلعًا استراتيجية عليها طلب عالمي، مثل الذهب وبعض المعادن الأخرى، وقائمة من المنتجات الغذائية الأخرى مثل (الصمغ، السمسم، الفول السوداني، الذرة، القطن، الثروة الحيوانية ومشتقاتها والسمكية… إلخ)، ويتمتع بموارد كبيرة ومتنوعة هي سبب هذا الصراع الذي يجري للاستئثار بموارده.

ويستورد السودان سلعًا أهمها سد فجوة المشتقات النفطية، والمعدات والتجهيزات الرأسمالية، وبعض الأدوية والسلع الكمالية الأخرى، والكل يعلم أن الإمارات ليست هي المنتج لواردات السودان، إلا قليلًا من النفط الذي في الغالب تحكمه عقود بيع طويلة الأجل لا تجعل احتياج السودان ضمن قوائم المشترين له.

فرص لتعزيز التجارة مع دول أخرى

يقول المجذوب: الإمارات لا يتجاوز دورها سوى فتح الاعتمادات للبضائع السودانية أو تعزيزها بعلاقات مصرفية تتم وفقًا لقواعد العمل المالي، ليس فيها هبة أو مساعدة.

عليه فإن دور الإمارات لا يتجاوز أنها مركز وساطة تجاري ومالي ولوجستي، والذي يجعل من بلده هكذا يجعل اقتصاده معتمدًا على إيرادات هذه الخدمات، وبالتالي فهي المستفيد من مهمة الوساطة أكثر من استفادة عملائها.

وأضاف: دور الوساطة الذي ظلت تقدمه الإمارات كان يتم في غالبه عبر شركات سودانية اتخذت من هناك مقرًا لها، للاستفادة من التسهيلات والميزات المتاحة للجميع، أو للاستفادة من خدمات النقل والمناولة عبر موانئ الإمارات، وهذه الخدمات متاحة في أكثر من مركز تجاري عالمي.

ويواصل: لذلك هذه الخدمات ستبقى متاحة في العديد من الدول، مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وجمهورية مصر وغيرها من الدول، فقط تحتاج الحكومات لمراجعة وتنشيط وتفعيل الاتفاقات التجارية والمالية واللوجستية مع هذه الدول، خاصة وأن بعضها كان قائمًا ولكنه ضعف بتحول جزء منه للإمارات، وعودته لا تحتاج سوى مباشرة النشاط.

تعزيز العلاقات التجارية مع دول أخرى

الاتجاه نحو المملكة العربية السعودية هو أسرع وأقوى في نظم الشفافية، وصعدت المملكة بحسن إدارتها لتصنَّف الدولة الثانية عالميًا في التقنية المالية، إن لم تكن الأولى.

وبحسب المجذوب، السودان سيكسب كثيرًا بقرارات هذه الدولة، وأول مصادر الكسب هو عودة كل صادرات ذهبه للقنوات الرسمية، لأن المهربين لن يجدوا ما كان متاحًا لهم من فوضى قبل ذلك في حماية صادرات الذهب المهرب للإمارات، وهذا يعني عودة ما لا يقل عن 1.8 مليار دولار للقنوات الرسمية، حيث قدّرت الأمم المتحدة قيمة الذهب المهرب من السودان بمبلغ يتراوح بين 1.8 مليار و3 مليارات دولار سنويًا، بحيث لن يجد المهربون نظمًا تحمي التهريب كما ظل متاحًا لهم من قبل.

واعتبر الخبير الإقتصادي أن القرار يمنح الفرصة لاستكمال سلسلة الإنتاج بتركيب مصفاة الذهب، التي ستحقق عوائد كبيرة كانت غائبة في ظل أوضاع أراد لها المنتفعون أن تستمر على ما هي عليه.

وأكد المجذوب على أهمية تطوير وتنظيم النشاط التجاري مع مصر، كأحد سبل مواجهة التحدي الماثل، لكنه يحتاج لضوابط دقيقة ومحكمة لتعظيم الانتفاع للدولتين، بحيث يتم إيقاف نشاط التهريب الذي توسع خلال فترة الحرب وانعدام الأمن وضعف إمساك الدولة بأطرافها.

أستاذة علوم سياسية: القرار “ابتزاز سياسي” و”تحكم استعماري ناعم”

وصفت أستاذة العلوم السياسية والمختصة في الشأن الإفريقي الجزائرية ربيعة خطاب، قرار الإمارات بوقف الرحلات السودانية بأنه ابتزاز سياسي مغلف بـ”إجراءات أمنية”. وشبَّهت خطاب في حديثها لـ (التغيير) السلوك الإماراتي بـ”التحكم الاستعماري الناعم”، في خطوة مفاجئة وبدون بيان رسمي، أوقفت جميع الرحلات الجوية القادمة من السودان، متذرعةً بـ”موافقات أمنية مسبقة”، ومانحة شركات الطيران السودانية إشعارات الحظر عبر مكالمات هاتفية متأخرة، وكأنها تدير المجال الجوي العربي بعقلية غرفة عمليات سرية!

أستاذة العلوم السياسية ربيعة خطاب

وقالت: هذا السلوك ليس له أسباب مقنعة، بل رسائل سياسية مبطنة. وأضافت خطاب: الإمارات التي تدّعي الحياد، قررت تنفيذ عقوبة جماعية على ركاب سودانيين أبرياء، ليس لأن مطاراتها مزدحمة، بل لأن الخرطوم تجرأت ووصفت أبوظبي بما هي عليه: “دولة عدوان” متورطة في إشعال الحرب السودانية عبر تمويل وتسليح مليشيا الدعم السريع.

رسالة سياسية عقابية

وتساءلت: هل القرار إذًا أمني وتشغيلي؟ أم هو ردّ انتقامي دبلوماسي بلبوس فني؟

هل يعقل أن تُمنع جميع الرحلات من دولة إلى أخرى، من دون حتى محاولة الالتفاف على مطار بديل مثل أبوظبي أو الشارقة؟

بالطبع لا. الرسالة واضحة: “إما أن تسكتوا، أو نعاقبكم بخنق الحركة، وعزل الشعب، وحرمانه من أبسط حقوق التنقل”.

وأضافت: ازدواجية الإمارات شعارات “الاستقرار”، لكن الواقع “زرع الفوضى”. من دولة تدّعي “صناعة السلام”، ها هي الإمارات تستخدم أدوات النقل المدني لضرب السيادة السودانية، بعد أن فشلت حملاتها في تلميع مرتزقتها داخل السودان.

إنها سياسة العصا لمن يُعارض، و”المساعدات” لمن يُطيع.

تقول  خطاب: الإمارات نصّبت نفسها عرّابًا إقليميًا، تمارس دور المبتز أكثر من الوسيط، فحين تفشل في السيطرة عبر أدواتها، تلجأ إلى الحصار الناعم، وإلى إرهاق الدول في تفاصيل تبدو “إدارية”، لكنها في جوهرها انتقام سياسي خالص.

وتضيف: القرار لا يمس فقط شركات سودانية مثل “بدر” و”تاركو”، بل يمس السيادة الوطنية برمتها. إنه إعلان ضمني أن أبوظبي باتت تعتبر المجال الجوي ساحة ضغط سياسي، لا مرفقًا سياديًا محايدًا.

فإذا كانت الإمارات ترى في المطارات أدوات للعقاب، فماذا تبقى من الشعارات الجوفاء حول “العمل العربي المشترك” و”دعم استقرار السودان”؟

وتوضّح: كل رحلة جوية تُمنع، وكل مسافر سوداني يُعاد من بوابة الصعود، هو ضحية جديدة لسياسات إماراتية قصيرة النظر، طويلة الأذى.

هذا القرار ليس أمنيًا، بل صفعة سياسية أرادت الإمارات أن توجهها عبر مسارات الطيران، لكنها في الحقيقة فضحت هشاشتها الدبلوماسية، وكشفت عن وجهها القبيح كدولة تجيد الحصار، لا الحوار.

 تأثير متبادل وضرر أكبر على السودان

يقول الباحث الاقتصادي نجم الدين داؤود، لـ (التغيير): بكل تأكيد قرار تعليق حركة الملاحة البحرية والجوية بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة يُحدث تداعيات اقتصادية متعددة على الدولتين في الميزان التجاري، وخاصة على بورتسودان التي تعاني من عجز تجاري كبير وأزمات اقتصادية وسياسية وأمنية متعددة.

وأشار داؤود إلى أن حجم الصادرات السودانية إلى الإمارات يُقدَّر بحوالي 2.3 مليار دولار، منها حوالي 90% تمثل صادر الذهب (بطرق رسمية وغير رسمية).

الباحث الاقتصادي نجم الدين داؤود

ويضيف: كذلك تستورد الخرطوم من أبوظبي سلعًا بقيمة 2.1 مليار دولار، تتمثل في المشتقات البترولية وسلع استهلاكية مستوردة من الإمارات كمنطقة تجارة حرة في الإقليم، لذلك تعليق حركة التجارة بين البلدين قد يؤثر كليًا على الميزان التجاري للسودان، وجزئيًا على الإمارات.

ولا يتوقع داؤود تأثيرًا في المدى القريب على حجم الاستثمارات الإماراتية في السودان، التي تُقدَّر بحوالي 7 مليارات دولار، والتي ترتكز غالبًا على قطاعات الزراعة والسياحة والقطاع المالي.

بينما توقع أن يشهد السودان، وخاصة مناطق سيطرة القوات المسلحة، ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار وأزمة مشتقات بترولية متكررة، إثر القطيعة والعمليات العسكرية في مناطق الموانئ السودانية.

باحث اقتصادي: حجم الصادرات السودانية للإمارات يبلغ 2.3 مليار دولار، 90% منها ذهب

تعطيل حركة الشحن البحري والجوي يساهم في تعطيل سلاسل الإمداد بين أبوظبي وبورتسودان، مما يزيد من تكاليف النقل، ويؤدي إلى زيادات محتملة في أسعار المنتجات، بما في ذلك أسعار السلع الأساسية، بالإضافة إلى شُحّ الطرق الملاحية وحتمية اتخاذ مسارات بديلة تزيد من تكلفة الشحن البحري والجوي إلى بورتسودان، مع ارتفاع تكلفة التأمين على السفن والطائرات بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي، مما يضيف أعباء مالية على شركات النقل والاستيراد والتصدير، وارتفاع تكاليف الخدمات اللوجستية وأسعار السلع، وخسائر مالية، وتراجع في الإيرادات الجمركية، وانحسار النقد الأجنبي في بورتسودان.

يقول داؤود: تعطل الملاحة قد يؤثر على تدفقات البضائع عبر البحر الأحمر والممرات الإقليمية المجاورة، وبالتالي قد يتأثر السوق الإقليمي في المنطقة في المدى المتوسط والبعيد إذا استمر التصعيد بين الجانبين.

ويضيف: قرار تعليق حركة الملاحة البحرية والجوية بين السودان والإمارات له آثار اقتصادية وسياسية كبيرة على كلتا الدولتين والمنطقة، وقد يؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد التجارية وارتفاع تكاليف النقل، وخسائر اقتصادية مباشرة في حجم التجارة والاستثمارات قد تصل إلى أكثر من 2 مليار دولار سنويًا لكلتا الدولتين، بالإضافة إلى زيادة تكاليف التشغيل بسبب اضطراب الطرق البديلة والتأمين، خاصة في بورتسودان.

ووفقاً للباحث الاقتصادي سيظل الأثر والضرر الأكبر على السودان، نسبة لصغر حجم اقتصاده وعجز ميزانه التجاري بشكل مستمر، وعجز في التحكم على صادرات الذهب الذي يمثل 90% من حجم صادراته إلى الإمارات، والأخيرة تعتمد على الذهب بشكل أساسي في وارداتها من السودان بطرق رسمية وغير رسمية.

تدفق الذهب السوداني لن يتوقف

ويرى داؤود أن تدفق الذهب السوداني باتجاه الإمارات لن يتوقف بالطرق غير الرسمية من مناطق سيطرة الدعم السريع وحتى مناطق سيطرة الجيش، ويظل التأثير السلبي الأكبر على الاقتصاد السوداني، خاصة في قطاعات الاستيراد والتصدير والحصول على السلع الأساسية، بما في ذلك المشتقات البترولية، وقد يلجأ السودان إلى أسواق بديلة لسد احتياجاته بتكاليف إضافية، ولا يُستبعد حتى الاندماج الكلي في السوق المصرية.

لكن بحسب رايه ستظل هذه الآثار أكثر حدة على حكومة بورتسودان إذا استمر قرار التعليق أو تطور إلى صراعات أوسع.

لذلك يعتقد داؤود أن الحلول الدبلوماسية والمفاوضات التجارية وتخفيف التوترات السياسية هي مدخل ضروري وواجب من أجل الحفاظ على تبادل تجاري مستقر في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط، والتي للسودان فيها أهمية استراتيجية كبيرة.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.