يشهد إقليم دارفور توترًا متصاعدًا مع استمرار المعارك بين قوات الدعم السريع والجيش السوداني حول مدينة الفاشر المحاصرة، في ظل انقسامات داخلية تعصف بحركة مني أركو مناوي، حاكم الإقليم، الذي يواجه تحديات عسكرية وسياسية تهدد استقرار الحركة وصمود المدينة الاستراتيجية..

التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن

بعد أيام قليلة من تصريحات حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، التي كشفت عن صراع مكتوم داخل القيادة العسكرية في بورتسودان، جاء مؤتمر صحفي لقيادات في حركته تطالب بالإصلاح، ليكشف عن جبهة أخرى من المواجهات يخوضها مناوي داخل صفوفه.

وبعد تفجيره أزمة بتصريحات قال فيها إن بعض قيادات الدولة ترى أن تحرير الخرطوم والجزيرة كافٍ، ويصفون الحرب خارج الخرطوم بأنها “غير مهمة”، غادر مناوي البلاد، فاتحًا الباب أمام الشائعات بأنه خرج مغاضبًا.

وكان مناوي قد فوّض والي وسط دارفور، مصطفى تمبور، للقيام بمهامه قبل أن يسافر إلى وجهة غير معلومة، فيما كشفت مصادر لـ«التغيير» أنه توجه إلى ألمانيا حيث تقيم عائلته، على أن يعود إلى بورتسودان خلال أسبوع.

ونفى تمبور الشائعات التي تدور حول خروج مناوي من البلاد بسبب خلافات، مشيرا إلى أنه في مأمورية خارج بورتسودان وسيعود قريبا. وفي منشور على صفحته على الفيسبوك قال: “أي حديث عن عدم عودته مجرد شائعات يطلقها سذج وأصحاب أغراض”.

أسر نازحة تفر من مدينة الفاشر بشمال دارفور بحثا عن الأمان

تصريحات مثيرة للجدل

في مطلع أغسطس الجاري، كشف حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، في تصريحات أمام ممثلي الإدارات الأهلية، عن خلافات بينه وبين قيادات عسكرية في الجيش، مرجعًا ذلك إلى تقاعسها عن التقدم نحو الفاشر، ومشيرًا إلى وجود مسؤول سوداني كبير “يعتقد أن الحرب خارج الخرطوم غير مهمة”.

وخلال غياب مناوي عن البلاد، أعلن حاكم إقليم دارفور بالإنابة تجهيز متحرك قتالي للمشاركة الفعلية في الزحف نحو دارفور، وذلك عقب اجتماع جمعه مع ولاة ولايات الإقليم، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تصحيحية للواقع الخلافي.

ونشر مناوي، اليوم الاثنين، عبر صفحته على فيسبوك، تهنئة للقوات المشتركة بمناسبة صدّها الهجوم رقم 227 لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.

انشقاق سياسي

في الثاني من أغسطس الجاري؛ صدر قرار حمل توقيع رئيس الحركة قضى بإعفاء كل من مستشار الحركة للشؤون المالية، آدم النور محمد ومساعد رئيس الحركة للشؤون القانونية، محمد محمود كورينا، إلى جانب مصطفى عبد الله أبكر من منصبه كمستشار إعلامي.

بعد أيام قليلة من صدور القرار، عقد عدد من قيادات حركة جيش تحرير السودان، من بينهم مشمولون بقرارات مناوي، مؤتمرًا صحفيًا في العاصمة اليوغندية كمبالا، أعلنوا خلاله مساعيهم لعزل رئيس الحركة وتشكيل قيادة جديدة.

واتهمت المجموعة مناوي بـ”بيع دماء شهداء الحركة والنازحين”، و”الارتماء في حضن الإسلاميين”، معتبرة أن قيادة الحركة انحرفت عن الخط الثوري، وانخرطت في “حروب بالوكالة وخطاب شعبوي وقبلي يزيد الانقسام”.

ووقع على بيان الانشقاق كل من: محمود كورينا، مساعد رئيس الحركة للشؤون القانونية ومتوكل محمد موسى، المستشار السياسي، والفاضل التجاني، الأمين السياسي للحركة، وعصام الحاج، مسؤول المكاتب الخارجية بأوروبا، إلى جانب عصام كتر مدير مكتب رئيس الحركة.

تأثير الانشقاق

المجموعة المنشقة أعضاء في المكتب التنفيذي للحركة وصاحبة نضالات امتدت لـ 23 عاماً وفق ما قاله مصطفى الجميل المستشار الإعلامي السابق لرئيس الحركة مشدداً على أن انشقاقهم سيكون له تأثير كبير بدون شك داخل الحركة.

وقال الجميل لـ«التغيير» إنه تفاجأ بتعليق عضويته في الحركة ما دفعه لتقديم استقالته. وأضاف: الشباب في مجموعة الإصلاح ما زالوا أعضاء في الحركة، ويرغبون في إصلاح المؤسسة وهو حق كفله لهم الدستور.

وفي رده على سؤال لـ«التغيير» حول تأخر هذه المجوعة إعلان إنشقاقها طوال سنوات الحرب أكد الجميل أن هؤلاء المنشقين، على الرغم من وجودهم في عضوية المكتب التنفيذي، لكنهم لا يعلمون السبب خلف خروج الحركة عن الحياد.

وأضاف متسائلا: لماذا نقاتل مع الجيش، ونحن أسسنا حركة تحرير السودان للنضال ضد ظلم المؤسسة العسكرية السودانية.  وزاد: “أن نأتي ونصطف معها فهو أمر لا يحتمل”

لماذا نقاتل مع الجيش، ونحن أسسنا حركة تحرير السودان للنضال ضد ظلم المؤسسة العسكرية
مصطفى الجميل المستشار سابق لرئيس الحركة

وحول الاتهامات التي تشير إلى أن الانقسام ذا طابع اثني قطع الجميل بأن واقع الحرب هو ما جعل السودانيين ينظرون إلى أي حدث بنظرة قبلية، واصفاً المنشقون بأنهم جميعا ينتمون لإقليم دارفور.

وحول تصريحات مناوي التي تكشف عن صراعات مكبوتة مع السلطات في بورتسودان، قال الجميل  إن هذه المعارك تعود إلى أكثر من عقدين ونصف، موضحًا أن “مجموعة بورتسودان” هي نفسها التي قتلت وقصفت المواطنين بالطيران في عام 2003، وسجنت وسحلت وظلمت، ولم يتغير شيء، كما لم تتغير نظرتهم تجاه مناوي حتى وهو يقاتل إلى جانبهم.

لا تأثير عسكري

من جانبه، قلّل أستاذ الدراسات الأفريقية، محمد تورشين، من تأثير الانشقاق داخل حركة مناوي على سير المعارك، مشيرًا إلى أن المجموعة المنشقة لا تضم قيادات عسكرية ميدانية تدين لها بالولاء. وأضاف أن تداعيات هذا الانقسام ستكون سياسية فقط.

وقال تورشين في حديثه مع التغيير إنه لن تكون هناك انعكاسات على المعارك الميدانية خاصة معركة الفاشر لجهة أن الانقسامات السياسية آثارها تكون محدودة للغاية.

وأكد أستاذ الدراسات الأفريقية أن حركة مناوي كانت الأكثر تحصينا ومناعة ضد الانقسامات بعد حرب 15 أبريل التي شهدت انقسامات داخل جميع الحركات، لكنه قطع بأن انقسام الحركات الدارفورية هو أمر متوقع في كافة المراحل المفصلية في تاريخ السودان.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.